شؤون آسيوية – خاص –
تستعد مدينة شرم الشيخ المصرية لاستضافة قمة دولية كبرى تُعقد يوم الثالث عشر من أكتوبر عام 2025، تحت عنوان “قمة شرم الشيخ للسلام”، بمشاركة قادة وزعماء من مختلف أنحاء العالم. تأتي هذه القمة في لحظة حرجة من التاريخ الحديث، بعد أشهر من الصراع المتواصل في قطاع غزة، وما خلّفه من خسائر بشرية ومادية جسيمة، وضغوط دولية متزايدة لإنهاء الحرب والوصول إلى تسوية شاملة تحفظ الأمن الإقليمي وتفتح الباب أمام مرحلة إعادة الإعمار.
القمة تُعد استمراراً للدور المصري المحوري في إدارة الأزمات الإقليمية، إذ اختيرت شرم الشيخ مجدداً كمكانٍ رمزي يجمع الشرق والغرب على أرضٍ محايدة بهدف التوصل إلى تفاهمٍ سياسي جديد يوقف نزيف الدم ويعيد الحياة إلى مسارها الطبيعي في المنطقة.
من سيحضر القمة؟
من المنتظر أن يشارك في القمة أكثر من عشرين زعيماً ورئيس حكومة ومنظمة دولية، يتقدّمهم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بصفته الدولة المضيفة والرئيس المشترك للقمة، إلى جانب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي يعود إلى واجهة الجهود الدولية الداعية لوقف الحرب.
كما يشارك الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، ورؤساء حكومات من أوروبا مثل بريطانيا، فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، وإسبانيا، إضافةً إلى تركيا والأردن ودول عربية أخرى معنية مباشرة بالملف الفلسطيني.
الاتحاد الأوروبي سيكون حاضراً بوفد رفيع المستوى، وكذلك جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، ما يعكس تنوع التمثيل بين القوى الدولية والإقليمية.
أما بالنسبة للأطراف المباشرة في النزاع، فقد تضاربت التقارير حول مشاركة إسرائيل أو حركة حماس، إذ تشير مصادر دبلوماسية إلى احتمال غياب الجانبين عن الطاولة المباشرة، مع حضور وفود فنية أو مستشارين غير معلنين، وهو ما يعقّد عملية التوصل إلى اتفاقٍ ملزم ولكنه لا يمنع بلورة صيغة تفاهمٍ أولية قابلة للتنفيذ.
محاور النقاش والملفات المطروحة
أولاً: وقف إطلاق النار
الملف الأول على جدول القمة هو الاتفاق على وقفٍ شاملٍ ومستدامٍ لإطلاق النار في قطاع غزة، مع تحديد جدولٍ زمنيٍ واضحٍ لتنفيذه وآلية مراقبة دولية لضمان الالتزام به. هذا البند يُعد الشرط الأساس لأي تقدمٍ سياسي لاحق، إذ لا يمكن الشروع في المفاوضات السياسية أو الإنسانية ما لم تتوقف العمليات العسكرية.
ثانياً: ملف الأسرى والرهائن
القضية الثانية تتعلق بتبادل الأسرى وإطلاق سراح الرهائن، حيث تطرح القمة مقترحاً متعدد المراحل يبدأ بالإفراج عن المدنيين مقابل هدنةٍ مؤقتة، تليها مراحل تبادلية تشمل العسكريين والمعتقلين السياسيين. نجاح هذا الملف سيُعدّ مؤشراً عملياً على جدية الأطراف واستعدادها للانخراط في عملية سلامٍ أوسع.
ثالثاً: المساعدات الإنسانية وإعادة الإعمار
الجانب الإنساني يحتل مكانةً مركزية في مباحثات القمة، إذ تسعى مصر وشركاؤها الدوليون إلى وضع آليةٍ عاجلةٍ لتدفق المساعدات الإنسانية إلى سكان قطاع غزة بإشراف أممي، مع وضع خطةٍ لإعادة الإعمار على مراحل تبدأ بالبنية التحتية الأساسية ثم الإسكان والخدمات. ستبحث القمة أيضاً في آلية التمويل ومشاركة الدول المانحة والمؤسسات المالية العالمية.
رابعاً: الترتيبات الأمنية والإدارية المؤقتة
يتناول هذا البند مستقبل إدارة قطاع غزة بعد وقف الحرب.
من المقترحات المطروحة تشكيل إدارةٍ مدنيةٍ مؤقتة بإشرافٍ عربيٍ ودولي، تتولى مسؤولية المعابر والأمن الداخلي وتضمن استمرار الخدمات، إلى حين الاتفاق على ترتيباتٍ دائمةٍ في إطار تسويةٍ سياسيةٍ شاملةٍ للقضية الفلسطينية.
خامساً: الخطوات السياسية اللاحقة
من المتوقع أن تصدر عن القمة دعوةٌ لإطلاق مسارٍ سياسيٍ جديدٍ يهدف إلى التوصل لتسويةٍ شاملةٍ على أساس حل الدولتين، وفتح قنوات تفاوضٍ مباشرةٍ برعايةٍ دوليةٍ موسعة.
وقد يجري اقتراح عقد مؤتمرٍ لاحقٍ في نيويورك أو جنيف لاستكمال المباحثات وفق ما يتم التوصل إليه في شرم الشيخ.
الجانب اللوجستي والأمني
تجري الاستعدادات في شرم الشيخ وسط إجراءاتٍ أمنيةٍ مشددةٍ شملت تأمين محيط الفنادق ومقار الاجتماعات، وإغلاق بعض الطرق أمام الحركة العامة.
تم تجهيز قاعات المؤتمر بأحدث وسائل الاتصال والترجمة الفورية لاستيعاب الوفود المتعددة اللغات.
كما وُضعت خطةٌ طارئة للتعامل مع أي حدثٍ أمنيٍ أو طارئٍ صحيٍ خلال القمة، وتم تحديد فرق عملٍ مشتركةٍ بين القوات المصرية والأمن الدولي لتأمين الوفود المشاركة.
التوقعات والنتائج المحتملة
يتوقع المراقبون أن تسفر القمة عن بيانٍ ختاميٍ يتضمن التزاماً دولياً بوقف القتال وبدء المسار الإنساني العاجل، مع وضع جدولٍ زمنيٍ لمفاوضاتٍ سياسيةٍ لاحقة.
ورغم أن غياب أطراف النزاع المباشرين قد يحد من فاعلية القرارات، فإن القمة ستشكل نقطة انطلاقٍ لتوافقٍ دوليٍ أوسع حول مستقبل غزة وترتيبات الأمن في المنطقة.
في حال نجاحها، يمكن أن تفتح الباب أمام مرحلةٍ جديدةٍ من الشراكات الإقليمية في مجالات الإعمار والطاقة والتنمية، ما يجعلها محطةً مفصليةً في تاريخ الشرق الأوسط الحديث.
خاتمة
قمة شرم الشيخ للسلام ليست مجرد اجتماعٍ دبلوماسيٍ رفيعٍ، بل محاولةٌ جادةٌ لإعادة ضبط المشهد الإقليمي وإيقاف دوامة الحرب التي أثقلت كاهل المدنيين وأرهقت دول المنطقة. نجاحها يعتمد على إرادةٍ سياسيةٍ حقيقيةٍ من الأطراف كافة، وعلى استعداد المجتمع الدولي لتحويل التعهدات إلى خطواتٍ ملموسةٍ على الأرض.
فإذا خرجت القمة باتفاقٍ قابلٍ للتنفيذ، فستكون بدايةً لمسارٍ جديدٍ نحو سلامٍ أكثر استقراراً في المنطقة، أما إن تعثرت، فستظل على الأقل رسالة واضحة بأن العالم لم يعد يقبل استمرار الحرب دون أفق سياسي أو إنساني واضح.