شؤون آسيوية –
بقلم د. حميدة العجل*
شباب اليوم هم قادة الغد، وهم عماد الأمة وقوة التغيير الإيجابي في المجتمع ولا يقتصر دورهم على المشاركة في الحياة العامة فحسب، بل يمتد إلى تعزيز السلم الأهلي، الذي يُعَدُّ شرطًا أساسيًا لاستقرار المجتمعات وتنميتها. فالسلم الأهلي هو حالة من الإستقرار الإجتماعي والأمن والوئام، حيث يعيش الأفراد بسلام وكرامة، ويتعاونون لتحقيق التنمية والإزدهار من دون خوف من العنف أو الصراع. ما يعني أن السلم الأهلي يتطلب احترام حقوق الإنسان، والتسامح، والحوار، والتعايش بين مختلف فئات المجتمع.
وكما يؤكد أنيس فريحة أن: “الشباب هم أمل المستقبل، وإذا أردنا سلامًا حقيقيًا في لبنان، يجب أن نزرع في قلوب شبابنا قيم الحوار والتفاهم.”
وفي هذا السياق، يبرز دور الشباب كقوة دافعة نحو بناء مجتمع متسامح ومتعدد، يعترف بالاختلافات ويحترمها.
وفقًا لنظريات علم النفس الاجتماعي، مثل نظرية ماسلو للحاجات الإنسانية، فإن الحاجة إلى الإنتماء إلى مجموعة إجتماعية تُعَدُّ من الحاجات الأساسية للإنسان، خاصة في مرحلة المراهقة والبلوغ. كما يوضح إريكسون أن الهوية الإجتماعية والشعور بالانتماء إلى مجموعات إجتماعية يثري هوية الفرد ويعزز شعوره بالاستقرار النفسي. وبالتالي، فإن تعزيز الانتماء الوطني لدى الشباب يُعَدُّ خطوة أساسية نحو بناء مجتمع متجانس ومستقر.
وفي لبنان، حيث التنوع الطائفي والثقافي هو سمة أساسية، يلعب الشباب دورًا محوريًا في تعزيز الانتماء الوطني بدلًا من الانتماءات الفرعية التي قد تؤدي إلى التشرذم. ففي فترات الأزمات، مثل العدوان الإسرائيلي الأخير الذي شهده لبنان، برزت مبادرات شبابية فردية وجماعية تعكس روح الانتماء للوطن الواحد. إذ على الرغم من التحديات الكبيرة التي يواجهها، استطاع الشباب اللبناني أن يعبّر عن روح التسامح والتعايش، بعيدًا عن التعصب المذهبي والطائفي. إذ أنه مع كل أزمة جديدة، تتعمق أزمة الهوية الوطنية، وتتصاعد مشاعر الانقسام، وتتراجع ثقة المواطن في مؤسسات الدولة.
كما أن التدخلات الخارجية جعلت من لبنان ساحة لتصفية الحسابات، مما أثر على أمنه واستقراره الداخلي. هذا مع ما يعانيه الشباب اللبناني من الفقر المدقع وغياب الفرص الإقتصادية والتعليمية، ما يحدُّ من قدرتهم على المشاركة الفاعلة في بناء المجتمع. فغياب الفرص يقتل روح الإبداع والإبتكار لدى الشباب، ويجعلهم عرضة للاستقطاب من قبل الجماعات المتطرفة التي تستغل ظروفهم الصعبة لتعميق الانقسامات الإجتماعية.
وعلى الرغم من هذه التحديات، يبقى الشباب قوة فاعلة في بناء الوطن وتعزيز السلم الأهلي. فهم من يمتلكون الطاقة والإرادة لتجاوز الإنقسامات الطائفية والمذهبية، وهم من يمكنهم تعزيز قيم التسامح والحوار والتعايش بين مختلف فئات المجتمع.
في هذا السياق، يمكن للشباب أن يلعبوا دورًا رئيسيًا في تعزيز الانتماء الوطني من خلال المشاركة في المبادرات المجتمعية التي تعزز اللّحمة الإجتماعية. ففي فترات الأزمات، مثل الانتفاضة الشعبية، أو ثورة 17 تشرين كما أطلق عليها البعض أو الإعتداءات الإسرائيلية، برزت العديد من المبادرات الشبابية التي سعت إلى تعزيز روح التعاون والتضامن بين اللبنانيين، بعيدًا عن الإنقسامات الطائفية.
في النهاية، يمكن القول إن الشباب هم الأمل الحقيقي لبناء مجتمع مستقر ومتسامح. ولتحقيق ذلك، يجب على المجتمع والدولة توفير الفرص التعليمية والإقتصادية للشباب، وتمكينهم من المشاركة الفاعلة في صنع القرار. فالشباب الذين يشعرون بالانتماء إلى وطنهم، ويتمتعون بالفرص الكافية للتعبير عن أنفسهم، هم من سيحققون السلم الأهلي ويعززون الاستقرار الإجتماعي.
كما يجب على وسائل الإعلام والمؤسسات التعليمية أن تعمل على تعزيز قيم التسامح والحوار، وتجنّب الخطابات الطائفية والمذهبية التي تزيد من حدة الانقسامات. فالشباب هم من سيحملون راية التغيير، وهم من سيبنون مستقبلًا أفضل للبنان، يعتمد على الانتماء الوطني بدلًا من الانتماءات الفرعية التي تهدد وحدته واستقراره.
*باحثة وأكاديمية لبنانية.
ش