أ.د فرح موسى: رئيس المركز الإسلامي للبحوث والدراسات القرآنية.**
يسأل خبراء السياسة والاقتصاد، وكذلك مراكز البحوث والدراسات الاستراتيجية، ولا تكاد تخلو مؤسسة علمية، أو بحثية، أو إعلامية، إلا وتسأل عن مرجحات الحرب بين أمريكا وإيران في أخطر لحظات التأزم العالمي، ويرى كثيرون أن هذه الحرب والضجيج حولها لا تعدو أن تكون مجرد ضغوط سياسية لتحسين شروط التفاوض.
وهناك مَن يرى أن الحرب أصبحت أكثر من ملحة بدافع الحماية للمصالح الغربية وللكيان الصهيوني بعد طوفان الأقصى.وهذا ما نرى أنه مرجح في ظل ما تسعى إليه أمريكا من بناء شرق أوسط جديد يكرّس لها هيمنتها ويحمي مصالحها بقيادة الكيان الصهيوني، وقد رأينا في بحوثنا السابقة، أنه لو كان جوهر الصراع بين الغرب وإيران، هو الملف النووي، فقد سبق وجرى الاتفاق بشأن هذا البرنامج، ولكن الإدارة الأمريكية في الولاية السابقة للرئيس الأمريكي ألغت هذا الاتفاق، وعادت لتثير الأزمات حوله، وكأنه هو المشكلة وسبب الصراع! وهذا ما لا نرى له وجهًا في السياسة والمصالح الاستراتيجية للدول.
فأمريكا لم تقدم على إلغاء الإتفاق، لكونه يُعطى إيران فرصة النهوض النووي، وإنما ألغته، لأنه يرفع عن إيران الحصار، ويمكنها من تطوير قدراتها العلمية والتقنية والعسكرية، ويؤهلها لأن تكون في مصاف الدول الكبرى.
فالغرب المستعمر بقيادة أمريكا وبتأثير مباشر من الكيان الصهيوني لا يريد لإيران الانفتاح الاقتصادي والتطور العلمي لما يشكله ذلك من مخاطر على المصالح الغربية والصهيونية في الشرق الأوسط! وانطلاقًا من ذلك، نرى أن فرص الحرب تتقدم على التفاوض والدبلوماسية، إذ إنه لم يعد ممكنًا بعد الوعود الصادقة التي نفذتها إيران ضد الكيان الصهيوني، حماية هذا الكيان والدفاع عنه بأطروحات التطبيع والسلام المزعوم!!!.
فالمسألة ليست متعلقة بالخوف من النووي الإيراني،وإنما بالخوف على الكيان الصهيوني الذي تعرّض منذ طوفان الأقصى لمزيد من الترهل الاستراتيجي على أكثر من صعيد،في السياسة والاقتصاد والقوة العسكرية!، ويكفيه من هذا الترهل القلق على الوجود والمصير ..!
لا شك في أن الغرب يخشى من هذه الحرب، كما تخشاها إيران لما قد ينتج عنها من أزمات وحروب عالمية؛ ولكنها أصبحت مطلوبة للغرب والكيان الصهيوني علّها تحدث له خرقًا في جدار أزماته الوجودية في ظل ما يشهده العالم من نزاعات تكاد تفتح العالم على حروب الفناء.!
نعم، هناك مَن يرى فرصةً للحوار بين إيران وأمريكا لتفادي النتائج المذهلة للحرب فيما لو وقعت، ولكن بروز التناقض الحاد بين المصالح الاستراتيجية لكل من إيران وأمريكا قد بلغ حدًا يستحيل معه النجاح في تلافي الحرب، فأمريكا تريد شرق أوسط جديد بقيادة إسرائيلية، وإيران تعادي هذا الكيان لدرجة أنها تطالب بإزالته عن خارطة الشرق الأوسط! فهذا العداء المستحكم، هو الذي سيجعل من الحرب أكثر من حتمية بين إيران وأمريكا طالما أن هذه الأخيرة تفاوض بالشروط الاسرائيلية، وتتحدّث عن أذرع إيرانية، وحروب بالوكالة عن إيران! بل وأكثر من ذلك، فهي تطالب ببحث مسألة الدفاع الصاروخي لإيران، فهذا كله كان ولا يزال يقف خلف إلغاء الاتفاق النووي الذي أبرم سابقًا! فإذا كان لا بد من مقاربة هذا الصراع، فلنعد إلى حقيقة ما تدار به السياسة الامريكية بتأثير من اللوبيات اليهودية التي لم تعد خافية على أحد في ضوء ما تطالعنا به هذه السياسة من وفود ومبعوثين أمريكيين لا يخفون ولائهم اليهودي، ولا دعمهم اللامتناهي للكيان الصهيوني في حروبه وجرائمه ضد العرب والمسلمين!!!
إذن، المشكلة لم تكن ولن تكون في الملف النووي،باعتبار أنه يمكن التفاوض بشأنه والوصول إلى نتائج مرضية في ضمان عدم إنتاج سلاح نووي، كما حصل في السابق. وإنما هي في العداء للكيان الصهيوني، وكل شعوب الأرض تعلم علم اليقين بأن إيران لو تخلت عن هذه الثابتة الوجودية، لما كان ثمة مشكلة بين إيران والغرب وإسرائيل، بل كنا سنرى إيران تحكم الشرق الأوسط،وتبني أمجادها الأمبراطورية الشاهنشاهية، وجميع العرب يعرفون هذه الحقيقة؛ وإن كانوا يتجاهلونها بدوافع باهتة! فإيران لن تتفاوض على ما تعتبره من ثوابت الدين والثورة مهما بلغت التضحيات، كما أنها لن تتفاوض على قدراتها الدفاعية،ولا على مصالحها وأمنها القومي، وبما أن أمريكا تريد لإيران أن تكون غير إيران كما عرّفت نفسها للعالم، إيران الدين والحق ودعم المظلومين، فإن أحدًا لا يمكنه التكهن بما قد تؤول إليه المنطقة من أحداث وحروب! فأمريكا والكيان الصهيوني عازمان على الحروب التجارية والعسكرية معًا، وليس أمامهما من خيار سوى إعلان الحرب طالما أنه لا ضمانة لحماية الكيان الصهيوني بالسبل الدبلوماسية وفرض ما يسمى بالتطبيع والسلام، فكل الخيارات في ظل حرب الإبادة في فلسطين، والعدوان الأمريكي على اليمن، والحشود الأطلسية في البحار، فهذه كلها أحداث تنبيء بأن خيار الحرب أصبح قاب قوسين أو أدنى من الوقوع، وذلك كله إنما نراه واقعًا نظرًا لما يشوب العلاقة بين أمريكا وإيران من تناقض في المصالح والأهداف، فلم يعد ممكنًا البحث عن قواسم مشتركة لحماية المصالح الاستراتيجية لكلا الطرفين، وهذا من شأنه تسريع الأحداث ،ليكون العالم كله أمام مستجدات وتحولات لا تبعث على الطمأنينة في إدارة الصراع العالمي ما يؤشر إلى مزيد من الفوضى العالمية والتضخمات الاقتصادية، التي بات يُخشي معها ليس وقوع الحرب بين أمريكا وإيران فحسب، وإنما حصول الصدام العالمي على نحو ما أفادتنا التجارب السابقة في الحروب والفناء البشري.