Monday

10-03-2025 Vol 19

التحديات والاستحقاقات الوطنية في سورية

د. زكريا ملاحفجي**

 

تعيش سورية بعد هروب الأسد جملة من التحديات الداخلية على الجغرافية السورية وبين المكونات السورية، وتحيط بها تحديات إقليمية خارجية عبر منطقة تشهد صراع منذ سنوات. وكانت سورية مسرحاً لهذا الصراع لاسيما الصراع الإسرائيلي الإيراني، فكان استهداف السفارة الإيرانية ومقتل عدد من القيادات الإيرانية ومن حزب الله في سورية. وفي ظل تنامي الصراع عمدت تركيا إلى إغلاق ملف صراع تاريخي مع حزب العمال الكردستاني بعد دعوة الزعيم الروحي لحزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان مناصريه إلى إلقاء السلاح.

من جانبها تتطلع إسرائيل إلى ذرائع شتى للتمركز والتدخل في سورية، لاسيما قد سارعت وقت هروب الأسد إلى التمركز في المنطقة العازلة وفق اتفاق فصل القوات لعام 1974 وكذلك في بعض قرى القنيطرة. وهي تستغل عدم الاستقرار في سورية ونشوء مشاكل هنا وهناك، كما حصل في جرمانا والسويداء وكذلك مناطق قسد وهي مناطق لا تزال خارج سيطرة الحكومة السورية الجديدة. وهناك تباينات بين سلطات هذه المناطق وبين دمشق.

وبقاء هذه المناطق والمحافظات من الحسكة والرقة والسويداء ومنطقة جرمانا وغيرها بهذا الشكل وخارج نطاق النظام الجديد، سينعكس سلباً على تحقيق الاستقرار وكذلك على الشعب السوري من كل النواحي، وسيكون سبباً باستبعاد مثقفي ومثقفات هذه المناطق من المشاركة في المرحلة الانتقالية، وحصر المشاركة بفئات معينة. وبعد التدخل الإسرائيلي العلني بمشكلة السويداء أو الدروز بات الاستحقاق والواجب الالتفاف الوطني والتفاهم السريع الجاد لتفعيل مؤسسات الدولة بكل المناطق وبسط السيطرة، لأن هناك أفراد أو جهات مسلحة قد تكون مستعدة لتقبل العروض من دول وربما من إسرائيل. فلا بد من العمل على أساس الهوية السورية الوطنية، مع الفخر بهويتهم الفرعية، ولا بد أن نذكر ان سلطان باشا الأطرش رفع عاليا الهوية السورية الوطنية الجامعة قبل هويته الفرعية، كما غيره من الشخصيات العلوية والكردية والمسيحيين وهذا ما جعلهم رموزاً من رموز سورية.

فالظروف هذه إضافة إلى تأخر إبرام تفاهم جعل الدروز عموماً منقسمين إلى أقسام عدة:

قسم يؤمن باللامركزية، وقسم يؤمن بأنّ بوصلة الحل من دمشق والبقاء مع سورية واحدة وهم نخبة مثقفة عريضة.

والقسم الذي يصر على اللامركزية كنقطة انطلاق ويطالب بضرورة وجود ضامن دولي وهذا ما أكد عليه الشيخ حكمت الهجري.

فموضوع الدروز وقسد هما أكبر تحد أمام دمشق ويحتاجان إلى حلول سريعة في ظل المعطيات الجديدة.

أضف إلى الشعور بالتهميش والتجاهل لشرائح واسعة من أبناء الثورة وهؤلاء قوى لا يستهان بها ولديهم موقف وطني متمسك بالحفاظ على البلد وحريته وديمقراطيته، وهذه الشريحة تشعر بالغياب من المشاركة الحقيقية، إضافة إلى تنامي المشاكل الإدارية والاقتصادية التي تكبر يوماً بعد يوم في سورية.

كما أن لإيران بعد خسارتها نفوذها في سورية قد تدعم مليشيات في أشكال كثيرة في سورية وهذا ما تُلمح آثاره في سورية عبر بيانات مجهولة الخلفية، إضافة إلى وجود إيران داخل قسد.

في النهاية، إن اللعبة الجيوسياسية والصراع لم ينتهيا في المنطقة، بل قد تدخل المنطقة مرحلة جديدة من التفاهمات والصراعات والتموضعات المتغيرة.

وتبقى عقبة قسد في سورية هي مصدر تهديد لاسيما أن هناك قواعد أمريكية في مناطق قسد ولهم علاقات خطيرة مختلفة ومعقدة في المنطقة.

فقد تنجح تركيا بحل النزاع المسلح الداخلي مع حزب العمال الكردستاني وهذا مفيد لها. لكن أذرع حزب العمال شبه المستقلة عنه موجودة في سورية وإيران وشمال العراق.

وتحدثت إسرائيل أيضاً عن سبع جبهات لها ستنشط عليها في الأيام القادمة وإحدى هذه الجبهات هي سورية، فلا تكف إسرائيل عن الاستهدافات شبه اليومية لسورية وتضغط إسرائيل من أجل منع وجود قواعد عسكرية تركية في الجنوب، فهذا سيضع إسرائيل في مأزق في مقابل دولة مهمة في حلف الناتو.

واليوم سورية أحوج ما تكون إلى حكومة وفاق وطني من الخبراء التكنوقراط، يعيدون هيكلة الوزارات والإدارات بقواعد مهنية صحيحة تسعف البلد في هذه الظروف الصعبة للغاية من التهديدات الداخلية والخارجية.

وتعزيز اللغة الحوارية التي ينبغي ألا تتوقف التي ينتج عنها التواضع الوطني الواعي لحفظ وحدة الأراضي السورية وحفظ حدودها وسيادتها، وذلك بالانفتاح والعمل مع القوى الوطنية السورية والمكونات السورية، فلسوريا خصوصيتها بتنوعها الكبير الذي يحتاج المراعاة الخاصة، لاسيما الإرث الصعب من الجبر والإكراه الذي ولّد ضعف الثقة، إضافة إلى الصراع الطويل. ونحتاج الآن إلى مصالحة وطنية وعدالة انتقالية فهي كفيلة بتحقيق السلم الأهلي والاستقرار في هذا البلد المنهك.

 

*أمين عام الحركة الوطنية السورية.

Shuun Asyawiya

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *