
شؤون آسيوية – دمشق – خاص –
تتواصل المفاوضات بين الحكومة السورية وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) حول آلية دمج الأخيرة ضمن مؤسسات الدولة، فيما تعيش محافظة السويداء حراكاً مدنياً وشعبياً متزايداً ترافقه اشتباكات متقطعة ومبادرات إنسانية ومطالبات بحق تقرير المصير.
بداية مرحلة الدمج العسكري
أفاد نائب الرئاسة المشتركة لـ”مجلس سوريا الديمقراطية” (مسد)، علي رحمون، أن نتائج الاجتماعات التي جرت في العاصمة دمشق بين وفد عسكري وأمني من قوات سوريا الديمقراطية (قسد) وآخر من الحكومة السورية، كانت “إيجابية”.
وأوضح رحمون، في تصريحات لصحيفة الشرق الأوسط، أن المباحثات تناولت تفاصيل عملية دمج قوات “قسد” ضمن وزارتي الدفاع والداخلية، مشيراً إلى أن أجواء اللقاء اتسمت بالجدية والتفاهم المتبادل.
وبحسب رحمون، فقد ناقش الجانبان تشكيل اللجان الفنية المتخصصة لبحث الهيكل التنظيمي لقوات قسد وآليات دمجها، بما في ذلك قوات الأمن الداخلي “الأسايش” التابعة للإدارة الذاتية في شمال وشرق البلاد، حيث استمر الاجتماع لأكثر من ثلاث ساعات ونصف، تم خلالها طرح ملفات تتعلق بالتوزيع العسكري والسجلات التنظيمية والأعداد وآلية الانتقال إلى الوضع المؤسسي ضمن الوزارات المعنية.
وأشار إلى أن الجانبين اتفقا على عقد اجتماعات قريبة على مستوى لجان أكثر تخصصاً، للبحث في تفاصيل الاندماج في وزارتي الدفاع والداخلية، تمهيداً لإطلاق المرحلة التنفيذية للاتفاق.
اتفاق مبدئي على الآلية
يأتي ذلك بعدما كشف القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي، في مقابلة مع وكالة الصحافة الفرنسية، عن التوصل إلى “اتفاق مبدئي” مع السلطات السورية حول آلية دمج قواته ضمن وزارتي الدفاع والداخلية، مشيراً إلى أن الإرادة المشتركة بين الجانبين تدفع نحو تسريع تطبيق بنود الاتفاق الذي وُقّع في العاشر من آذار الماضي.
وأوضح عبدي أن قواته، التي تضم نحو مئة ألف عنصر من مقاتلي “قسد” والأمن الداخلي، ستُعاد هيكلتها لتتوافق مع النظام المعمول به في وزارة الدفاع، مع اعتماد تسمية جديدة داخل المؤسسة العسكرية، على أن يبقى اسم “قسد” تاريخياً تكريماً لدورها في الحرب ضد تنظيم “داعش”.
وأكد عبدي أن التفاهمات الأخيرة جاءت بمشاركة المبعوث الأمريكي إلى سوريا توم براك وقائد القيادة المركزية الأمريكية في الشرق الأوسط (سنتكوم) براد كوبر، اللذين حضرا الاجتماع الأخير في دمشق إلى جانب رئيس المرحلة الانتقالية أحمد الشرع.
كما أشار إلى أن محادثات إضافية ستُعقد لبحث ملفات اقتصادية لاحقة، من بينها ملف النفط والثروات الطبيعية في مناطق شمال شرق سوريا، مع تأكيده أن موارد البلاد يجب أن توزّع بعدالة على جميع المحافظات.
الشرع، من جهته، قال في مقابلة مع قناة “CBS NEWS” الأمريكية، إن استمرار وجود تنظيمات عسكرية مستقلة مثل “قسد” لم يعد ضرورياً بعد استعادة الدولة السورية سيطرتها على البلاد، لافتاً إلى أن السلاح يجب أن يكون حصراً بيد مؤسسات الدولة، وفي الوقت ذاته، أكد أن حقوق المكوّن الكردي ستكون مصونة في الدستور السوري الجديد، وأن عودة جميع المهجرين إلى مناطقهم مضمونة، في إشارة إلى الأكراد المهجّرين من عفرين وتل أبيض ورأس العين.
موقف دمشق من الاتفاق ودور تركيا
وفي المقابلة التي أجراها الشرع مع قناة “CBS”، ذكر أن الاتفاق الموقع مع مظلوم عبدي في العاشر من مارس الماضي يمثل “وثيقة مرجعية” حافظت على المكاسب الوطنية، ونالت قبولاً واسعاً بين مختلف المكونات.
وأضاف أن الحكومة السورية تضمن الخصوصية الثقافية للمجتمع الكردي ضمن إطار الدولة الموحدة، مشددًا على رفض أي نزعات انفصالية.
وأشار الشرع إلى أن الاتفاق لقي قبولاً من عدة أطراف إقليمية ودولية، بينها الولايات المتحدة وتركيا، معتبراً أن تطبيقه كما وُقّع هو السبيل لضمان وحدة البلاد واستقرارها.
من جهته، أكد عبدي أن أي نجاح في المفاوضات سيكون مرهوناً بدور تركيا، آملاً أن تساهم أنقرة في دعم عملية التفاوض الجارية.
مباحثات هيكلية لتشكيل ثلاثة فيالق جديدة
الرئيسة المشاركة لوفد التفاوض في الإدارة الذاتية، فوزة يوسف، أوضحت أن عملية دمج “قسد” ستتم عبر تشكيل ثلاثة فيالق عسكرية ضمن “الجيش السوري الجديد”، حيث أشارت في حديث لوكالة “ولات” إلى أن الاجتماعات مع الحكومة السورية خلال الأيام الأخيرة ناقشت آلية إدماج قوات الأمن الداخلي أيضًا في وزارة الداخلية.
وأضافت أن المشروع المبدئي يقضي بتأسيس ألوية عسكرية تابعة لـ”قسد” ضمن الفيالق الثلاثة الجديدة، على أن تبقى هذه الوحدات منتشرة في مناطق شمال وشرق البلاد، كما كشفت عن أن وحدات “الأسايش” ووحدة مكافحة الإرهاب ستندمجان ضمن هيكلية الأمن الداخلي السوري، مع الحفاظ على إشراف “قسد” على بعض التفاصيل الإدارية الخاصة بها.
وأكدت يوسف أن الهدف من هذا الدمج هو بناء جيش وطني جامع يخدم جميع السوريين دون تمييز قومي أو مذهبي، موضحة أن النقاشات لا تزال في مرحلة الإعداد الفني قبل الانتقال إلى التطبيق العملي.
إغلاق المعابر وتوترات في حلب
في موازاة المباحثات، شهدت الساحة الميدانية توتراً أمنياً بعد اتهامات وجهتها لجنة التفاوض التابعة للإدارة الذاتية للحكومة الانتقالية في دمشق بإغلاق المعابر التي تربط مناطق سيطرة “قسد” بالعاصمة.
رئيس اللجنة، عبد حامد المهباش، قال إن هذه الخطوة تعكس “دوافع سياسية” تهدف إلى “معاقبة المدنيين” في مناطق شمال وشرق سوريا.
وأضاف أن الإغلاق جاء في ظل تصاعد التوترات الأمنية في مدينة حلب، وخاصة في أحياء الشيخ مقصود والأشرفية التي شهدت اشتباكات بين قوات “الأسايش” وقوى الأمن الداخلي التابعة للحكومة.
وبحسب تقارير ميدانية، أُعيد فتح بعض الطرق لاحقاً للمشاة فقط، فيما بقيت حركة السيارات مقيدة عبر حواجز محددة. وأوضحت المصادر أن بعض الحواجز مثل حاجز شيحان والسريان والأشرفية والعوارض والجزيرة ما زالت تخضع لإجراءات صارمة تحد من حرية الحركة.
السويداء.. تضامن مع قسد وتصاعد للحراك الشعبي
في محافظة السويداء، شهدت المدينة تجمعاً شعبياً واسعاً في ساحة الكرامة، عبّر فيه المشاركون عن دعمهم لقوات سوريا الديمقراطية، واصفين إياها بأنها قوة وطنية تمثل نموذجًا في الدفاع عن جميع مكونات المجتمع السوري.
ورفع المحتشدون شعارات التضامن مع حيي الشيخ مقصود والأشرفية في حلب، اللذين يتعرضان لهجمات متكررة من قبل قوات الحكومة السورية، مشيدين بانضباط مقاتلي “قسد” وبما وصفوه بـ”روحها الوطنية الجامعة”.
ويرى مراقبون أن هذا التلاقي الرمزي بين الجنوب الكائن في السويداء والشمال الشرقي الخاضع للإدارة الذاتية يعكس رغبة متنامية لدى شريحة من السوريين في تجاوز الانقسامات التقليدية وإحياء فكرة “الوطن الجامع”.
اشتباكات وخروقات متكررة للهدنة
على صعيد آخر، أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان باندلاع اشتباكات وانفجارات متقطعة في محوري المنصورة وسليم بريف السويداء، نتيجة خرق للهدنة من جهة المنصورة، حيث تصدت قوات “الحرس الوطني” لهجوم من قبل مسلحي الحكومة السورية.
وشهدت مناطق أخرى في ريف السويداء الشمالي، مثل قريتي سليم وعتيل، استهدافاً بقذائف الهاون والرشاشات الثقيلة من مواقع القوات الحكومية في ريمة حازم، فيما ردت قوات “الحرس الوطني” على مصادر النيران، ما أدى إلى تصاعد التوتر في المنطقة.
وكانت استهدفت طائرتان مسيّرتان، في الحادي عشر من أكتوبر، حاجزاً أمنياً للقوات الحكومية على طريق دوار العمران – ولغا، دون ورود معلومات عن الخسائر البشرية.
مبادرات مدنية وإنسانية
في موازاة التصعيد الأمني، أطلقت محافظة السويداء مبادرة إنسانية تهدف إلى تسهيل عودة الأهالي إلى منازلهم المتضررة من خلال برنامج لترميم القرى وإعادة الإعمار، حيث أعلنت المحافظة عن فتح باب التسجيل لعمليات الترميم بإشراف مدير العلاقات العامة عباس السليمان.
وأكد المحافظ مصطفى البكور أن المناطق التي تم تأهيلها أصبحت جاهزة لاستقبال سكانها، وأن الحكومة ستصرف تعويضات مالية لأصحاب البيوت المتضررة بتوجيهات من الرئيس أحمد الشرع، دون تمييز بين المكونات.
كما شهدت المحافظة استمرار حملة تبرعات كبرى بعنوان “السويداء منّا وفينا”، تجاوزت حصيلتها 14 مليون دولار أمريكي، إلا أنها واجهت انتقادات من بعض السكان الذين اعتبروا الحملة محاولة لتلميع صورة الحكومة والتغطية على الانتهاكات السابقة.
الاحتجاجات وحق العودة
في دوار العمران بمدينة السويداء، نظم العشرات من أهالي القرى الغربية المهجرة وقفة احتجاجية تحت شعار “العودة حق.. لن نتخلى عن أرضنا”، للمطالبة بإخلاء القرى من الفصائل المسلحة وتعويض المتضررين وكشف مصير المخطوفين.
ورُفعت خلال الوقفة لافتات تطالب بإطلاق سراح جميع المختطفين والمختطفات، ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات.
وتأتي هذه الوقفة استكمالاً لتحركات سابقة نفذتها مجموعة “صبايا سند” التي نظمت وقفات يومية في مدن عدة بالمحافظة لمتابعة قضية المخطوفين.
حملة “تقرير المصير”
وبرزت في محافظة السويداء حملة مدنية حملت عنوان “حملة تقرير المصير”، قادها المحامي أيمن شيب الدين ومجموعة من النشطاء، وجمعت خلال أيام قليلة أكثر من 127 ألف توقيع خطي و100 ألف توقيع إلكتروني للمطالبة بحق السويداء في تقرير مصيرها السياسي بمعزل عن الدولة السورية.
وأوضح شيب الدين أن الحملة جاءت رداً على ما وصفه بـ”الإبادة والانتهاكات” التي تعرّضت لها المحافظة، مؤكدًا أنها تمثل موقفًا شعبيًا رافضًا لاستمرار الانتماء إلى دولة “فاشلة ومتواطئة”، على حد تعبيره. وأضاف أن الحملة سترفع إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي للمطالبة بالاعتراف بحق تقرير المصير وفق القانون الدولي.
وأشار المنظمون إلى أن الخطوة القادمة تتمثل في تشكيل إدارة مدنية ديمقراطية محلية ونظام انتخابي تمثيلي في حال تجاهلت الجهات الدولية مطالبهم، مؤكدين أن التحرك لن يتوقف وسيُستكمل على الأرض.