
شؤون آسيوية – خاص –
مع اقتراب نهاية عام 2025، يبدو المشهد الأمني في سوريا أكثر هشاشة وتفككاً من أي وقت مضى منذ تراجع العمليات العسكرية الكبرى.
تتفاوت درجات التوتر بين منطقة وأخرى، لكن القاسم المشترك هو ضعف سلطة القانون وغياب المحاسبة، ما جعل الحوادث الفردية تتحول إلى مؤشرات عامة على تفكك المنظومة الأمنية.
الساحل السوري: اختطاف يطال الأطفال وتصاعد للجرائم
في مدينتي اللاذقية وطرطوس، تصاعدت خلال الأشهر الماضية عمليات الخطف بشكل غير مسبوق.
أبرزها حادثة اختطاف الطفل محمد قيس حيدر (13 عاماً) في الثامن من أكتوبر أمام مدرسته في حي المشروع العاشر باللاذقية، من قبل مجهولين لم تُعرف هويتهم حتى الآن، فيما لم تتمكن عائلته من التواصل معه أو مع أي جهة رسمية تملك معلومات عنه.
هذا الحادث أثار غضباً واسعاً، وأُغلقت مدارس ليومين احتجاجاً على تدهور الأمن.
تقارير حقوقية، منها لمنظمة العفو الدولية، وثّقت عشرات حالات الخطف خلال 2025 استهدفت نساءً وأطفالاً في مدن الساحل، وسط اتهامات للأجهزة الأمنية بالتقاعس أو التورط.
الأهالي يتحدثون عن عودة شبكات الخطف مقابل فدية وصمت رسمي متواصل.
حمص: اعتداء طائفي على معلمة ومديرة مدرسة
في منتصف أكتوبر شهدت حمص واقعة اعتداء على معلمة ومديرة مدرسة في حي البيّاضة، حيث تعرضتا للضرب والإهانة على خلفية طائفية أمام الطلاب.
الحادثة، التي وثقتها وسائل إعلام محلية، أثارت استياءً واسعاً ودفعت عدداً من المدرسين إلى المطالبة بضمانات للحماية داخل المؤسسات التعليمية.
الجهات الرسمية اكتفت ببيان مقتضب عن “تحقيق جارٍ”، من دون إعلان نتائج، ما زاد من التوتر الأهلي في المدينة.
السويداء: حصار فعلي وضغط إنساني
السويداء تواجه منذ أشهر وضعاً يصفه الأهالي بأنه حصار غير معلن.
الطرق المؤدية إليها تُفتح وتُغلق بشكل متقطع، وأسعار المواد الغذائية والأدوية ارتفعت بشكل كبير.
الحكومة تنفي وجود حصار رسمي، لكنها تتحدث عن “قيود لوجستية مؤقتة”، فيما تؤكد منظمات مدنية أن ما يحدث خنق اقتصادي وأمني مقصود.
وخلال أكتوبر، وقعت مواجهات قصيرة بين مجموعات محلية مسلحة وقوات أمنية حكومية، تخللتها وساطات من وجهاء محليين دون اتفاق دائم.
الوضع الإنساني يتدهور تدريجياً وسط تراجع الخدمات الأساسية ونقص حاد في الأدوية.
حلب: اضطراب إداري واحتكاكات أمنية
مدينة حلب تعيش حالة من الفوضى الأمنية نتيجة احتكاكات متكررة بين قوات حكومية ومجموعات محلية بعضها على صلة بـ«قسد».
شهدت الأحياء الشرقية اشتباكات في أوائل أكتوبر، أعقبها اتفاق تهدئة هشّ بوساطة روسية.
التحدي الأكبر هو غياب إدارة موحدة، إذ تتداخل الصلاحيات بين الأجهزة الحكومية والمجالس المحلية، ما يخلق فراغاً تستغله مجموعات مسلحة.
المواطنون يعانون من انقطاع الخدمات وقيود الحركة اليومية، وسط خوف دائم من تجدد المواجهات.
إدلب: توتر مستمر وخطر تصعيد
الوضع في إدلب يوصف بـالتوتر الدائم، الفصائل المسلحة تواصل السيطرة على مناطق واسعة، والقوات الحكومية تحتفظ بمواقع قريبة.
الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية تحذر من احتمال نزوح واسع إذا استؤنفت العمليات العسكرية.
رغم هدوء نسبي، يبقى الخطر قائماً في ظل التنافس بين القوى المحلية والإقليمية، السكان يعيشون بين تهديد المعارك وسوء الأوضاع المعيشية، مع خدمات متدهورة ومخيمات مكتظة لا تحتمل مزيداً من الوافدين.
العلاقة مع قوات سوريا الديمقراطية: تفاهمات هشة
العلاقة بين حكومة دمشق و«قسد» تمرّ بمرحلة حساسة، ورغم التفاهمات المعلنة حول التنسيق الأمني، تجددت الاشتباكات في بعض أحياء حلب مطلع أكتوبر قبل أن تتدخل وساطات محلية لوقف النار.
الخلافات الرئيسية تتعلق بالسيطرة على المعابر، تقاسم الموارد، وطبيعة الإدارة المحلية في المناطق المشتركة، والاتفاقات المؤقتة لم تُترجم إلى واقع ثابت، ما يجعل التوتر قابلاً للاشتعال في أي لحظة.
خاتمة
خريف 2025 يؤكد أن سوريا ما زالت بعيدة عن الاستقرار الأمني.
الخطف في الساحل، الاعتداءات الطائفية في حمص، الحصار في السويداء، الاضطراب في حلب، التوتر في إدلب، والتقلب في العلاقة مع قسد جميعها تعكس هشاشة البنية الأمنية.
لا مؤشرات على تحسن قريب، فيما تبقى البلاد مقسمة فعلياً إلى مناطق نفوذ تتقاسمها سلطات متعددة، كلٌّ منها عاجزة عن فرض الأمان الكامل أو استعادة الثقة الشعبية.