**بقلم هبة الكل/
أثار احتلال فصائل التنظيمات المسلحة المعارضة لمدينة حلب وريفها ومواصلة هجومها المكثف على مدينة حماة التساؤلات حول خلفية هذا الهجوم وتوقيته وخاصة أنه جاء في يوم بدء سريان وقف إطلاق النار في لبنان بين حزب الله وقوات الاحتلال الإسرائيلي.
بدأ الهجوم وكأنه استكمال لتفكيك محور المقاومة بضرب حلقته الثالثة، سوريا، بعد ضرب حلقتي قطاع غزة ولبنان، وإضعاف كل من حركة حماس وحزب الله.
هذا التقدّم “المذهل” لفصائل المعارضة المسلحة التي تضم تنظيمات جهادية متطرفة على رأسها “هيئة تحرير الشام”، وفقاً لصحيفة “واشنطن بوست” الأميركية كان قد حذّرت منه وزارة الخارجية التركية على أن “اتفاقيات أستانا” تغلي في مرجل جيوسياسي خطير.
التوقيت محسوب، واستغلّت هذه الفصائل ومن يقف وراءها، ” تركيا وإسرائيل والولايات المتحدة”، باعتبار أن إسرائيل قد ألحقت أضراراً جسيمة بمحور المقاومة بقيادة إيران”، وبروسيا “الغارقة في أوكرانيا”.
فاجأنا سقوط حلب وذكّرنا بسقوط الموصل على أيدي تنظيم داعش الإرهابي بعد اختفاء الجيش العراقي.
إيران تحرّكت سريعاً بدبلوماسيتها، وأطلق مسؤولوها تصريحات تؤكد “الدعم الثابت للحكومة السورية وجيشها” إلى درجة إعلان استعدادها إرسال قوات إيرانية إذا طلبت دمشق.
وزير الخارجية الإيراني “عباس عراقجي” الذي جاء بصورة طارئة إلى دمشق وقبل زيارته أنقرة، نشرت صورة له وهو يأكل “الشاورما السورية” في أحد مطاعم دمشق لا شك وأنها تحمل بعداً سياسياً ورسالة ردع إلى كل من أردوغان ونتنياهو” وإلى جميع اللاعبين الإقليميين بأن إيران لا تنوي ترك الرئيس السوري بشار الأسد.
طهران تتهم أنقرة بتحريك هجوم الفصائل المتطرفة
مستشار المرشد الإيراني للشؤون الدولية علي أكبر ولايتي أعلن “أنّ تركيا بتاريخها الإسلامي الطويل قد وقعت في فخ أميركا وإسرائيل، كأداة صهيونية غير متوقعة من قبل إيران التي ستدعم سوريا حتى النهاية”.
أمّا عراقجي فقد أكّد على عمليات التشاور والحوار مع تركيا لمعالجة مخاوف أمنها القومي وتأمين مصالحها في سوريا، نحو حوار سوري تركي مع احترام مطلب دمشق السيادي الكامل على أراضيها.
الوضع المتحرك على الأرض بين كرٍّ وفرٍّ بين المجموعات الإرهابية والجيش السوري قابل للتبديل وفق مصادر في وزارة الخارجية الإيرانية. وتؤكد إيران أن الحوار السياسي لا مفرّ منه من أجل احتواء التصعيد، مع عقد جلسة سريعة لمسار أستانة وتفعيل المسار بالاتفاق مع تركيا، مع التأكيد على ضرورة تكثيف العمل ضد الجماعات “الإرهابية” المدرجة على قائمة منظمة الأمم المتحدة.
لقد تصاعدت الهجمات الإسرائيلية على المواقع الإيرانية ومواقع حزب الله، عقب طوفان الأقصى والحرب على لبنان في أوائل أكتوبر 2023، فخلال شهر واحد من 15 تشرين الأول/ أكتوبر 2024 إلى 15 تشرين الثاني/ نوفمبر 2024 سُجّلت 54 هجوماً ضدهما في سوريا، في حين بلغت ضربات العدو وخلال تسعة أشهر من 7 تشرين الأول / أكتوبر 2023 إلى 7 تموز/ يوليو 2024، 80 هجوماً وفقاً لإحصائيات مركز حرمون، وذلك من أجل تدمير البنى التحتية اللوجستية، والحدّ من نقل الإمدادات العسكرية من إيران، عبر سوريا برياً وجوياً، إلى حزب الله في لبنان.
خلال عامي 2023- 2024، انسحب الإيرانيون من الجنوب السوري وأعادوا تموضعهم في مناطق أخرى، لكن ذلك لم يؤثر على نفوذ إيران في سوريا، فهي لا تزال تسيطر على الطريق الدولي من معبر البوكمال في دير الزور مروراً بالبادية السورية ومنها إلى حمص ودمشق، وصولاً إلى الحدود اللبنانية، مع انتشار ثابت في خطوط التماسّ مع مناطق سيطرة الجماعات المسلحة المتطرفة.
لكن هل يمكن أن تتغير قواعد اللعبة بعد معركة هجوم الفصائل المتطرفة على حلب وحماة؟
يرى بعض المحللين أن المفتاح في دمشق، وأن من يحرك هذا المفتاح هو الولايات المتحدة، فمع قرب انتهاء أجل العقوبات الأميركية المفروضة على سوريا في 20/ كانون الأول/ ديسمبر 2024، كشفت وكالة “رويترز” قبل أيام عن عرض أمريكي/ إماراتي على دمشق قبل احتلال حلب، يطرح رفع العقوبات عن سوريا بشرط أن تنأى بنفسها عن إيران وتقطع طرق نقل الأسلحة إلى حزب الله.
وقد أكد كلام وزير الخارجية الأميركي اليوم أنتوني بلينكن الدعم الأميركي لهجوم هيئة التحرير الشام المصنفة إرهابية أميركياَ، إذ حمل الحكومة السورية مسؤولية الهجوم بسبب رفضها التسوية السياسية، محذراً من عودة تنظيم داعش إلى سوريا، من دون أن يشير إلى خطورة تقدم هيئة تحرير الشام الإرهابية إلى حلب وريفها.
وكانت واشنطن قد قدمت سابقاً عرضاً إلى دمشق بوساطة إماراتية ويشترط خروج إيران. ففي عام 2018 كانت الولايات المتحدة مستعدة لسحب جنودها بالكامل من الأراضي السورية، بما فيها قاعدة التنف وشرق الفرات تحت إشراف روسي وسوري، في مقابل أن تلبي دمشق ثلاثة مطالب أميركية هي:
1-أن تنسحب إيران بشكل كامل من منطقة الجنوب السوري.
2-الحصول على ضمانات خطية بحصول الشركات الأميركية على حصة من قطاع النفط في مناطق شرق سوريا.
3-تزويد الأميركيين بـ”داتا” كاملة عن المجموعات الإرهابية في سوريا.
فجاء الرد السوري بالرفض، مؤكداً على العلاقة المتينة بإيران وحزب الله.
يعيدنا ذلك إلى عرض وزير الخارجية الأميركي كولن باول عام 2003 عقب الاحتلال الأميركي للعراق، بأن تنفك سوريا عن الارتباط بالمقاومتين اللبنانية والفلسطينية وإيران، إلا أن الرئيس بشار الأسد رفض حينها.
كما أن الأسد رفض عرضاً أميركياً كان يشترط اتفاق سلام مع الاحتلال الإسرائيلي، والتنازل عن الجولان السوري المحتل. في نيسان/ أبريل هذا العام نقل موقع “الحرة” تصريحات عن الرئيس الأسد بأن لقاءات تجري “بين الحين والآخر” مع الولايات المتحدة، ولكن أكد أن “هذه اللقاءات لا توصلنا إلى أي شيء وكل شيء سيتغير”، في حين رفضت وزارة الخارجية الأميركية التعليق على ما أسمته “تفاصيل مناقشاتنا الدبلوماسية الخاصة”.
سوريا لم تتخلَ خلال العقود الماضية عن أصدقائها وحلفائها الاستراتيجيين، فهل ستتخلى عنهم اليوم نتيجة الضغوط والتهديدات الإسرائيلية وهجمات الفصائل المعارضة المدعومة تركياً وأميركياً وفرنسياً؟
وهناك خشية من أن تزداد الضغوط على سوريا مع تولي الرئيس الأميركي دونالد ترامب منصبه في يناير المقبل في أن يضغط على الرئيس الأسد لفك ارتباطه بإيران والانضمام إلى جوقة التطبيع مع إسرائيل.
*كاتبة سورية وسكرتيرة تحرير مجلة شؤون آسيوية.