خاص شؤون آسيوية
قبل ربع قرن، وتحديداً في جنيف كان آخر لقاء يجمع بين الرئيسين الأمريكي والسوري، لتفتح صفحة جديدة من العلاقات اليوم وتنطلق من المملكة العربية السعودية.
لقاء تاريخي
في لقاء تاريخي عقد الرئيس الأميركي دونالد ترامب اجتماعا مع الرئيس السوري أحمد الشرع اليوم الأربعاء في العاصمة السعودية الرياض، في لقاء هو الأول من نوعه بين رئيسين أميركي وسوري منذ لقاء كلينتون وحافظ الأسد.
ترامب التقى بالشرع على هامش القمة الخليجية الأميركية المنعقدة بالعاصمة السعودية، حيث حضر اللقاء ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي شارك أونلاين عبر الفيديو، كما حضره وزيرا الخارجية الأميركي مارك روبيو والسوري أسعد الشيباني.
وخلال كلمته في القمة الخليجية الأمريكية أعلن ترامب أن “الولايات المتحدة تبحث تطبيع العلاقات مع سوريا بعد اللقاء بالشرع”، في حين وصفت الخارجية السورية اللقاء الذي تمّ بأنه تاريخي، معلنة أن اللقاء يدعم مسار التعافي وإعادة الإعمار.
الشيباني علق على اللقاء الذي جمع ترامب والشرع قائلاً: “نشارك هذا الإنجاز مع الشعب السوري الذي ضحى لإعادة سوريا إلى مكانتها”، معلناً أن العمل بدأ “نحو سوريا العظيمة”.
كما قال وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود في المؤتمر الصحفي في ختام القمة الخليجية الأمريكية أن اللقاء تضمن ضرورة دعم سوريا.
مفاجأة ترامب
كان ترامب قد أعلن قبل زيارته إلى الشرق الأوسط أنه بصدد الكشف عن مفاجأة كبرى لم يحدد ماهي، لتتوضح من السعودية بأنها رفع العقوبات عن سوريا، إعلاناً لقي ترحيباً دولياً كبيراً مع الإشادة بجهود تركيا والسعودية في هذا المسار.
وخلال كلمته في منتدى الاستثمار السعودي الأميركي بالرياض، قال ترامب إن العقوبات “وحشية ومعيقة وحان الوقت لتنهض سوريا”، متابعاً “سآمر برفع العقوبات عن سوريا لمنحهم فرصة للنمو والتطور”، مضيفاً أنه اتخذ هذا القرار بعد مناقشته مع كل من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
وكانت الحكومة الأمريكية قد فرضت عقوبات واسعة النطاق على سوريا لعقود، وبدأت هذه العقوبات تدريجياً منذ عام 1979، وشملت جوانب عدة كبيرة وهامة وإنسانية.
وعلى المستوى الرسمي، رحّب وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، بقرار ترامب رفع العقوبات عن دمشق واصفاً إياه بـ”نقطة تحوّل محورية” لسوريا.
ردود الفعل الرسمية
بيان وزارة الخارجية السوري أكد على أهمية رفع العقوبات عن سوريا، مع الكشف عن مساعي المملكة العربية السعودية في رفع العقوبات وتحقيق الاستقرار في المنطقة، ونوهت الخارجية في البيان إلى امتنان الشرع للدعم الإقليمي والدولي مشدداً على مضي سوريا نحو المستقبل.
ولفتت الوزارة إلى أنه من المقرر أن يتبع اللقاء التاريخي اجتماع بين وزير الخارجية السوري ونظيره الأميركي.
الدور تركي
الرئاسة التركية كشفت أن ترامب حضر الاجتماع عبر الإنترنت مع زعماء الولايات المتحدة الأمريكية والسعودية وسوريا، كما أكدت رغبة تركيا في أن تكون سوريا دولة مستقرة ولا تشكل تهديداً لجيرانها.
الرئيس التركي وخلال الاجتماع الرباعي أكدت على مواصلة تركيا بدعم دمشق “في حربها ضد التنظيمات الإرهابية وفي مقدمتها تنظيم الدولة”.
المطالب الأميركية
كارولين ليفيت المتحدثة باسم البيت الأبيض أوضحت أن ترامب حدد 5 مطالب موجهة إلى الشرع، وهي التوقيع على اتفاقية إبراهام للتطبيع مع إسرائيل، مطالبة جميع المقاتلين الأجانب بمغادرة سوريا، ترحيل عناصر من حركات فلسطينية مسلحة، مساعدة الولايات المتحدة على منع عودة «داعش»، والمطلب الخامس والأخير هو تحمل مسؤولية مراكز احتجاز «داعش» في شمال شرقي سوريا.
وكشف ترامب للصحافيين على متن الطائرة الرئاسية المتوجهة من العاصمة السعودية الرياض إلى العاصمة القطرية الدوحة أنه أخبر الشرع بأهمية الانضمام إلى اتفاقية إبراهام ليجيب الأخير بالموافقة.
في حين دعا الشرع الشركات الأمريكية للاستثمار في قطاعي النفط والغاز في سوريا، مؤكداً التزامه بفك الارتباط مع إسرائيل عام 1974، متأملاً في أن تكون سوريا هي حلقة الوصل لتسهيل التجارة بين الشرق والغرب.
ترامب والدول الخليجية
ليس رفع العقوبات عن سوريا وحده هو الأمر الجلل الذي شهدته العاصمة الرياض، بل كانت زيارة ترامب غنية، حيث أعلن عن صفقة دفاعية بقيمة 142 مليار دولار مع السعودية، وتشمل هذه الصفقة تزويد الرياض بمنظومات دفاعية متطورة، في إطار “تعزيز الأمن الإقليمي ومواجهة التحديات المشتركة”.
كما تم التوصل إلى اتفاقيات استثمارية تتجاوز قيمتها 400 مليار دولار وتشمل مشاريع للبنية التحتية الضخمة في السعودية منها مطار الملك سلمان الدولي ومدينة القدية، إلى جانب استثمارات سعودية في البنية التحتية الأميركية وقطاع الطاقة.
وأعلن عن افتتاح “المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرف” في الرياض، بالاشتراك مع عدد من الدول العربية، معتبراً أن هذه المبادرة تمثل “محوراً أساسياً في الحرب على الإرهاب”.
إيران
ترامب ومن السعودية شدد على استعداده للتفاوض مع إيران، مما يُشير إلى إعادة ترتيب للسياسة الخارجية الأمريكية، وأنه لا يوجد فيها “أعداء دائمون”، وخلال منتدى الاستثمار الأميركي السعودي، أكد مجدداً أنه سيبذل كل ما هو لازم لمنع نظام إيران من امتلاك سلاح نووي، حيث قال “بإمكان إيران أن تمتلك مستقبلاً أكثر إشراقاً، لن نسمح أبداً بتعرض أميركا وحلفائها لتهديد الإرهاب أو الهجوم النووي”.
وكشف ترامب عن اتفاق محتمل بين طهران وواشنطن وبأنه يمكن أن يجعل العالم مكاناً أكثر أماناً، وقال: “إذا رفض مرشد إيران غصن الزيتون، فلن يكون أمامنا خيار سوى مواصلة الضغط الأقصى عليهم، سأتخذ كل الإجراءات اللازمة لضمان عدم امتلاك إيران سلاحاً نووياً أبداً”.
“تحولات الشرق الأوسط الكبيرة” عبارة ذكرها ترامب في زيارته القائمة في الشرق الأوسط، بدأت تتوضح وتتكشف معالما يوماً بعد يوم، في حين بقيت الكرة في ملعب الدولة السورية لتستغل الفرصة واستثمارها بالشكل الأمثل في حال كان هناك رغبة حقيقية في النهوض بالبلاد.