شؤون آسيوية – بغداد – خاص –
يقف العراق عند مفترق طرق مهم يجمع بين الاستقرار السياسي النسبي والتحديات الأمنية المستمرة، وبين ملفات داخلية حساسة أبرزها الحشد الشعبي وتنظيمه ضمن المنظومة الرسمية، وملف إنهاء مهمة التحالف الدولي.
ومن خلال متابعة التطورات الأخيرة، يمكن ملاحظة أن المشهد العراقي يتسم بمزيج من الهدوء النسبي، والتجاذب السياسي، والسعي إلى تثبيت معادلة الدولة والفصائل في إطار قانوني وسيادي.
المشهد السياسي: بين استقرار واستحقاقات انتخابية
على الصعيد السياسي، نجحت حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني في تحقيق حالة من الاستقرار النسبي، مستفيدة من توافق داخلي نسبي بين قوى الإطار التنسيقي الداعمة لها، ومن إدارة متوازنة للعلاقات الخارجية.
وقد برز هذا التوازن بشكل أوضح في ملف التحالف الدولي، حيث جرى الإعلان في 27 أيلول/سبتمبر 2024 عن اتفاق مشترك مع الولايات المتحدة يقضي بإنهاء مهمة التحالف القتالية تدريجياً، على أن يكتمل الانسحاب من بغداد وقاعدة عين الأسد بحلول أواخر أيلول/سبتمبر 2025.
ويبدو أن السوداني يسعى إلى تقديم هذا الملف كإنجاز وطني يعزز موقعه قبل الانتخابات المقبلة، خصوصاً في ظل توقعات بعودة التيار الصدري إلى المنافسة الانتخابية.
وهكذا، يتحول ملف التحالف إلى ورقة سياسية ذات بعد سيادي داخلي، وفي الوقت نفسه إلى عامل تهدئة في العلاقة مع واشنطن.
الوضع الأمني: استقرار حذر وتعاون متواصل
أمنياً، يمكن القول إن البلاد شهدت خلال الشهور الأخيرة انخفاضاً في منسوب التوتر مقارنة بالسنوات الماضية، فقد تراجعت وتيرة الهجمات ضد المصالح الأميركية بشكل ملحوظ، فيما تركزت الجهود الأمنية على ملاحقة فلول تنظيم “داعش” في المناطق المحررة.
وهنا يبرز دور الحشد الشعبي كعامل دعم رئيسي للقوات المسلحة العراقية، إذ شارك بشكل فاعل في تثبيت الأمن داخل مناطق محررة وفي تعزيز الانتشار الأمني على أطراف المدن.
ويؤكد قادة الحشد أن هذه المشاركة لا تقتصر على الجانب العسكري فحسب، بل تشمل أيضاً تقديم الدعم اللوجستي والإنساني للسكان المحليين.
أما في إقليم كردستان، فما تزال بعض المناطق تشهد هجمات متفرقة بطائرات مسيّرة، ما يدفع بغداد وأربيل إلى مواصلة التنسيق الأمني والمالي.
ورغم التحديات، يمكن وصف الوضع العام بـ”الاستقرار الحذر”، حيث لا تزال هناك ملفات قابلة للاشتعال إذا لم تُدار بحكمة.
قانون الحشد الشعبي: بين التحديث والجدل
من أبرز الملفات المطروحة داخلياً مشروع تعديل قانون هيئة الحشد الشعبي (القانون رقم 40 لسنة 2016)، وقدمت الحكومة هذا المشروع بهدف تحديث البنية الإدارية للحشد، عبر ربطه المباشر بالقائد العام للقوات المسلحة، وتنظيم الرتب والتراتبية العسكرية، وتحديد سن التقاعد، وضبط آليات الترقيات والرواتب وفق القوانين العراقية النافذة.
ويؤكد مؤيدو المشروع أن الهدف منه ليس مجرد “تقنين” وجود الحشد، بل إدخاله بشكل كامل في مؤسسات الدولة وتعزيز انضباطه، فهم يرون أن القانون سيغلق الباب أمام الازدواجية، ويمنح الحشد وضعاً قانونياً راسخاً يحميه من محاولات التشكيك بشرعيته.
في المقابل، عارضت بعض القوى السياسية، لا سيما من المكونات الكردية والسنية، تمرير المشروع بصيغته الحالية، معتبرة أنه يوسع من مساحة الحشد داخل المؤسسة العسكرية.
كما عبرت أطراف أميركية عن تحفظات علنية، الأمر الذي ساهم في تأجيل التصويت عليه عدة مرات. وفي النهاية، جرى ترحيل القانون إلى الدورة البرلمانية المقبلة، ليظل ملفاً مؤجلاً بانتظار التوافق السياسي بعد الانتخابات.
تصريحات رسمية تعكس المواقف
لم يخلُ الجدل حول الحشد من تصريحات رسمية بارزة ألقت الضوء على المواقف المختلفة:
رئيس الوزراء محمد شياع السوداني كان قد صرح قبل فترة أن: “طرح قانون الحشد الشعبي يأتي ضمن مسار الإصلاح الأمني وبرنامج الحكومة”.
أما رئيس هيئة الحشد فالح الفياض فأكد أن: “الحشد قوة عراقية وطنية، والقانون الجديد يعزز انضباطه وارتباطه بالدولة”.
فيما حذّر قيس الخزعلي من أن: “الضغوط الخارجية لتعطيل قانون الحشد الشعبي خطيرة للغاية”.
ومن جانبه، اعتبر هادي العامري أن: “تحقيق السيادة الكاملة يمر بإنهاء وجود التحالف الدولي”.
هذه التصريحات تكشف بوضوح أن ملف الحشد لم يعد قضية إدارية أو قانونية فقط، بل أصبح عنواناً للسيادة الوطنية وموضوعاً للنقاش الإقليمي والدولي.
التداعيات المحتملة حتى نهاية 2025
مع اقتراب نهاية الجدول الزمني لانتهاء مهمة التحالف، ومع استمرار الجدل حول قانون الحشد الشعبي، يمكن رسم عدد من التداعيات المتوقعة:
اكتمال الانسحاب المنظم: من المرجح أن ينتهي الوجود القتالي للتحالف في بغداد وعين الأسد مع بقاء عناصر تدريب واستشارة، وهو ما يفتح الباب أمام تعزيز استقلالية القرار الأمني العراقي.
تثبيت دور الحشد: من المتوقع أن يحافظ الحشد على موقعه ضمن المنظومة الرسمية، مع انتظار إقرار القانون الجديد في الدورة المقبلة لتكريس دوره المؤسسي.
ملف انتخابي بارز: قد يتحول الحشد إلى ورقة انتخابية داخل الحملات المقبلة، سواء عبر التأكيد على دوره في حماية العراق أو عبر استخدام القانون كمادة للنقاش السياسي.
استمرار الاستقرار الحذر: تبقى بعض المناطق عرضة لخطر عودة نشاط الخلايا الإرهابية، وهو ما يجعل التنسيق بين الجيش والحشد والأجهزة الأمنية أمراً حاسماً.
العراق يتقدم نحو نهاية 2025 وهو يقف أمام مشهد سياسي وأمني مركّب، فمن جهة، هناك خطوات عملية نحو إنهاء الوجود القتالي للتحالف الدولي وتعزيز السيادة.
ومن جهة أخرى، هناك سعي لإعادة تنظيم الحشد الشعبي ضمن إطار قانوني واضح يضمن استمراره كقوة وطنية منضبطة.
وبين هذين المسارين، يبقى التحدي الأكبر هو الموازنة بين مطالب الداخل وضغوط الخارج، وبين بناء الدولة والحفاظ على منجزات الحرب ضد الإرهاب.