
شؤون آسيوية – خاص –
شهد لبنان خلال أكتوبر 2025 تصعيداً عسكرياً حاداً تمثّل في سلسلة غارات إسرائيلية استهدفت مناطق عدة في الجنوب والبقاع.
تزامن ذلك مع تجدد النقاش حول مستقبل سلاح حزب الله، واحتمالات الدخول في مفاوضات مباشرة أو غير مباشرة مع إسرائيل، التطورات الميدانية والسياسية أظهرت تداخل الملفات الأمنية والسيادية، وسط انقسام داخلي وضغط دولي لإعادة ضبط التوازن في الجنوب اللبناني.
تصعيد ميداني واسع في الجنوب اللبناني
الغارات الإسرائيلية الأخيرة، التي وقعت منتصف أكتوبر 2025، طالت بلدات أنصار وبنعفول وشمسطار، وأدت إلى مقتل وإصابة عدد من المدنيين.
الجيش اللبناني أكد أنّ الضربات استهدفت بنى تحتية، فيما أصدرت الأمم المتحدة بيانات تُدين الخروقات الجوية المتكررة وتدعو إلى الالتزام بالخط الأزرق ووقف الاعتداءات.
وفق بيانات “اليونيفيل”، تم تسجيل أكثر من ستة آلاف خرق جوي منذ بداية العام، ما يعكس هشاشة اتفاقات التهدئة القائمة منذ 2006.
موقف الدولة اللبنانية وردود الفعل الرسمية
الرئاسة اللبنانية شددت على تمسكها بحق الدفاع عن السيادة، لكنها فتحت الباب أمام فكرة التفاوض لحل الخلافات الحدودية.
تصريحات الرئيس جوزيف عون حول “ضرورة التفاوض” أثارت نقاشاً سياسياً واسعاً، إذ رآها البعض تمهيداً لمسار جديد، بينما عدّها آخرون خطوة تكتيكية لتخفيف الضغط الدولي.
في المقابل، أكد بيان حكومي لاحق أنّ أي تواصل محتمل مع إسرائيل لن يكون مباشراً بل عبر وساطات أممية أو أميركية.
المفاوضات المباشرة واحتمالاتها
الحديث عن مفاوضات مباشرة بين لبنان وإسرائيل برز مجدداً بعد تسريبات حول اتصالات غير رسمية بوساطة أوروبية.
إلا أن الحكومة اللبنانية نفت وجود أي قناة تفاوض رسمية، مشيرة إلى أنّ المفاوضات السابقة المتعلقة بترسيم الحدود البحرية عام 2022 جرت بطريقة غير مباشرة عبر الأمم المتحدة.
مع ذلك، يضغط مجلس الأمن حالياً لاعتماد مقاربة شاملة تشمل وقف الخروقات وضبط السلاح غير الشرعي داخل لبنان.
سلاح حزب الله بين الضغوط الداخلية والخارجية
موضوع السلاح عاد إلى الواجهة بعد تكليف الحكومة الجيش اللبناني بوضع خطة لضمان حصر السلاح بيد الدولة. القرار قوبل بتحفّظ حزب الله الذي اعتبر أنّ السلاح “جزء من معادلة الدفاع الوطني” في مواجهة إسرائيل.
تقارير رويترز أشارت إلى أنّ الحزب مستعد لنقاش “استراتيجية دفاعية مشتركة” شرط انسحاب إسرائيل من الأراضي اللبنانية المتبقية، بينما تؤكد واشنطن أنّ أي دعم إضافي للبنان مرهون بتقدم فعلي في ضبط السلاح وتنفيذ قرارات مجلس الأمن 1559 و 1701.
الأبعاد الدولية والاقتصادية للأزمة
ترافق التصعيد الأمني مع حراك دبلوماسي مكثف. الولايات المتحدة أعلنت في مطلع أكتوبر عن حزمة مساعدات بقيمة 230 مليون دولار لدعم الجيش وقوى الأمن الداخلي، في خطوة تهدف إلى تقوية مؤسسات الدولة.
في المقابل، حذرت الأمم المتحدة من أن استمرار الغارات والنزاع المسلح يهدد الاستقرار الإقليمي ويعرقل جهود الإغاثة الاقتصادية في لبنان. الأوساط الأوروبية تتابع عن كثب خشية امتداد الصراع إلى شرق المتوسط.
الخاتمة
تطورات أكتوبر 2025 تُظهر أنّ لبنان يقف أمام مفترق حاسم بين خيارين: تثبيت سيادة الدولة عبر حصر السلاح والالتزام بالشرعية الدولية، أو استمرار ازدواجية القرار العسكري وما يرافقها من تصعيد متكرر.
الغارات الإسرائيلية الأخيرة لم تكن حدثاً معزولاً، بل حلقة ضمن سلسلة صراعات متشابكة تتقاطع فيها السياسة بالأمن والاقتصاد.
المخرج يبدو رهناً بقدرة الدولة اللبنانية على إدارة توازن دقيق بين المقاومة والشرعية، وبين الأمن الداخلي ومتطلبات التفاوض الخارجي.