
شؤون آسيوية – غزة –
يتواصل المشهد الإنساني والسياسي في قطاع غزة في حالة من التعقيد الشديد، في ظل خروقات إسرائيلية متكررة لاتفاق وقف إطلاق النار الذي دخل حيّز التنفيذ في العاشر من أكتوبر الجاري، وفي ظلّ مساعٍ دولية متواصلة لتثبيت الاتفاق وتنفيذ مراحله الثانية.
خروقات متكررة واتهامات متبادلة
أعلن مركز غزة لحقوق الإنسان أنه وثق 129 حادثة قصف وإطلاق نار منذ بدء سريان الاتفاق، ما أدى إلى استشهاد 34 فلسطينياً وإصابة 122 آخرين، مشيراً إلى أن استهداف المدنيين، مثلما جرى لعائلة أبو شعبان في حي الزيتون، يعكس استخفافاً سافراً بحياة الأبرياء وإصراراً على مواصلة سياسة القتل والتدمير، دون اعتبار للقانون الدولي الإنساني، وأكد المركز أن حماية المدنيين لا يمكن أن تتحقق إلا عبر وقف شامل ودائم للعدوان وإلزام إسرائيل باحترام القانون الدولي.
وكانت حركة حماس أعلنت، في بيان لها يوم الجمعة، أن دبابة إسرائيلية أطلقت قذيفة مباشرة على مركبة تقلّ أفراد عائلة أثناء محاولتهم تفقد منزلهم في حي الزيتون بمدينة غزة، ما أسفر عن مقتل 11 شخصاً بينهم سبعة أطفال وثلاث نساء.
ووصفت الحركة ما جرى بأنه مجزرة جديدة تضاف إلى سلسلة خروقات إسرائيل لاتفاق وقف إطلاق النار، ودعت الرئيس الأميركي دونالد ترامب والوسطاء إلى متابعة تجاوزات إسرائيل والقيام بدورهم في إلزامها باحترام الاتفاق ووقف استهداف المدنيين.
من جهة أخرى، تسلم الجيش الإسرائيلي جثة رهينة من الصليب الأحمر، بينما اتهمت السلطات الإسرائيلية حماس بالتباطؤ في تسليم باقي الجثامين، حيث ادعت أن حماس تعرف أماكن دفن الرهائن لكنها لا تبذل مجهوداً كافياً لاستخراجها وتسليمها، محذّرة من أن الوقت ينفد أمامها للالتزام بخطة ترامب المكونة من عشرين نقطة.
وردت حماس بأن تأخير تسليم الجثامين يعود لأسباب فنية ولغياب المعدات الثقيلة اللازمة لرفع الأنقاض في ظل الحصار المفروض ومنع دخول الأدوات المطلوبة.
تصريحات متناقضة
في خضم هذه التطورات، قال القيادي في حركة حماس محمد نزال لوكالة “رويترز” إن الحركة تعتزم الاحتفاظ بالسيطرة الأمنية في غزة خلال فترة انتقالية، مضيفاً أنها مستعدة لوقف إطلاق نار يصل إلى خمس سنوات مقابل ضمانات لإعادة الإعمار ومنح الشعب الفلسطيني الأمل في إقامة دولة مستقلة.
وأوضح أن مسألة نزع السلاح تتوقف على طبيعة المشروع والجهة التي ستتسلم السلاح، مؤكداً أن الحركة لا تستطيع الجزم بالموافقة أو الرفض المطلق دون معرفة التفاصيل.
وجاءت تصريحات نزال بعد تنفيذ حماس أحكام إعدام بحق عدد من المتهمين بالقتل في غزة، وقال إن هذه الإجراءات تمت في ظروف استثنائية وبناءً على تحقيقات وحيثيات خاصة، لافتاً إلى أن الحركة تواجه ضغوطاً شديدة لكنها مصممة على حماية أمن القطاع خلال المرحلة الانتقالية.
في المقابل، رد مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بالقول إن إسرائيل ملتزمة باتفاق وقف إطلاق النار لكنها تتوقع من حماس الالتزام الكامل ببنود الخطة، بما في ذلك نزع السلاح وتسليم جثث الرهائن.
مراقبة دولية
أفادت القناة 13 الإسرائيلية بأن ضباطاً أميركيين سيقيمون مركز قيادة في غلاف غزة لإدارة طاقم دولي مكلف بالبحث عن جثث الإسرائيليين، يضم ممثلين عن منظمات دولية وهيئات إنسانية.
وأوضحت تقارير أن نحو 200 جندي أميركي وصلوا لإقامة هذا المركز الذي سيعمل على مراقبة وقف إطلاق النار وتنسيق عمل قوة الاستقرار الدولية المرتقبة، كما أعلنت وزارة الدفاع الألمانية إرسال ثلاثة ضباط إلى غزة ضمن مهمة لمراقبة تنفيذ الاتفاق وإزالة الألغام، بالتعاون مع المركز الأميركي المقام جنوب إسرائيل.
من جهة أخرى، أعلنت تركيا أن فريقاً من 81 مسعفاً تابعين لوكالة إدارة الكوارث ينتظر موافقة إسرائيل للدخول إلى غزة والمشاركة في البحث عن الجثث تحت الأنقاض، مشيرة إلى أن المهمة تشمل البحث عن ضحايا فلسطينيين وإسرائيليين على حد سواء.
وأبدى وزير الخارجية التركي هاكان فيدان قلقه من أن تستغل إسرائيل تأخر العثور على الجثث ذريعة لخرق اتفاق وقف إطلاق النار، مؤكداً أن المجتمع الدولي يراقب بقلق احتمال تجدد التصعيد.
مخاوف من انهيار الهدنة
تشهد المنطقة حراكاً دبلوماسياً مكثفاً مع اقتراب زيارة المبعوث الأميركي ويتكوف إلى الشرق الأوسط، حيث من المتوقع أن يزور مصر وإسرائيل وربما غزة، في إطار متابعة تنفيذ الاتفاق.
ووفق ما نقل موقع “أكسيوس”، فإن المرحلة الثانية من الخطة تواجه تعقيدات كبيرة أبرزها قضية نزع سلاح حماس وتشكيل إدارة مدنية مستقلة للقطاع، فضلاً نقل الموقع عن مسؤول أميركي قوله إن البيت الأبيض يسعى لتجنّب انهيار الهدنة بسبب التوتر المتزايد والاتهامات المتبادلة بين الطرفين.
في الأثناء، قالت القناة 12 الإسرائيلية إن المبعوث الأميركي سيتابع تنفيذ خطة ترامب على الأرض، فيما أكدت واشنطن أنها تحث إسرائيل على احترام اتفاق وقف إطلاق النار وعدم القيام بعمليات تهدد استقراره.
أما في الضفة الغربية، فقد واصلت القوات الإسرائيلية حملات المداهمة والاعتقال، حيث اقتحمت بلدة دير جرير شرق رام الله واعتقلت عشرة فلسطينيين على الأقل خلال عمليات تمت فجر السبت، ما أثار انتقادات فلسطينية لغياب أي التزام بوقف الاعتداءات.
استمرار الحصار
ميدانياً، شهدت مناطق شرقي خان يونس ومدينة غزة إطلاق نار كثيف من الآليات العسكرية الإسرائيلية المتمركزة قرب الخط الأصفر، كما أطلقت الزوارق الحربية النار باتجاه الصيادين في محيط ميناء غزة.
وأفاد الدفاع المدني في غزة باستشهاد 11 شخصاً في قصف مدفعي استهدف مركبة تقل نازحين على طريق صلاح الدين، أثناء محاولتهم العودة إلى منازلهم في حي الزيتون، كما تم انتشال جثامين تسعة آخرين من تحت الأنقاض بعد قصف استهدف نازحين في المنطقة نفسها.
وقال الدفاع المدني إن الجهود تتواصل لانتشال جثامين أخرى من بين الركام، إلا أن نقص المعدات والوقود يعرقل عمليات البحث.
دمار شامل
تُظهر المعطيات التي جمعتها منظمات أممية أن الحرب الإسرائيلية على غزة منذ السابع من أكتوبر 2023 خلفت أكثر من 238 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح، معظمهم من النساء والأطفال، إضافة إلى أكثر من 11 ألف مفقود ومئات الآلاف من النازحين.
كما تسببت الحرب في مجاعة حصدت أرواح كثيرين، ودمار شبه كامل للبنية التحتية والمنازل والمستشفيات والمدارس، ما جعل القطاع في حالة انهيار شامل.
دائرة الأمم المتحدة للألغام حذرت من أن مخاطر الذخائر غير المنفجرة تزداد بعد وقف إطلاق النار، مشيرة إلى أن إزالة الذخائر ستستغرق وقتاً طويلاً، لكنها ضرورية لإعادة الحياة تدريجياً إلى طبيعتها.
وأكد رئيس البعثة الأممية للألغام لوك إيرفينغ أن القيود التي فرضت خلال العامين الماضيين حالت دون إجراء عمليات مسح واسعة في غزة، وأن آلاف الأجسام غير المنفجرة ما تزال تشكل تهديداً خطيراً على حياة السكان، خصوصاً الأطفال.
ودعت الأمم المتحدة إلى توفير المعدات والتمويل اللازمين لبدء عملية الإزالة بشكل منظم وآمن.
احتياجات ملحة في غزة
قال منسق الطوارئ الأول في منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) هاميش يونغ إن وضع قطاع غزة كارثي، مؤكداً أن نوعية المساعدات التي يحتاجها الفلسطينيون في القطاع لا تقل أهمية عن كميتها، وشدد على ضرورة السماح بدخول جميع المواد الأساسية دون قيود لتلبية الاحتياجات الإنسانية المتزايدة.
وأوضح يونغ أن الفلسطينيين بحاجة ماسة إلى خيام ومشمعات وأغطية بلاستيكية، ومياه شرب نظيفة، وإلى وقود ومعدات ضرورية لإنتاج المياه وتوزيعها، إلى جانب أنابيب لإصلاح الآبار ومحطات التحلية، في ظل تدمير معظم شبكات البنية التحتية بفعل القصف الإسرائيلي المتواصل خلال العامين الماضيين.
وفي سياق متصل، حذرت بلدية غزة من كارثة بيئية وشيكة جراء تسرب مياه الصرف الصحي واختلاطها بالمياه الجوفية، وأوضحت أن المضخات في المدينة توقفت بشكل تام أو جزئي بسبب التوغلات الإسرائيلية وتدمير محطات الضخ، ما تسبب بتسرب كميات كبيرة من المياه في الشوارع والمناطق السكنية.
وأكدت البلدية أن شبكات الصرف الصحي دُمّرت على نحو واسع، وأن المدينة تواجه خطر تلوث مياه البحر واختلاط مياه الصرف بخزانات مياه الشرب، مطالبةً بضرورة إدخال معدات الصيانة ومولدات الكهرباء العاجلة لصيانة مرافق المياه.