شؤون آسيوية – المنامة –
أكد سفير جمهورية الصين الشعبية لدى مملكة البحرين ني روتشي على عمق العلاقات ما بين بلاده ومملكة البحرين، معتبرًا أن المملكة تشكل دولة صديقة وشريكة جيدة لبلاده في منطقة الخليج العربي.
وقال السفير الصيني روتشي في مقابلة لـ«الأيام» بمناسبة الذكرى 75 لتأسيس جمهورية الصين الشعبية، أن العلاقات البحرينية-الصينية تمر بأفضل مراحلها التاريخية، حيث فتح البلدان صفحة جديدة للتعاون العملي الثنائي على أساس الشراكة الاستراتيجية الشاملة ما بين البلدين، واصفًا الزيارة التي قام بها جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المعظم إلى الصين في مايو الماضي بالزيارة التاريخية التي شكّلت انطلاقة مرحلة جديدة من العلاقات الثنائية.
وشدّد السفير الصيني على أن بلاده تدعم بقوة جهود البحرين لحماية سيادتها الوطنية وأمنها واستقرارها، فيما تقدّم المملكة دعمًا ثابتًا للجانب الصيني في القضايا المتعلقة بمصالحها الجوهرية وهمومها الكبرى.
وفي الشق الاقتصادي، كشف السفير الصيني لـ«الأيام» عن أن حجم التبادل التجاري ما بين البلدين قد بلغ مع نهاية النصف الأول من هذا العام نحو 1.31 مليار دولار أمريكي، بزيادة قدرها 7.9% -مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي 2023- متوقعًا أن يشهد حجم التبادل التجاري لهذا العام نموًا بمعدل يصل إلى 8%.
كما لفت السفير الصيني إلى المشاريع المشتركة ما بين البلدين في مجال التحول نحو الطاقة النظيفة، ومنها محطات الطاقة الشمسية في كل من مستشفى الملك حمد، ووزارة التربية والتعليم، ومضمار الخيول، كاشفًا عن مفاوضات ما بين البلدين لتوقيع اتفاقية تعاون بشأن التنمية الخضراء وتخفيض الكربون.
وكشف السفير الصيني عن أن المسبار القمري الصيني «تشانغ آه-7» والمقرر إطلاقه في 2026 سيحمل كاميرا قمرية تم تطويرها في البحرين ومصر في مسعى لمساعدة البحرين لتحقيق حلم القمر, وفيما يلي نص المقابلة:
– مع احتفال جمهورية الصين الشعبية بذكرى التأسيس، كيف تقيّمون اليوم العلاقات البحرينية-الصينية؟
يصادف هذا العام الذكرى الـ75 لتأسيس جمهورية الصين الشعبية، والذكرى الـ35 لإقامة علاقات دبلوماسية بين الصين والبحرين، كما أن هذا العام يكتسب أهمية خاصة في تاريخ العلاقات الصينية- البحرينية. حيث في مايو الماضي، قام صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة المعظم بزيارة تاريخية إلى الصين، وقد شارك جلالته مع الرئيس الصيني شي جينبينغ إعلان إقامة علاقات الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين البلدين، كما توصلا إلى توافقات مهمة حول مواصلة توطيد وتطوير التعاون الثنائي في شتى المجالات، كما تم التوقيع على عدد من وثائق التعاون الثنائي. لذا يمكنكم القول إن العلاقات البحرينية- الصينية تمر بأفضل المراحل عبر تاريخها، وتم فتح صفحة جديدة للتعاون العملي الثنائي. كذلك هذا العام، حقق التعاون الصيني البحريني في جميع المجالات نتائج مثمرة. وفي المسار السياسي، هناك استمرار لتوطيد الثقة السياسية المتبادلة. حيث أرسل الرئيس الصيني رسالة تهنئة إلى جلالة الملك المعظم بمناسبة عقد القمة العربية في دورتها الثالثة والثلاثين «قمة المنامة» فيما أجرت وزارتي الخارجية المشاورات السياسية. بلا شك أن الصين تدعم بقوة جهود البحرين لحماية سيادتها الوطنية وأمنها واستقرارها، كما تقدم البحرين دعمًا ثابتًا للجانب الصيني في القضايا المتعلقة بمصالحها الجوهرية وهمومها الكبرى. كذلك لو نظرتي إلى الشق الاقتصادي والتجاري، فبلا شك أن ما يشجعنا هو تطور التعاون الاقتصادي والتجاري بقوة. حيث انعقدت الدورة الخامسة للجنة المشتركة للتعاون الاقتصادي والتجاري والفني. ولا تزال الصين ثالث أكبر شريك تجاري وأكبر مصدر للبحرين. فيما تتماشى مبادرة «الحزام والطريق» مع رؤية البحرين الاقتصادية لعام 2030 مع بعضها البعض، كما تشارك الصين البحرينيين في بناء ونهضة العديد من القطاعات الحيوية والهامة عندما نتحدث عن شبكة الاتصالات السريعة والمستقرة، والإسكان المريح، وإمدادات الطاقة الآمنة والموثوقة.وما نتطلع إليه هو تعزيز التعاون العلمي والتكنولوجي لاسيما في مجالات الطاقة المتجددة، والذكاء الاصطناعي، والاقتصاد الرقمي من أجل انطلاق أقوى. كما ستحمل مهمة المسبار القمري الصيني «تشانغ آه-7»، والذي من المقرر إطلاقه في العام 2026 كاميرا قمرية ذات نطاق طيفي فائق، تم تطويرها في البحرين ومصر لتحديد المواد الموجودة على سطح القمر والبيئة القمرية، وذلك بهدف مساعدة البحرين على تحقيق «حلم القمر». كذلك في الشق الأكاديمي، فقد ناقشت جامعة بجينغ وجامعة بوليتكنيك تعزيز التعاون في مجال تعليم الذكاء الاصطناعي وبحثه العلمي. وعملت على تنفيذ مشاريع مشتركة مثل «بذور المستقبل» التي أطلقتها «هواوي» بهدف تنمية المواهب الشابة في مجال التكنولوجيا الفائقة «هااي تاك». وإعطاء التعاون العلمي والتكنولوجي زخمًا جديدًا في مسار تنمية العلاقات بين البلدين. أما في سياق العلاقات الثقافية، فما نتطلع إليه هو تعزيز وتكثيف الزيارات المتبادلة في مجال الثقافة والشباب والرياضة والتعليم والإعلام، وتعزيز السياحة وتدريب الكوادر بشكل فعال من أجل تعزيز المعرفة والصداقة المتبادلة بين الشعبين، وهو ما أرسى أساسا متينا على الصعيد الشعبي للصداقة العميقة التي تجمع ما بين بلدينا.
– إذن دخلنا الآن في مرحلة شراكة استراتيجية شاملة ما بين البحرين والصين؟
بالطبع، نحن نعتبر تطوير علاقات الشراكة اتجاها هاما تلتزم به الدبلوماسية الصينية. كما تعمل الصين وبشكل مستمر على تعزيز التعاون الودي مع جميع دول العالم على أساس المبادئ الخمسة للتعايش السلمي لتطوير شبكة علاقات الشراكة العالمية وتعزيز المنفعة المشتركة للعالم. ولكون الصين من الدول النامية وعضوًا في الجنوب العالمي، لذلك سنظل نشارك الدول النامية ذات المستقبل. أما بالنسبة للبحرين، فنحن نعتبر المملكة دولة صديقة وشريكة جيدة في منطقة الخليج لاسيما أن السنوات الأخيرة قد شهدت -بفضل القيادة الاستراتيجية من قبل قيادتي البلدين- زخمًا قويًا من التطور في العلاقات الصينية-البحرينية. وخلال زيارة جلالة الملك المعظم إلى الصين، حققت العلاقات طفرة نوعية من التنمية والارتقاء، مما يوضح الاتجاه نحو تنمية العلاقات الثنائية في المرحلة الجديدة. هو تأسيس علاقات الشراكة الاستراتيجية الشاملة الصينية البحرينية، وهو ما يؤكد على أن التعاون الثنائي في شتى المجالات واسع وعميق، وكذلك جسدت رغبة الجانبين في مواصلة تعميق التعاون للمنفعة المتبادلة والكسب المشترك.
– سأبقى عند زيارة جلالة الملك المعظم إلى الصين، خلال الزيارة تم التوقيع على 8 مذكرات تفاهم واتفاقيات تشمل مجالات مختلفة، ماذا عن أهم المجالات التي تغطيها هذه الاتفاقيات وآليات تفعيلها؟
كما أشرت سابقًا، لقد وافقت قيادتي البلدين على تعزيز التعاون في مجالات الطاقة والاستثمار والنقل والطاقة الجديدة والاقتصاد الرقمي، ووقّع الجانبان على عشر وثائق التعاون في مجال الصحة والاستثمار والإعلام والتعليم وغيرها من مجالات التعاون العملي التقليدي وكذلك مجال التنمية الخضراء، والمنخفضة الكربون والتجارة الإلكترونية والاقتصاد الرقمي والمناطق الصناعية وغيرها من المجالات الجديدة. وخلال الأربعة أشهر التي تلت الزيارة، عمل الجانبان بنشاط على تنفيذ التوافقات الهامة التي توصلت إليها قيادتا البلدين، كما زار وفود الصين من اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح وإدارة الفضاء الوطنية ووكالة أنباء شينخوا البحرين، وذلك لمناقشة تعزيز التعاون بشكل أعمق مع الجانب البحريني، من أجل تحقيق النتائج في أقرب وقت ممكن وإثراء مفهوم الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الصين والبحرين. كما تستعد الصين في المستقبل للعمل مع البحرين على حسن تنفيذ التوافقات الهامة التي توصلت إليها قيادتا البلدين، وذلك في إطار البناء المشترك لمبادرة «الحزام والطريق» بجودة عالية، بهدف تعزيز التعاون بقوة في مجال الطاقة والصناعة والاقتصاد الرقمي والسياحة والمعارض والمال والإسكان والبنية التحتية وغيرها من المجالات بما يخدم الشعبين.
– ماذا عن التعاون في مجال الطاقة المتجددة؟
بلا شك إن التعاون في مجال الطاقة الجديدة بين الصين والبحرين يتمتع بإمكانات هائلة، وشهد تطوراً خلال الأعوام الأخيرة، إذ تلتزم البحرين بمفهوم التنمية المستدامة، وتقليل الاعتماد على النفط، وتعمل بنشاط على تطوير الطاقة الجديدة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. في المقابل، تتمتع الصين بخبرة غنية وتكنولوجيا متقدمة في هذه المجالات. لذا تشارك الشركات الصينية بنشاط في بناء مشاريع محطات الطاقة الشمسية الكهروضوئية، وقد تم تنفيذ مشروع محطات الطاقة الكهروضوئية الموزعة في مستشفى الملك حمد، ووزارة التربية والتعليم، ومضمار سباق الخيل في البحرين. كذلك تحظى المنتجات الكهروضوئية المصنوعة في الصين بشعبية كبيرة في سوق البحرين. لاسيما ماركات السيارات الصينية الجديدة، والتي تعمل بنظام الطاقة النظيفة مثل Hongqi وBYD وZEEKR، حيث تلقى شعبية كبيرة بين البحرينيين، كذلك يتفاوض البلدان لتوقيع اتفاقية التعاون بشأن التنمية الخضراء ومنخفضة الكربون. بالطبع، نحن نتطلع نحو آفاق واسعة من التعاون مع البحرين في مجال الطاقة المتجددة.
– نحن الآن في الربع الأخير من العام 2024، هل هناك مؤشرات على تحقيق زيادة في معدلات التبادل التجاري ما بين البلدين لعام 2024 مقارنة بما كانت عليه في العام 2023؟
كما أشرت سابقًا، لقد بقيت الصين ثالث أكبر شريك تجاري للبحرين لسنوات عديدة. وفي العام 2023، بلغ إجمالي التبادل التجاري غير النفطية بين الصين والبحرين 2.186 مليار دولار أمريكي. أما هذا العام، فقد بلغ إجمالي التبادل التجاري «غير النفطي» خلال الفترة -من يناير إلى يوليو- نحو 1.31 مليار دولار أمريكي، بزيادة قدرها 7.9% مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي. كما لا تزال الصين أكبر مصدر للواردات. ووفقًا لهذا النمو المتسارع، فمن المتوقع أن يحقق حجم التجارة الثنائية زيادة هذا العام بمعدل نمو متوقع يصل إلى 8%.
– بعد أسبوع من الآن، سوف يكون قد مضى عام على الحرب على قطاع غزة، هل من مساعي أو مبادرات صينية جديدة في اتجاه وقف هذه الحرب؟
بلا شك إن القضية الفلسطينية تشكل قضية جوهرية في الشرق الأوسط، كما يرتبط السلام والاستقرار في الشرق الأوسط بالإنصاف والعدالة الدولية. كما تعلمون، ليس لدى الصين أي مصلحة أنانية في القضية الفلسطينية. بل ما نهتم به هو الأخلاق، وما ندعو إليه هو العدالة. إن الصين من أوائل الدول التي اعترفت بمنظمة التحرير الفلسطينية ودولة فلسطين، وندعم بشكل ثابت ودائم الشعب الفلسطيني لاستعادة حقوقه الوطنية المشروعة، وإقامة دولة فلسطين المستقلة ذات السيادة الكاملة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية وخلال المباحثات التي أجريت ما بين قيادتي البلدين، قال الرئيس الصيني شي جينبينغ «إن الصين والبحرين لهما نفس الموقف بشأن القضية الفلسطينية». لذلك تجدون أن الصين قد أولت القضية الفلسطينية اهتمامًا كبيرًا، تمامًا كما تولي تطورات الأوضاع اهتمامًا وثيقًا لذا عملت الصين دائمًا على تحقيق السلام في الشرق الأوسط، ودعمت بجهود المجتمع الدولي الرامية إلى تحقيق السلام في الشرق الأوسط، وشاركت فيها مباشرة. ومنذ اندلاع هذه الحرب التي تشكل مرحلة من مراحل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، بقيت الصين تدعو إلى وقف إطلاق النار، وتعمل جاهدة لاستعادة السلام والإنقاذ الأرواح. لكن في الوقت الراهن، ما زال الصراع في قطاع غزة يستمر، وما زالت التداعيات الناتجة عنه تمتد، وتشهد المنطقة صراعات عديدة متشابكة. ومن أجل الخروج من مأزق الصراع الحالي، طرح الجانب الصيني مبادرة من «ثلاث خطوات». أولها الدفع بتحقيق الوقف الشامل والدائم والمستدام لإطلاق النار في قطاع غزة في أسرع وقت ممكن وضمان إيصال المساعدات والإغاثة الإنسانية بشكل سلس. إذ يجب على المجتمع الدولي حشد المزيد من الجهود في سبيل وقف إطلاق النار ومنع القتال. أما الخطوة الثانية فهي الدفع سويا نحو الحوكمة -ما بعد الصراع في قطاع غزة- وذلك التزامًا بمبدأ «حكم فلسطين من قبل الفلسطينيين». والعمل معًا لتعزيز الحكم في مرحلة ما بعد الحرب في غزة. حيث إن قطاع غزة جزء مهم ولا يتجزأ من فلسطين، ويكون بدء عملية إعادة الإعمار ما بعد الصراع في أسرع وقت ممكن. كما أن الموضوع الأكثر إلحاحا في المرحلة القادمة. هو تشكيل حكومة توافق وطني مؤقتة، لذا يجب على المجتمع الدولي أن يدعم الفصائل الفلسطينية لتشكيل حكومة توافق وطني مؤقتة تمارس الإدارة الفعالة في قطاع غزة والضفة الغربية. أما الخطوة الثالثة فهي الدفع بنيل فلسطين العضوية الكاملة للأمم المتحدة وبدء تنفيذ «حل الدولتين». ويجب دعم عقد مؤتمر دولي للسلام بمشاركة أوسع ومصداقية أكبر وفعالية أكثر، ووضع جدول زمني وخارطة طريق حول تنفيذ «حل الدولتين».
لقد وضعت مبادرة من «ثلاث خطوات» خطة مفصلة وقابلة للتنفيذ لحل سلمي للقضية الفلسطينية، مما يساعد على التوصل إلى التوافق بين جميع الأطراف والدفع بعودة القضية الفلسطينية إلى المسار الصحيح المتمثل في الحل السياسي.
ومهما كانت تغيرات الأوضاع الدولية والإقليمية، فإن الصين تقف دائمًا إلى جانب السلام والعدالة والقانون الدولي والتطلع المشترك لمعظم الدول والضمير الإنساني بشأن القضية الفلسطينية. إن الصين، بوصفها عضوًا دائمًا في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ودولة مسؤولة، ستواصل الحفاظ على اتصال وثيق مع جميع الأطراف المعنية، وتدفع إلى وقف إطلاق النار، ومنع القتال في قطاع غزة في أسرع وقت ممكن، وتخفيف حدة الأزمة الإنسانية، وتبذل جهودًا حثيثة للتوصل إلى تسوية مبكرة للقضية الفلسطينية عبر حل شامل وعادل ودائم ولتحقيق السلام والاستقرار الدائم في الشرق الأوسط.
المصدر: جريدة الأيام البحرينية