(250830) -- TIANJIN, Aug. 30, 2025 (Xinhua) -- This photo taken on Aug. 30, 2025 shows an exterior view of the main venue of the Shanghai Cooperation Organization (SCO) Summit 2025 in north China's Tianjin. The upcoming Shanghai Cooperation Organization (SCO) Tianjin Summit is scheduled for Aug. 31 and Sept. 1 in north China's port city of Tianjin. (Xinhua/Sun Fanyue)
شؤون آسيوية – بقلم: نشوى عبد الحميد –
استمرارا للمبادرات الصينية في مجالات التنمية العالمية والأمن العالمي وحوار الحضارات، تأتي مبادرة الحوكمة العالمية التي طرحها الرئيس شي جين بينغ، خلال اجتماع “منظمة شانغهاي للتعاون بلس” في مدينة تيانجين الصينية، لتعيد إلى الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة قيمها الإنسانية ومثلها العادلة، التي قامت عليها قبل 80 عاما عند تأسيسها.
إن ميثاق الأمم المتحدة ليس مجرد إعلان سياسي، بل هو عهد من القادة لشعوبهم، ومن الدول لبعضها البعض، ومن جيل إلى جيل: أن ينقذوا الأجيال المقبلة من ويلات الحرب. وهو يسعى لوضع منظومة من القواعد والآليات، التي تنظم وتحكم عمل النظام الأممي الشامل، بل والعالم أيضا، بكفاءة وفعالية عبر الشفافية والمساءلة والمشاركة والعدالة.
وتعد من أبرز مسؤوليات الأمم المتحدة تعزيز العلاقات الودية بين الدول، وتحسين مستويات المعيشة، وحماية حقوق الإنسان، وتحقيق العدالة. غير أن العيوب الهيكلية في مؤسسات الأمم المتحدة، وضعف أو تحيز آليات الحوكمة العالمية، تعيق أحيانا تحقيق هذه الأهداف، بينما تجعل الاضطرابات السياسية والاقتصادية والعسكرية والاجتماعية المنظمة الدولية البارزة غير قادرة على مواجهة تلك الأزمات.
— تصاعد عجز الحوكمة العالمية
لاتزال الدول الغنية حتى اليوم تتمتع بنفوذ غير متناسب في صنع القرار الدولي، بينما تعاني دول الجنوب العالمي من ضعف التمثيل. وهذا في الواقع يُشكل ضغطا غير عادل على الأسواق الناشئة والدول النامية. فلنأخذ تغير المناخ كمثال. لقد تسببت دول أوروبا الغربية والولايات المتحدة في زيادة مستوى الكربون في الغلاف الجوي للأرض على مدى المئتي عام الماضية منذ الثورة الصناعية، لكنها الآن تضغط على الصناعات الوليدة في الدول النامية بحجة حماية البيئة.
وجدير بالذكر أن أكثر ضحايا تغير المناخ هي المجتمعات الفقيرة والضعيفة المنتشرة في دول الجنوب العالمي، كالمناطق الساحلية في إفريقيا وجنوب آسيا المهددة بالغرق. ففي الوقت الذي تحاصر الفيضانات والتصحر الدول النامية، منح الاحتباس الحراري سهول كندا آفاقا زراعية أفضل! بل وصل الأمر إلى حد اتهام زراعة الأرز في الصين وشرق آسيا بإطلاق انبعاثات الميثان! وكذلك مربي الماشية في إفريقيا وأمريكا اللاتينية! ولكن من تسبب في نفوق الأسماك في نهر التايمز في ثمانينيات القرن الماضي قبل الطفرة الصناعية الكبرى في الصين، وفي الوقت نفسه يتم تجاهل قرارات الأمم المتحدة ومؤسساتها، مثل أمر محكمة العدل الدولية لإسرائيل بوقف عملياتها العسكرية في رفح فورا، وقرارات مجلس الأمن التي تدعو إسرائيل إلى وقف جميع الأنشطة الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية.
غالبا ما يقع الرأي العام العالمي السائد ضحية لمعرقل واحد، حيث استخدمت الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) مرارا ضد مشاريع قرارات تطالب بوقف فوري لإطلاق النار في غزة، رغم الدعم الواسع من باقي أعضاء المجلس.
من المقلق أيضا هيمنة الشركات العالمية والمصالح الخاصة على القرارات والسياسات الدولية. فنصف ثروة العالم يمتلكها 1 بالمائة من سكانه، وهي متركزة جغرافيا في أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية.
وتمثل نوبات الغضب الأمريكية بشأن الرسوم الجمركية مثالا صارخا على الظلم الواقع على الطبقات العاملة الكادحة من أجل مصالح الشركات الكبرى والأثرياء. وكيف يمكن للمؤسسات الدولية أن تعمل بكفاءة إذا كانت الولايات المتحدة تسحب تمويلها عندما تريد؟.
بالإضافة إلى ذلك، كيف يمكن أن تكون إجراءات المناخ العالمية فعالة حقا إذا كانت الولايات المتحدة – أكبر مصدر لانبعاثات الكربون تتملص من مسؤولياتها ؟، وكيف يمكن تحقيق التنمية المشتركة بينما تفرض الدول الغنية حظرا تكنولوجيا يعمق الفجوة الرقمية بين الجنوب والشمال، ومن يدفع الثمن عندما تقرر أكبر قوة عظمى وأكبر اقتصاد في العالم خفض مساعداتها الخارجية بشكل كبير؟.
— سد الفجوة بين الجنوب والشمال
من خلال مبادرة الحوكمة العالمية، تؤكد الصين رفضها للتمثيل غير المتوازن والتمييز بين الدول، سواء كانت صغيرة أو كبيرة، غنية أو فقيرة. كما تؤكد على ضرورة ضمان تمثيل عادل لدول الجنوب العالمي داخل المؤسسات الاقتصادية والمالية الدولية، حتى يتمكن النظام العالمي من الحفاظ على الحياد وحماية المصلحة الجماعية.
ولسد الفجوات المزمنة بين الشمال الغني والجنوب النامي، تدفع الصين نحو تحقيق الازدهار العالمي من خلال الالتزام بالتنمية القائمة على الابتكار والمتمحورة حول الإنسان، وتحقيق مصالح الجميع دون استثناء. ومن أجل هذه الغاية، تدعو الصين أيضا إلى إصلاح الهيكل المالي الدولي لتلبية احتياجات الجنوب العالمي بشكل أفضل.
ويتطلب تحقيق التنمية المشتركة تحقيق العدالة في استخدام الموارد، إلا أن الرسوم الجمركية التعسفية تقوض ذلك. فعلى سبيل المثال، بينما يسعى العالم للحصول على مصادر طاقة نظيفة ورخيصة وآمنة، فإن الرسوم الجمركية الأمريكية على الألواح الشمسية المستوردة زعزعت استقرار السوق العالمية لمنتجات الطاقة الشمسية الكهروضوئية، ولحماية الحقوق التنموية المشروعة للأسواق الناشئة والدول النامية، تقود الصين الجهود، بما في ذلك اللجوء إلى منظمة التجارة العالمية، للحفاظ على استمرارية التحول الأخضر.
ويعلّق الجنوب العالمي آمالا كبيرة على الذكاء الاصطناعي والتطوّرات الرقمية الأخرى للمساعدة في تطوير بنيته التحتية الاقتصادية والاجتماعية، ساعيًا إلى الاستفادة من الثورة الصناعية الجديدة في تسريع التوازن التنموي مع الشمال، غير أن الاحتكارات التكنولوجية تعيق ذلك. وقد اقترحت الصين إنشاء منظمة عالمية للتعاون في مجال الذكاء الاصطناعي، مؤكدة حق جميع الدول في التنمية والاستخدام المتكافئ للذكاء الاصطناعي.
وهناك العديد من الأمثلة الأخرى، التي تبرز الأهمية البالغة لمبادرة الحوكمة العالمية والمبادرات الصينية ذات الصلة في عالم اليوم. فبعد ثمانية عقود من تأسيس الأمم المتحدة تعيد هذه المبادرات الصينية تحفيز المجتمع الدولي نحو العمل المشترك لتحقيق المُثل العليا المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة، وبناء مستقبل أفضل للجميع.
** نشوى عبد الحميد، هي وكيل وزارة ورئيس الإدارة المركزية لإعلام أوروبا والأمريكتين وآسيا وأستراليا بالهيئة العامة للاستعلامات في مصر.
المصدر: شينخوا
