
شؤون آسيوية – القاهرة –
وقع الوسطاء، خلال قمة شرم الشيخ على “وثيقة شاملة” بشأن اتفاق غزة، الذي رأى مراقبون أنه يفتح نافذة أمام إنهاء الحرب بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) في قطاع غزة، ويخلق مسارا سياسيا للقضية الفلسطينية، لكنه لا يقدم حلا حقيقيا لها.
وأوضح المراقبون أن نجاح تنفيذ اتفاق غزة يحمل “تأثير دومينو” نحو الهدوء على ساحات عدة في لبنان وسوريا والعراق واليمن، في حين أن الفشل في تنفيذ بنود الاتفاق سيقود إلى “تأثير دومينو معاكس” نحو التصعيد.
ووقع قادة مصر والولايات المتحدة الأمريكية وتركيا وقطر أمس على وثيقة تشمل قواعد ولوائح تنفيذ الاتفاق بين إسرائيل وحماس، وذلك خلال القمة التي عقدت في مدينة شرم الشيخ المصرية على ساحل البحر الأحمر بحضور رؤساء وممثلي دول ومنظمات دولية وإقليمية.
وأكدت القمة، بحسب بيان للرئاسة المصرية، على “التأييد والدعم المطلق لاتفاق إنهاء الحرب في غزة، الذي تم إبرامه في 9 أكتوبر 2025″، ودخل حيز التنفيذ ظهر الجمعة الماضي، بعد محادثات غير مباشرة بين إسرائيل وحماس في شرم الشيخ منذ الإثنين الفائت.
وقبيل القمة، نفذت إسرائيل وحماس صفقة تبادل للأسرى والمحتجزين بموجب اتفاق وقف إطلاق النار.
— اتفاق غزة … ورقة إنقاذ لنتنياهو أم حل للقضية الفلسطينية
ورأى الدكتور عبد المهدي مطاوع مدير منتدى ((الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية والأمن القومي)) بالقاهرة، أن أكثر ما يقدمه اتفاق غزة هو “إنهاء الحرب وخلق مسار سياسي وليس الوصول إلى حل القضية الفلسطينية، لأن هذا الموضوع أكثر تعقيدا من ذلك”.
وأضاف مطاوع، لوكالة أنباء ((شينخوا))، أن الاتفاق “سوف يخلق مسارا سياسيا يعتمد على حسن النوايا خصوصا لدي الطرف الإسرائيلي، وأعتقد أن أي حل فعلي مؤجل لمراحل لاحقة تتعلق بالانتخابات القادمة في إسرائيل ما سوف تفرزه في هذا الإطار”.
بدوره، قال المحلل الفلسطيني هيثم ضراغمة “أعتقد أنه طالما دخلت الولايات المتحدة على الشأن الفلسطيني بشكل جدي هذه المرة، فهناك جدية فعلية لوضع حلول لبعض القضايا في الشرق الأوسط، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، بهدف إرساء السلام والأمن في المنطقة”.
وأضاف ضراغمة، لـ ((شينخوا))، أن “استمرار الأوضاع كما هي عليه سيؤثر على مصالح عدة دول، لذلك أرى أن اتفاق غزة قد يفضي إلى نتائج إيجابية خاصة على الشعب الفلسطيني والمنطقة بأكملها”.
وأردف ضراغمة “يبدو أن هناك جدية في التعاطي مع الملف الفلسطيني هذه المرة، لكن المشكلة تبقى في طبيعة دولة الاحتلال، فهي كثيراً ما تنقض الاتفاقات، وما حصل مع لبنان خير مثال على ذلك، رغم وجود اتفاق لوقف إطلاق النار، لذلك أعتقد أن وقف إطلاق النار الحالي سيستمر ما لم تقدم إسرائيل على خروقات ميدانية”.
لكن الكاتب السوري علي اليوسف، قال “لا أعتقد أن الاتفاق سيقدم حلا حقيقيا للقضية الفلسطينية”.
ورأى اليوسف أن “اتفاق غزة لا يعدو ورقة إنقاذ لنتنياهو بعد تغوله في الدماء وفقدان شعبيته ومصداقيته في الشارع الإسرائيلي، هذا في الجانب الداخلي الإسرائيلي، أما في الجانب الخارجي أجزم أنه كان حركة استعراضية من ترامب ليحصل على جائزة نوبل، ومادام الاتفاق وقع تحت التهديد والوعيد فلا أعتقد أنه سيكون حلا حقيقيا للقضية الفلسطينية، بل على الأغلب سيكون على حساب القضية الفلسطينية”.
وشاطرته الرأي المحللة اللبنانية سيمون الأشقر بقولها إن الاتفاق بين إسرائيل وحركة حماس لوقف الحرب في غزة يعيد خلط الأوراق إقليميا لكنه لا يقدم حلا نهائيا للقضية الفلسطينية.
وقالت الأشقر، لـ((شينخوا))، إن اتفاق غزة قد يفتح نافذة أمام وقف الأعمال القتالية وتبادل الأسرى والمعتقلين، بالإضافة إلى وقف الحصار وتدفق المساعدات الإنسانية وإعادة الإعمار، لكنه لا يعالج القضايا الجوهرية ولا يقدم حلا نهائيا للقضية الفلسطينية على صعيد حدود الدولة الفلسطينية ووضع القدس وعودة اللاجئين.
واعتبرت أن الحل الشامل للقضية الفلسطينية يستدعي مفاوضات طويلة وتنازلات كبيرة من الجانبين وضمانات مؤكدة تكفل عدم خرق ونقض اتفاقيات الحل.
بينما قال المحلل اليمني خليل العمري، إن “اتفاق غزة يمكن أن يكون خطوة نحو حل حقيقي للقضية الفلسطينية إذا توفرت إرادة سياسية صادقة خصوصاً من واشنطن، وتحول الاتفاق إلى مسار سياسي شامل لإنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية”، قبل أن يستدرك “لكن هذا الطرح غير واقعي، مع سياسة الضم والاستيطان التي تقوم بها حكومة نتنياهو بالضفة الغربية”.
— تأثير الدومينو
ورأت الأشقر، أن نجاح تنفيذ اتفاق غزة يحمل “تأثير دومينو” نحو الهدوء على ساحات عدة في المنطقة، في حين أن الفشل في التنفيذ سيقود إلى “تأثير دومينو” معاكس.
وأشارت إلى أنه “ضمن سيناريو التهدئة، سيؤثر النجاح في تنفيذ الاتفاق إيجابا على ساحات لبنان وسوريا والعراق واليمن، في حين أن الفشل في تنفيذ بنود الاتفاق بسبب محاولات خرقه والخروج عليه سيفضي إلى تأثير دومينو في تصعيد أمريكي وإسرائيلي يتركز على إيران ولبنان واليمن”.
لكن اليوسف كان له رأي مخالف بتأكيده أن “اتفاق غزة لا يقع ضمن ما يعرف بالمتوالية السياسية، ومن هذا التصنيف لا يمكن أن يكون للاتفاق تأثير الدومينو، لأن لكل دولة من الدول التي تتنازع معها إسرائيل برنامجها الخاص في ترتيب الشرق الأوسط الجديد وتداخلات دولية وإقليمية تختلف عن الأخرى”.
وأضاف “لذلك، فإن كل دولة سيتم حسم ملفها حسب خصوصية تلك الدولة، وعلى انفراد، لكن ما قد يجمع الكثير عليه أن الحل سيكون موحدا ربما بالقوة العسكرية والهجمات المباشرة، وهذا السلوك يحمل تبعات خطيرة، خاصة أن لدى إيران والحوثيين قوة عسكرية لا يستهان بها”.
إلا أن مطاوع أكد أن “اتفاق غزة سوف يكون له تأثير على باقي النزاعات في المنطقة خاصة موضوع الحوثيين، الذين لن يكون هناك مبرر لهم للقيام بأي حراك”.
ووفق مطاوع، فإن لبنان من بين الملفات التي ستتأثر أيضا باتفاق غزة، فإذا “تم تنفيذ الاتفاق بحذافيره ونزع سلاح حماس وإدارة غزة عبر الإدارة الذي وضعها ترامب، سوف يكون لذلك تأثير على حزب الله في لبنان، وهذا أمر مهم”.
بدوره، قال العمري إن اتفاق غزة في اعتقادي، قد يخفف منسوب التوتر في المنطقة جزئيا، لكنه لن يحل الأزمات المعقدة المرتبطة بالصراعات بين إيران وواشنطن.
— تداعيات الاتفاق على العلاقات الإسرائيلية – العربية
وقال ضراغمة إن “ما نتخوف منه هو أن يكون وقف إطلاق النار مجرد غطاء لاتفاقات تطبيع جديدة، قد تقدم كثمن سياسي لوقف الحرب”، على حد قوله.
وأضاف أنه “ربما يكون هناك تحرك خفي من بعض الدول التي كانت تنوي إقامة علاقات مع إسرائيل، ما قد يؤدي إلى تطبيع إضافي، ونتنياهو يسعى لاستثمار هذا الاتفاق لكسب مزيد من الدول العربية وإقامة علاقات معها على مختلف الصعد، لأن ذلك يخدم أهداف إسرائيل السياسية والاقتصادية”.
أما مطاوع، فرأى أنه “إذا استطاعت واشنطن إنجاز اتفاق غزة وخلق مسار سياسي للقضية الفلسطينية فسوف يدفعها ذلك إلى الضغط لتوسيع اتفاقات التطبيع مع إسرائيل، وهذا بالتأكيد سوف يغير شكل التحالفات في المنطقة”.
وأردف أن “هذا الاتفاق سوف يؤثر على علاقات الدول العربية، وسوف تزداد ضغوطات الولايات المتحدة لمزيد من التطبيع مع إسرائيل، لكن ليس في الوقت الحالي ربما بعد الانتخابات في إسرائيل”.
لكن اليوسف، رأى أن “اتفاق غزة لن تكون له تداعيات (على العلاقات الإسرائيلية العربية) بقدر ما هي إعادة هيكلة التحالفات، لأن معظم الدول العربية تسير على خطى الاتفاق الإبراهيمي”.
في حين رأت الأشقر أن نجاح اتفاق غزة يشكل فرصة لبعض الدول العربية لإقامة علاقات غير رسمية تفتح إمكانية التعاون الاقتصادي مع إسرائيل، من بوابة مشاريع إعادة إعمار غزة .
وأكدت أن إقامة مزيد من الدول العربية لعلاقات دبلوماسية مع إسرائيل لا يبدو متاحا من دون إحراز تقدم سياسي حقيقي للقضية الفلسطينية.
وأشارت إلى أنه “في ضوء نجاح اتفاق غزة، فإن علاقة دول الخليج بالولايات المتحدة قد تتجه إلى مزيد من الشراكة على مختلف المستويات، لكن فشل الاتفاق أو تخلي أمريكا أو تراجعها عن التزاماتها قد يدفع الدول الخليجية إلى تعزيز تحالفاتها الإقليمية وتطوير اتفاقيات مع دول عدة أوروبية وغير أوروبية لتعزيز قدراتها الدفاعية”.
من جهته، قال العمري إن “اتفاق غزة قد يفتح الباب لتقارب سياسي واقتصادي جديد، لكنه لا يبدد الشكوك العميقة بين واشنطن والدول العربية”، قبل أن يردف أن “التطبيع في اعتقادي مع الدول العربية لن يبرح مكانه إذا لم يتم حل القضية الفلسطينية التي تعد أم القضايا والقضية المركزية لدى العرب”.
— مقاربة أمريكية جديدة
ورأى ضراغمة، أن واشنطن تسعى من خلال اتفاق غزة لإعادة تموضعها في المنطقة عبر مقاربة جديدة توازن بين دعم إسرائيل وضمان الاستقرار الإقليمي.
وأضاف أن “تدخل واشنطن المباشر في اتفاق غزة يعكس رغبتها في استعادة دورها كوسيط رئيسي، بما يخدم مصالحها الاستراتيجية في الشرق الأوسط ويحد من نفوذ قوى أخرى كإيران وروسيا”، على حد تعبيره.
فيما أكد مطاوع، أن “إنهاء حرب غزة سوف يخلق شكلا جديدا للشرق الأوسط يتماشى مع مصالح الولايات المتحدة الأمريكية”.
أما اليوسف، فقال إن “الولايات المتحدة سوف تتبع على الأغلب سياسة الضغط القصوى على دول المنطقة لتحقيق أهداف البرنامج الذي تسعى إليه، وهو إعادة ترتيب خارطة الشرق الأوسط الجديد بما يتناسب مع مصالحها الاقتصادية والسياسية”.
وأضاف أنه “من الواضح أن سياسة واشنطن ليست لأهداف سياسية بل لأهداف اقتصادية بعيدة المدى، ومن أهمها السيطرة على الممرات المائية والمياه الدافئة وحرمان المنافسين من هذه المياه، وحتى الاستثمار في دول الشرق الأوسط”.
في حين قالت الأشقر إنه لا يمكن التوقع أو الجزم بشأن سيناريو الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط بعد اتفاق غزة، لكنها أشارت إلى أن ترامب سيحرص على دور قيادي في فرض إدارة للاستقرار في المنطقة.
وأوضحت أن معايير الإدارة الأمريكية تراعي مصالح إسرائيل أولا، وستحاول أن تجعل من وقف النار في غزة نموذجا يعطي أدوارا للوسطاء في الاتفاق الذي يجيء نتيجة ضغوط قصوى بآليات مختلفة.
واعتبرت أن الولايات المتحدة ستواصل الضغط على إيران وسائر الدول والحركات في المنطقة بشتى الوسائل، من عقوبات وحصار وتهديد عسكري مباشر وغير مباشر، بهدف فرض التزامات وشروط سياسية وأمنية عليها. وعبرت عن اعتقادها بأن أمريكا ستسعى إلى تعزيز تحالفاتها الإقليمية بإعطاء أدوار اوسع لبعض الدول “كقنوات خدمات على مستوى التمويل والمراقبة”.
المصدر: شينخوا