
شؤون آسيوية – خاص –
في شمال غرب سوريا، وتحديداً في مدينة حارم بريف إدلب، يقع “مخيم الأنصار الفرنسيين”، الذي يُعرف أيضاً بـ”مخيم الفرنسيين” أو “مخيم الغرباء”.
يُعد هذا المخيم واحداً من أبرز التجمعات للمقاتلين الأجانب في سوريا، ويضم أفراداً من جنسيات متعددة، أبرزهم الفرنسيون، الإيغور، الأوزبك، والشيشانيون.
يُقدر عدد سكان المخيم بحوالي 10,000 شخص بين مقاتلين وعائلاتهم، ويعيشون وفق قوانينهم الخاصة بعيداً عن مؤسسات الدولة السورية والفصائل المحلية.
تاريخ المخيم
تأسس المخيم في أوائل عام 2012، بعد أن بدأ المقاتلون الأجانب في التوافد إلى سوريا خلال ذروة الحرب الأهلية.
في البداية، كان المخيم يضم مقاتلين من جنسيات مختلفة، ولكن مع مرور الوقت، أصبح يتركز بشكل رئيسي حول المقاتلين الفرنسيين، خاصة أولئك القادمين من منطقة نيس الفرنسية.
تولى قيادة المخيم الفرنسي من أصول سنغالية، عمر ديابي، المعروف بلقب “عمر أومسين”.
الأنشطة داخل المخيم
يُدار المخيم بشكل شبه مستقل، حيث يُفرض فيه نظام داخلي صارم يشمل:
• محكمة شرعية: تم تأسيس محكمة شرعية داخل المخيم، حيث يتم الفصل في القضايا وفقاً للشريعة الإسلامية، بعيداً عن القانون السوري.
• تعليم ديني: يُفرض تعليم ديني صارم، خاصة على الفتيات، حيث يتم تعليمهن وفقاً لتفسير معين للشريعة.
• أنشطة عسكرية: يُشرف المخيم على تدريبات عسكرية للمقاتلين، ويُعدهم للقتال في مناطق مختلفة من سوريا.
• سجن داخلي: يوجد داخل المخيم سجن خاص يُستخدم لاحتجاز من يُعتبرون مخالفين للنظام الداخلي.
التوترات مع السلطات السورية
في 22 تشرين الأول أكتوبر 2025، بدأت التوترات بين قوات الأمن السورية وكتيبة “الغرباء الفرنسية” بعد فرض حصار على المخيم بهدف القبض على قائدها، عمر أومسين، بتهمة اختطاف طفلة من أم فرنسية وابتزازها مقابل فدية.
بالإضافة إلى ذلك، وُجهت له اتهامات بإقامة محكمة شرعية داخل المخيم وإخضاع القاطنين فيه للحكم الشرعي بمعزل عن القانون السوري.
رفض أومسين تسليم نفسه للسلطات السورية، مما دفع القوات الأمنية إلى تعزيز وجودها حول المخيم واندلعت اشتباكات بين الجانبين، دون أن يتمكن أي منهما من حسم الموقف.
التدخلات الخارجية والمساندة
على ضوء الأحداث المتسارعة، أعلن عدد من المقاتلين الأجانب من الأوزبك في تسجيل مصور عزمهم التدخل لمساندة أومسين والمقاتلين الفرنسيين داخل المخيم.
أوضحوا أن الدولة السورية بدأت باستهداف “المهاجرين”، وأن الدور سيأتي على الباقين بعد الانتهاء من المقاتلين الفرنسيين، داعين باقي المقاتلين الأجانب إلى الالتحاق بهم للدفاع عن المخيم ومن بداخله.
من جانبه، خرج أومسين بتسجيل صوتي، قال فيه إن الحملة هي من تخطيط المخابرات الفرنسية، واصفاً الأمن السوري بمجموعة من “الحمقى”.
كما نفى جميع التهم الموجهة إليه بالانتماء لتنظيم “داعش”، وكذلك الاتهامات المتعلقة بخطف الطفلة، وزعم أن المخابرات الفرنسية حاولت اغتياله سابقاً في عفرين.
الرواية الرسمية السورية
صرح قائد الأمن الداخلي في محافظة إدلب العميد غسان باكير، بأن الحملة جاءت بناءً على شكاوى أهالي المخيم بشأن الانتهاكات الجسيمة التي تعرضوا لها، وآخرها خطف فتاة من والدتها على يد مجموعة مسلحة خارجة عن القانون بقيادة المدعو عمر ديابي (أومسين).
وقال باكير إن قيادة الأمن الداخلي سعت إلى التفاوض مع أومسين لتسليم نفسه طوعاً، إلا أنه رفض، وتحصن داخل المخيم، ومنع المدنيين من الخروج، وشرع بإطلاق النار واستفزاز عناصر الأمن وترويع الأهالي، “ما يؤكد أنه يستخدم المدنيين كدروع بشرية، ويقع على عاتقه كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن أي تهديد لسلامتهم”.
وأكد باكير أن “حماية المدنيين وتطبيق القانون هما الأولويتان الأساسيتان، وسنواصل بحزم اتخاذ جميع الإجراءات القانونية والأمنية اللازمة لضمان إنفاذ القانون”.
الوضع الحالي والاتفاقات
في 23 تشرين الأول أكتوبر 2025، توصلت السلطات السورية ومقاتلون فرنسيون إلى اتفاق ينهي الاشتباكات، وفقاً لمصادر من الطرفين.
لم تُكشف تفاصيل الاتفاق بشكل علني، لكن يُفترض أنه شمل تسليم أومسين وتفكيك كتيبته، تجنباً لتصعيد الوضع الأمني في المنطقة.
تُظهر الصور المنتشرة على منصات التواصل الاجتماعي مشاهد من المخيم خلال الاشتباكات، بما في ذلك تحركات للمقاتلين الأجانب وانتشار قوات الأمن، مما يعكس حجم التوتر الذي ساد المنطقة.
لكن حتى الآن، لم تُنشر معلومات إضافية حول تفاصيل الاتفاق أو تداعياته على الوضع الأمني في إدلب.
ويُعد “مخيم الأنصار الفرنسيين” في إدلب مثالاً على التحديات الأمنية والسياسية التي تواجهها سوريا في ظل وجود تجمعات للمقاتلين الأجانب الذين يديرون مناطق خارج سيطرة الدولة.
كما تُظهر الأحداث الأخيرة الحاجة إلى تعزيز سيادة القانون وتطبيقه على جميع الأراضي السورية، بغض النظر عن هوية القاطنين فيها.
وتبقى الأسئلة مفتوحة حول مصير المخيم وسكانه، وما إذا كانت الحكومة السورية ستتمكن من فرض سيطرتها الكاملة على هذه المنطقة أم لا.