
شؤون آسيوية – سيئول –
تواصل كوريا الجنوبية تكثيف جهودها الدبلوماسية والأمنية لإعادة عشرات من مواطنيها المحتجزين في كمبوديا على خلفية قضايا احتيال توظيف، وسط تصاعد الغضب الشعبي إثر مقتل طالب كوري تحت التعذيب في الدولة الواقعة بجنوب شرق آسيا، وما تبع ذلك من الكشف عن شبكات إجرامية عابرة للحدود تستغل الكوريين في أنشطة احتيالية عبر الإنترنت.
مستشار الأمن الوطني الكوري الجنوبي “وي سونغ-لاك” قال إن سيئول تعمل على إعادة نحو 60 مواطنًا كوريًا محتجزين لدى السلطات الكمبودية بحلول نهاية الأسبوع، وأوضح أن فريق استجابة حكومي مشترك سيتوجه إلى بنوم بنه لمعالجة القضية بشكل مباشر، مضيفًا أن الأولوية القصوى للحكومة هي “إخراج هؤلاء المواطنين بسرعة من مسرح الجريمة وإعادتهم إلى ديارهم”.
وأشار “وي” إلى أن عدد المحتجزين الكوريين بلغ 63 شخصاً تم توقيفهم خلال حملة واسعة لمكافحة الاحتيال الوظيفي في كمبوديا، بينما لا يزال نحو 80 آخرين في عداد المفقودين أو لم يتم التأكد من سلامتهم بعد. وأضاف أن السلطات ستخضع جميع العائدين للتحقيقات القانونية في كوريا لتحديد مدى تورطهم في تلك الأنشطة الإجرامية، التي تمثل جزءًا من حملة كمبودية أوسع طالت آلاف الأشخاص من جنسيات مختلفة.
وبحسب الشرطة الكورية، فقد تمت بالفعل إعادة أربعة من بين المحتجزين على متن رحلتين جويتين من كمبوديا إلى كوريا الجنوبية يوم الثلاثاء، بينما يجري التخطيط لترحيل البقية تدريجياً.
وبموجب قانون أمن الطيران الكوري، لا يُسمح بنقل أكثر من مشتبهين اثنين على متن كل طائرة، ما يجعل عملية الإعادة اليومية محدودة بأربعة أشخاص فقط، وفي هذا السياق، أشارت السلطات إلى أنها تدرس خيار استئجار طائرة خاصة لإعادة جميع المحتجزين دفعة واحدة، مع مرافقة محققين لكل منهم أثناء الرحلة.
وفي خضم هذه التحركات، أعلنت وزارة الخارجية الكورية عن تشكيل فريق عمل دائم داخل سفارة البلاد في بنوم بنه، برئاسة السفير الكوري السابق لدى لبنان، بارك إيل، لقيادة الجهود الدبلوماسية والتنسيق المباشر مع السلطات الكمبودية، حيث يتولى الفريق متابعة قضايا الاحتيال والتعذيب التي طالت الكوريين، والعمل على حماية المواطنين وإجلائهم عند الحاجة، ويضم الفريق مسؤولين من أقسام الشؤون القنصلية، والتعاون الإنمائي، والعلاقات مع رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان).
ويأتي تعيين بارك في هذا المنصب المؤقت بعد انتقادات داخلية وجهت للحكومة بسبب تأخرها في التعامل مع الأزمة، خاصة مع بقاء منصب السفير في كمبوديا شاغراً منذ تولي حكومة لي جيه ميونغ السلطة.
ويُعرف بارك بخبرته في إدارة الأزمات، حيث قاد العام الماضي عملية إجلاء عشرات الكوريين من لبنان خلال التصعيد العسكري بين حزب الله وإسرائيل.
القضية اكتسبت زخماً عاماً واسعاً بعد الكشف في أغسطس الماضي عن تعذيب ومقتل طالب جامعي كوري جنوبي في كمبوديا على يد عصابة احتيال وظيفي، في حادثة هزت الرأي العام وأثارت مطالب بمساءلة الحكومة على بطء استجابتها. ولم تتم بعد إعادة جثة الضحية إلى كوريا، إذ أوضح “وي” أن التأخير يعود إلى إجراءات المراجعة المشتركة لنتائج التشريح، مشيراً إلى أن سلطات البلدين تخطط لإتمام التشريح وإعادة الجثمان قريباً.
وأكد مستشار الأمن الوطني على أهمية التنسيق الوثيق مع السلطات الكمبودية لتحديد أماكن الكوريين الذين قد يكونون ما زالوا محتجزين لدى منظمات إجرامية متورطة في عمليات الاحتيال عبر الإنترنت، ولفت إلى أنه “من المهام الأكثر إلحاحًا الآن إعادة أولئك الذين لم يتم التأكد من مكانهم أو قد يكونون محتجزين قسرًا”.
وتقدر السلطات الكورية أن هناك نحو ألف كوري جنوبي من بين نحو 200 ألف شخص متورطين في أنشطة احتيالية إلكترونية مقرها كمبوديا.
وفي مواجهة تصاعد هذه الظاهرة، تعتزم الحكومة الكورية تعزيز القيود على السفر إلى كمبوديا لمنع مواطنيها من الوقوع في فخ عروض العمل الاحتيالية ذات الرواتب العالية، والتي غالبًا ما تكون غطاءً لعمليات تصيد إلكتروني أو اتجار بالبشر.
ورغم تصاعد التوتر بين البلدين بسبب هذه الحوادث، شدد “وي سونغ-لاك” على أن سيئول لا تنوي ربط المساعدات الإنمائية الرسمية التي تقدمها إلى كمبوديا بالقضايا الجنائية الجارية، موضحًا أن “المساعدة الإنمائية تُقيّم على أساس أهدافها التنموية ويُنظر فيها مشروعًا بمشروع، بعيدًا عن الاعتبارات السياسية أو الأمنية الآنية”.