شؤون آسيوية – الدوحة – خاص –

شهدت العاصمة القطرية الدوحة، مساء أمس الثلاثاء، هجوماً إسرائيلياً مفاجئاً استهدف اجتماعاً رفيع المستوى لقيادة حركة “حماس” في حي كتارا، أثناء مناقشة مقترح قدّمه الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن وقف إطلاق النار في غزة وإطلاق سراح الرهائن.

الهجوم، الذي وصفته قطر بـ”الاعتداء الجبان”، لم يكن مجرد غارة عابرة، بل مثّل توسعاً خطيراً في نطاق العمليات العسكرية الإسرائيلية ليطال دولة عربية لطالما لعبت دور الوسيط في النزاعات الفلسطينية – الإسرائيلية، وقد خلّف الحادث صدمة واسعة النطاق، وسط تساؤلات عن تداعياته على الأمن الإقليمي، والجهود الدبلوماسية الجارية.

تفاصيل الضربة والهدف المعلن

وفق مصادر إسرائيلية، فإن العملية استهدفت قيادات بارزة في المكتب السياسي لحركة حماس، بينهم خليل الحية، الذي أعلنت تل أبيب مقتله، إضافة إلى زاهر جبارين، فيما لم يُعرف على وجه الدقة مصير خالد مشعل، الرئيس السابق للحركة، الذي يُرجّح أنه كان ضمن الحضور.

الجيش الإسرائيلي، بالتعاون مع جهاز “الشاباك”، أطلق على العملية اسم “قمة النار”، ونفذها عبر سلاح الجو باستخدام قنابل دقيقة، بحسب ما جاء في بيان رسمي، واعتبر المسؤولون الإسرائيليون أن هذه الضربة ردّ مباشر على سلسلة هجمات نُفّذت قبل يومين في القدس وغزة، وأودت بحياة ستة إسرائيليين.

لكن قناة “كان” العبرية ذكرت أن الولايات المتحدة أُبلغت بالهجوم أثناء وجود الصواريخ في الجو، ما يعكس طابعه المفاجئ حتى لأقرب حلفاء إسرائيل، في حين أكدت صحيفة “معاريف”، من جهتها، أن التخطيط للهجوم بدأ منذ أسابيع، إلا أن اجتماع قادة حماس في الدوحة وفّر فرصة نادرة “لا يمكن تفويتها”.

انتهاك للسيادة وإرهاب دولة

قطر أدانت الاعتداء بأشد العبارات، معتبرة أنه انتهاك صارخ للقوانين والأعراف الدولية وتهديد لأمن وسلامة القطريين والمقيمين، حيث أكدت وزارة الخارجية أن الهجوم استهدف مقرات سكنية في حي كتارا، وأن الدفاع المدني والأجهزة المختصة باشرت التعامل الفوري مع تبعات الانفجارات.

وفي مؤتمر صحفي، وصف رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري، الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بـ”المارق”، واتهمه بممارسة “إرهاب الدولة” ومحاولة إفشال جهود الوساطة، وشدد على أن قطر لن تتهاون بشأن المساس بسيادتها، وأنها تحتفظ بحق الرد على هذا “الهجوم الغادر”.

أما الديوان الأميري فأكد في بيان أن الأمير الشيخ تميم بن حمد آل ثاني فقد أجرى اتصالاً هاتفياً مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، شدد فيه على أن بلاده ستتخذ كل الإجراءات اللازمة لحماية أمنها وسيادتها، مع تحميل إسرائيل كامل المسؤولية عن التداعيات.

ضربة مركزة وتهديدات بالتصعيد

في المقابل، أشادت القيادة الإسرائيلية بالعملية، حيث أعلن رئيس الوزراء نتنياهو أن “الأيام التي يتمتع فيها قادة حماس بالحصانة في أي مكان قد ولّت”، في حين صرّح وزير الدفاع يسرائيل كاتس قائلاً: “يدنا ستطال قادة حماس في كل مكان، وكل من شارك في 7 أكتوبر سيدفع الثمن كاملاً”.

الصحافة الإسرائيلية بدت في حالة من النشوة، إذ وصفت الضربة بأنها “عملية استثنائية” تستهدف “قمة قيادة حماس”، إلا أن بعض الأصوات الأمنية حذّرت من أن العملية قد لا تكون حققت أهدافها كاملة، وسط تضارب حول مصير القيادات المستهدفة.

تضامن عربي مع قطر

الهجوم أثار موجة تضامن عربي واسعة مع الدوحة، فقد أكد وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، في اتصال مع نظيره القطري، إدانة المملكة “للاعتداء الإجرامي”، مشدداً على أن السعودية ستقف إلى جانب قطر بكل إمكاناتها.

مصر والأردن من جهتهما، عبرتا في اتصالات مع الرياض عن رفضهما التام لما وصفوه بـ”الانتهاك الصارخ للقانون الدولي ومبادئ حسن الجوار”، داعين المجتمع الدولي لوقف التصرفات الإسرائيلية “المزعزعة للاستقرار”.

أما إيران فوصفت الضربة بأنها “عمل خطير وإجرامي للغاية”، وقال المتحدث باسم خارجيتها إن الهجوم يشكل اعتداء على السيادة القطرية ويستهدف المفاوضين الفلسطينيين، داعياً الدول الإقليمية والمجتمع الدولي إلى اليقظة في مواجهة “الانتهاكات الإسرائيلية”.

تركيا بدورها دانت الهجوم بشدة، وأكد الرئيس رجب طيب إردوغان أن بلاده تقف “بكل قوة” إلى جانب قطر والفلسطينيين، واصفاً الاعتداء بأنه محاولة إسرائيلية “لتعميق الصراع”.

إدانات دولية وتحذيرات من التصعيد

على المستوى الدولي، قوبل الهجوم أيضاً برفض واسع، إذ اعتبر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أن الاعتداء يمثل “انتهاكاً صارخاً لسيادة قطر”، مؤكداً أن الدوحة لعبت دوراً محورياً في جهود وقف إطلاق النار في غزة.

الاتحاد الأوروبي وصف الغارة بأنها “انتهاك للقانون الدولي وسلامة أراضي دولة قطر”، محذراً من أنها تهدد بتصعيد خطير في المنطقة، هذا وصدر المواقف ذاتها من فرنسا، بريطانيا، ألمانيا، اليابان، أستراليا، وباكستان، فيما أعرب بابا الفاتيكان عن “قلق عميق” ودعا للصلاة من أجل السلام.

الجزائر وباكستان طالبتا بعقد جلسة طارئة لمجلس الأمن لمناقشة “العدوان الإسرائيلي على قطر”، وهو ما استجاب له المجلس الذي اجتمع في نيويورك، وسط دعوات من الصين وروسيا إلى “وقف الخروقات الإسرائيلية المتكررة للقانون الدولي”.

أصداء في الشارع والإعلام

على منصات التواصل الاجتماعي، سادت حالة غضب واسعة، حيث اعتبر ناشطون أن استهداف قطر، الدولة الوسيطة في النزاع، يشكل “تجاوزاً لكل الخطوط الحمر”.

بعض المعلقين رأوا أن نتنياهو يسعى عمداً لإفشال المسار التفاوضي عبر استهداف الوفد المفاوض نفسه، بينما اعتبر آخرون أن العملية تهدف إلى “إخراج قطر من ملف الوساطة” وترك المجال مفتوحاً أمام إسرائيل لفرض شروطها بالقوة.

في الصحافة العبرية، تنوعت التحليلات بين التأكيد على “نجاح عملية نوعية”، وبين التحذير من “مخاطر التصعيد الدبلوماسي”، خاصة بعد موجة الإدانات غير المسبوقة. وذكرت تقارير أن الهجوم نفذته عشر طائرات مقاتلة أطلقت أكثر من عشر قنابل دقيقة في قلب الدوحة، فيما تحدثت بعض المصادر عن مقتل نجل خليل الحية وسكرتيره، وإصابة عدد من المدنيين.

واشنطن بين الحرج والغضب

الولايات المتحدة، التي لعبت دوراً في ترتيب المفاوضات، وجدت نفسها في موقف محرج، فبينما نفت قطر تلقي أي إنذار مسبق بالضربة، اعترف مسؤولون أميركيون بأن واشنطن أُبلغت بالهجوم “بينما كانت الصواريخ في الجو”.

مصادر في البيت الأبيض عبّرت عن استياء من الخطوة، ووصفتها بأنها “أحادية الجانب ولا تخدم المصالح الأميركية أو الإسرائيلية”، لكنها في الوقت نفسه لم تُدن الهجوم بشكل صريح، مكتفية بالدعوة إلى “ضبط النفس” واستمرار الجهود الدبلوماسية.

تداعيات محتملة

المراقبون يرون أن الهجوم يفتح الباب أمام مرحلة شديدة الخطورة في الصراع، إذ يمسّ بدولة عربية ذات علاقات وثيقة بواشنطن وتلعب دوراً وسيطاً محورياً. وهو ما قد يدفع قطر إلى إعادة النظر في دورها، أو إلى اتخاذ إجراءات أكثر صرامة ضد إسرائيل، خاصة بعد أن أكدت في رسالة رسمية لمجلس الأمن أنها “لن تتهاون مع السلوك العدواني الإسرائيلي”.

كما يُخشى أن يؤدي التصعيد إلى دفع دول أخرى، مثل تركيا وإيران، إلى تعزيز دعمها المباشر لحماس، الأمر الذي قد يفاقم الأزمة.

تحول في مسار الصراع

الهجوم الإسرائيلي على الدوحة لا يمثل مجرد ضربة عسكرية استهدفت قادة حماس، بل هو تحول نوعي في مسار الصراع، إذ نقل المواجهة إلى عاصمة عربية تُعد طرفاً وسيطاً معترفاً به دولياً.

الردود الغاضبة من مختلف العواصم، والإدانات التي توحدت على نحو غير مسبوق، تشير إلى أن تل أبيب قد تجاوزت هذه المرة حدوداً حساسة.

ومع بقاء المنطقة على صفيح ساخن، يبقى السؤال الأهم: هل كان الهجوم مقامرة إسرائيلية غير محسوبة قد تجرّ المنطقة إلى مواجهة أوسع، أم رسالة مدروسة لفرض معادلات جديدة على طاولة المفاوضات؟

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *