شؤون آسيوية – إعداد: آية عيسى –
منذ عودته إلى البيت الأبيض، في ولايته الثانية، بدأ الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الترويج لمقترح ينصّ على تهجير قطاع غزة من سكّانه، عبر إرسالهم إلى دول ثالثة سمّ منها مصر والأردن ولاحقاً سوريا (درعا على وجه التحديد)، ثمّ أكثر، إلى جانب مسؤولين إسرائيليين، من الحديث عن مشاورات جارية مع دول أخرى قد تقبل باستضافة أعداد من الغزيين بينها السودان والصومال.
وأثار مقترح ترامب استياءً عربياً ودولياً، إذ لم تعبّر أي دولة من التي يستهدفها المقترح عن استقبال سكّان قطاع غزة تحت أي ظرف من الظروف. وذلك ما أكدت عليه أخيراً القمة الثلاثية التي عقدت الاثنين الماضي، في القاهرة وقد جمعت الرئيسين المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، وملك الأردن عبدالله الثاني، وانتهت بالتأكيد على رفض تهجير الفلسطينيين من أرضهم، واعتبار حل الدولتين المنفذ الأساسي لتحقيق الأمن والاستقرار، ليس في فلسطين وحسب، وإنما في كل الشرق الأوسط.
وإذا كان ترامب قد أعطى لمقترحه صورة عقارية، عندما قال إن الهدف هو إعمار قطاع غزة بطريقة تجعل منه “ريفييرا الشرق الأوسط”، إلا أنه لم يكن جازماً في ما إذا كان الهدف هو تهجير القطاع بشكل دائم، أم مؤقت، وقد أشار إلى ذلك في أكثر من تصريح، ربما في إطار محاولاته التخفيف من حدة مقترحه، الذي لم يُعجب العرب ولا حتى دول غربية أخرى، رأت أن المقترح يشكّل انتهاكاً للقوانين الدولية، ولحقوق الإنسان، ومن شأنه أن يؤجج الصراع في المنطقة، بعكس ما يفكّر الرئيس الأميركي.
وبغض النظر عن المواقف من مقترح ترامب، إلّا أنه ثمة عقبات كثيرة تحول دون تطبيقه عملياً، خصوصاً في ظل تمسّك الفلسطينيين بأرضهم، وفي ظل الموقف العربي، مصر والأردن على وجه التحديد، اللذين رفضا بشكل قاطع القبول باستقبال الفلسطينيين تحت أي ظرف وبأي شكل من الأشكال.
هذه التداعيات تطرح إشكالية بالغة الأهمية حول إمكانية نجاح ترامب في مسعاه، وعمّا إذا كان سيتمكّن من فرضه على الدول العربية سواء المجاورة لفلسطين أو تلك التي لا تمتلك حدوداً معها، أو أن الاقتراح سيظهر في النهاية وكأنه مجرد ورقة ضغط تلوّح بها إدارة ترامب، وترفعها في وجه العرب لدفع الذين لم يسيروا منهم في ركب التطبيع بعد، إلى تبني خيارات بتوقيع اتفاقيات سلام مع إسرائيل تتجاوز حدود “الهدنة”، والكلام هنا خصوصاً السعودية وسوريا ولبنان ربما.
احتمالات النجاح قليلة
وعلى الرغم من كل ما سبق، فإن المقترح يحتاج إلى عملية متكاملة قبل أن يصبح أمراً واقعاً ومنفذاً بشكل عملي، وفي هذا السياق، يقول الباحث الدكتور طلال عتريسي، إن الرغبة الأميركية في تهجير الفلسطينيين من غزة الى بعض الدول العربية خصوصاً الأردن ومصر لا يبدو احتمال نجاحها كبيراً، “لأن هذا التهجير يهدد الدولة الأردنية بشكل مباشر ويهدد الاستقرار في مصر”، فالدولتان لا يمكنهما تحمّل نقل آلاف الفلسطينيين إلى أراضيهما وبناء مخيمات فيها، وبالتالي كان موقف الأردن ومصر واضحاً بعدم قبول خطة ترامب. وهذا ما دفع الأخير إلى البحث عن دول أخرى، وقد عرض على السودان خطته، لكن الأخير رفض أيضاً. وعليه فإن الفكرة لا تزال تجول في رأس ترامب وهو يبحث عن وسائل لتنفيذ ذلك لكنها ليست مهمة سهلة.
وبعيداً عن موقف الدول الرافضة، فإن هناك عوائق تتعلق بالفلسطينيين أنفسهم، فهم تعرضوا للتهجير والابادة، وعلى الرغم من ذلك يرفضون الخروج من غزة، فمن خرج منهم هي أعداد ضئيلة جداً. ويقول عتريسي: “هذه مسألة مهمة حتى لو قبلت الدول العربية أن تستقبلهم وهم لم يخرجوا، بالتالي المشروع سيفشل. ذلك أن الأساس هو مدى استعداد الفلسطينيين للخروج أو موافقة حماس على خروجهم. ويرى أن هناك صعوبة كبيرة في حصول مخطط التهجير، لأن ما يتعرض له الشعب الفلسطيني من إبادة لم يدفعه للتفكير بالهجرة الجماعية. وهذا يضاف إلى مواقف الدول العربية الرافضة لمقترح ترامب، مما يؤكد صعوبة تنفيذ المخطط وحدوث التهجير.
ونلاحظ أخيراً أن مصر استنجدت بفرنسا فاللقاء الذي حصل بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الفرنسي ايمانويل ماكرون، شدد على رفض موضوع التهجير خصوصاً على المستوى الدولي، فلا أحد قبل بمثل هذا التهجير الذي يخالف الحقوق الطبيعية لأي شعب. لأن التهجير يخالف القوانين الدولية، كما جاء في الاعلان العالمي لحقوق الانسان، وبالتالي لا أحد يستطيع أن يدافع عن هذا المشروع.
الدول العربية حتى الآن ثابتة، فهناك اجراءات بالمال، هناك ضغوط اقتصادية، وهناك تهديدات. لكن برغم كل ذلك، يضيف عتريسي: “هناك صعوبة كبيرة في القبول بهذا المشروع. لغاية الآن الدول العربية صامدة لا تقبل، والفلسطيني لم يخرج من أرضه، وبالتالي استبعد أن ينجح ترامب في هذا المشروع”.
مقترح بعيد المدى
مقترح ترامب يظل مقترحاً بعيد المدى، يمكن تحقيقه عبر خطوات مترابطة، قد تؤدي في النهاية إلى إخراج أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين إلى دول عربية وأوروبية وأميركية، وفقاً لما يقول الصحافي عبد معروف، مشيراً إلى أنه يبقى عدد قليل من الفلسطينيين في القطاع ويمكن السيطرة عليه من خلال إشغاله في ميادين الاقتصاد الإسرائيلي.
ويضيف معروف: “يمكن القول إن خطة ترامب لن تتحقق في أيام او أشهر قليلة، بل هي قد تتخذ مساراً ربما يكون طويل أو متوسط المدى.
وتعمل تل ابيب على تنفيذ خطة ترامب من خلال حرب الابادة وعمليات التدمير والتهجير وقتل الحياة في القطاع. ويقول معروف إن هناك عقبات وعوائق كثيرة، حتى اللحظة تعرقل تنفيذ خطة ترامب، أبرزها أن سكان القطاع الفلسطينيين مصممون على البقاء في أرضهم ويرفضون التشرد إلى خارج غزة آخذين من تجارب التشرد الفلسطيني خلال 77عاماً، عبرة لعذابات ومآسي اللجوء والهجرة.
وعلى هذا الأساس، يعتبر معروف أن صمود أهل القطاع حتى اليوم، سبباً من أسباب عدم تنفيذ خطة ترامب بتهجير سكان القطاع.
كما ان استمرار القتال وعمليات التصدي التي مازال يواجهها الجيش الاسرائيلي خلال محاولاته السيطرة على ارض القطاع تعدّ سبباً آخر. ويتطرق معروف إلى الموقف المصري خصوصاً والعربي عموماً في مواجهة مقترح الرئيس الأميركي، وتحديداً مع تهديد الحكومة المصرية بإلغاء اتفاقيات كامب ديفيد للسلام.
ويؤكد معروف أيضاً، أن المظاهرات الشعبية العارمة التي شهدتها العاصمة والمدن المصرية الأخرى، تشير إلى أن هناك رفضاً واضحاً من قبل مصر لتهجير الفلسطينيين، وكذلك الاستعداد لمواجهة خطة ترامب بقوة وصلابة.
لكن في الحديث عن القدرة النهائية على إفشال مخطط ترامب فهي غير متوقعة، بسبب القدرة الأميركية على فرض قراراتها على الحكومات العربية، وبسبب حالة الاهتراء والترهل التي تعاني منها الدول العربية اقتصادياً وسياسياً وامنياً ما جعلها رهينة للدعم والحماية الأميركيين، بحسب معروف.
ويلفت إلى أن الدول العربية ربما تطلق اليوم إعلانات الرفض لخطة ترامب وربما ترى الحكومات العربية المخاطر التي تنتظرها في حال تم تهجير الفلسطينيين من القطاع إلى بلدانهم، وربما تعمل واشنطن على تنفيذ خطة ترامب ببطء او خطوة خطوة بانتظار إزالة العقبات والعراقيل، خصوصاً أن واشنطن لا تعمل على تحقيق اهدافها في المنطقة مرة واحدة أو خلال مرحلة واحدة بل تراهن على الوقت في المزيد من إضعاف العرب والمزيد من ارتهانها للإدارة الأميركية.
ويضيف معروف أن الوضع العربي العام وحالة الانهيار الاقتصادي والسياسي والأمني ستشكل عاملاً مساعداً ودافعاً لواشنطن لتحقيق خطة ترامب حتماً، ليس في وقت قصير، بل على مدى بعيد أو متوسط، خصوصاً في حال أصبحت الحياة في قطاع غزة جحيماً وفتح لسكان القطاع منافذ للخروج من القطاع.