نتنياهو وبن غفير قائدا التطرف القومي والديني الصهيونيين
- وُلد معسكر سياسي جديد في إسرائيل، يمكن تسميته “مع نتنياهو على الرغم من كل شيء”. فما بدأ كقطرات، بعد وقف إطلاق النار في غزة، تحوّل إلى نهرٍ جارف مع طلب العفو الذي قدّمه بنيامين نتنياهو للرئيس يتسحاق هرتسوغ. فجأةً، تجدّد الأمل القديم بأن يغيّر رئيس الوزراء معسكره، ويتخلى عن شركائه من اليمين المتطرف، وينعطف نحو الوسط، ومن خلال هذا الأمل، سنصل جميعاً إلى “النيرفانا”: الانقلاب القضائي سيتوقف، وستحلّ الوحدة والأخوّة محلّ التحريض والانقسام؛ السعودية ستطبّع العلاقات؛ نتنياهو سيسير خلف دونالد ترامب، سالكاً الطريق كلها نحو الدولة الفلسطينية. ومثلما قال النبي إشعيا: “ويكون في آخر الأيام…” لم نعد بحاجة إلى الانتظار. فقط دعوا هرتسوغ يحرّر نتنياهو من عبء محاكمته، وسيأتي الخلاص سريعاً.
- جرى هذا التحول، بعد أن استجاب نتنياهو للمطلب المركزي لخصومه: إعادة الأسرى من جحيم “حماس”. ووعوده السابقة لحلفائه اليمينيين – من إعلان ضم الضفة إلى الحديث عن ترحيل جماعي من غزة – أُلقيت في سلة المهملات، على الأقل في الوقت الراهن. صحيح أن نتنياهو قدّم هذا التحول في مواقفه كاستسلام لترامب، وليس كخيانة مقصودة لشركائه، ومع ذلك، فإن رسالته لاقت صدى كبيراً في ساحة كابلان [الساحة التي كان يتظاهر فيها معارضو الانقلاب القضائي وحكومة نتنياهو]، وفي ساحة الأهالي [ساحة تجمُّع أهالي المخطوفين] معقلي المعارضة للحكومة: يمكنكم أن تصرخوا حتى الغد “فقط لا نريد بيبي”، لكن بيبي وحده قادر على تحقيق رغباتكم. وها هي الحقيقة، لقد عاد الأسرى إلى بيوتهم، تقريباً حتى آخر واحد منهم، خلافاً للمخاوف من أن تحتفظ “حماس” بـ”بطاقة تأمين”، أو أن تعجز عن العثور على رفات القتلى.
- إن طلب العفو رفعَ منسوب الأمل لدى معسكر “نتنياهو على الرغم من كل شيء” وظهور “بيبي المعتدل”، واستند هذا الأمل إلى وعد محامي نتنياهو لهرتسوغ بأن العفو “سيسمح لرئيس الوزراء بالعمل على رأب الصدع بين الشعب، والتفرغ لقضايا أُخرى، كالجهاز القضائي والإعلام.” فوراً، انطلقت التفسيرات التي تقول إن نتنياهو يعرض صفقة على المعسكر المعارض له، وسيلغي الانقلاب القضائي والسيطرة على ما تبقى من الإعلام الحر، في مقابل وقف محاكمته وشطب لوائح الاتهام. ما عسانا نقول؟ إنه عرض شبيه بتخفيضات “الجمعة السوداء”. فخصوم نتنياهو، الذين دعمهم ما سرّبه الرئيس للمحللين السياسيين، فتحوا نقاشاً حماسياً بشأن الثمن الذي سيطلبه هرتسوغ في مقابل العفو: اعتزال الحياة السياسية؛ الاعتراف ببعض التهم؛ وربما الموافقة على تشكيل لجنة تحقيق رسمية في “كارثة” السابع من أكتوبر. وإذا لم ينجح ذلك، فربما يكتفي الرئيس ببعض الفتات، أو بوعد من نتنياهو بأن “يتصرف بلطف”.
- لكن من الأفضل تبريد الحماسة وتهدئة التوقعات. نتنياهو يحاول دائماً شراء هامش مناورة يسمح له بتقسيم خصومه، ويمكن قراءة وعده “بالاهتمام بالجهاز القضائي والإعلام” على أنه تلميح إلى رغبته في التخلص من ياريف ليفين وشلومو كرعي – لكن يمكن قراءته أيضاً بشكل معكوس، محاولة طمأنة قاعدته اليمينية بأنه بعد حصوله على العفو، لن يحتاج إلى الاختباء وراء تابعيه، وسيتمكن من الانقضاض على معاقل “المعارضين من ساحة كابلان” حتى النصر الكامل. ونتنياهو لم يغيّر شيئاً من مواقفه، فاندفاعه إلى تقويض سيادة القانون والخدمة المدنية والإعلام ازداد تسارعاً، وكذلك عملية التطهير السياسي في الجيش؛ ومنع ترقية العقيد جيرمان غيلتمان لم يكن يهدف إلى معاقبة ضابط الاحتياط المجهول الذي شارك في الاحتجاج، بل إلى تصوير رئيس هيئة الأركان كأحد المعارضين من ساحة كابلان ويرتدي الزي العسكري، وتهيئة الأرضية لاستبداله بمُوالٍ للسلطة.
- إن إصدار العفو من الرئيس لن يعيد إسرائيل إلى “أيام المجد والوئام الداخلي” التي يُفترض أنها سبقت محاكمة نتنياهو، بل سيزيل فقط ما تبقى من الضوابط والتوازنات، وسيزيد في سلطة رئيس الحكومة، ويعزز حُكم الفرد. ومَن ينتظر ظهور “نتنياهو جديد”، عليه أن يتذكر دائماً أن نتنياهو لا يزال هو نفسه، وسيبقى كذلك.
المصدر: صحيفة هآرتس الإسرائيلية – عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

