** بقلم تشانغ شين
عندما يجرف غبار الصحراء الكبرى ناقلات النفط في الخليج العربي، وعندما يلتقي موسم الفيضانات في نهر اليانغتسي مع جفاف مياه النيل، يؤثر تغير المناخ بشكل عميق على مسار حضارتين كبيرتين، الصين والدول العربية، بطريقة تتجاوز الحدود الوطنية.
وفقًا لتقرير فجوة الانبعاثات لعام 2023 الصادر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة، فإن احتياجات تمويل التكيف للدول النامية أعلى بالفعل، من 10 إلى 18 مرة، من تدفقات التمويل العام الدولي الحالية، وهو ما يتجاوز التوقعات بكثير.
تكشف هذه البيانات عن التحديات المشتركة التي تواجه الصين باعتبارها أكبر دولة نامية والعالم العربي كقوة طاقة. في وقت تتصاعد فيه الأحادية العالمية، لماذا يعتبر مبدأ التشاور والتعاون والتنافع “مفتاحًا لحل المعضلة البيئية؟” ربما يمكن العثور على الإجابة في صور السماء الطائرة في جداريات دونغوانغ وأنماط الكروم العربية، أو في مشاريع التعاون الملموسة مثل قاعدة الطاقة الكهروضوئية في نينغشيا بالصين، وحديقة الطاقة الكهروضوئية في دبي بالإمارات العربية المتحدة.
تؤكد فلسفة البيئة في الصين على الأسس الفلسفية من “الحضارة البيئية” و”وحدة السماء والإنسان”، التي لا تنعكس فقط في سياساتها الوطنية ولكنها مدرجة أيضًا في دستورها.
تعترف فكرة الرئيس الصيني شي جينبينغ بالحضارة البيئية وتتعامل مع العلاقة بين البشر والطبيعة من منظور مجتمع الحياة، متجاوزة المفهوم التقليدي للتنمية المستدامة وتؤكد على الاتصال العضوي الجوهري بين البشر والطبيعة. على سبيل المثال، تنبع فكرة “وحدة السماء والإنسان” من الفلسفة الصينية القديمة، التي تدعو إلى التعايش المتناغم بين البشر والطبيعة، وتضرب جذورها في الثقافة الصينية التقليدية، مثل “السماء والأرض وأنا أتينا إلى الوجود في ذات الوقت، كل المخلوقات في العالم وأنا وحدانية واحدة” في كتاب زوانغزي. لقد وفرت هذه الأسس الفلسفية للصين خلفية ثقافية عميقة ودعمًا نظريًا لتحقيق هدف “الكربون المزدوج”، وعززت الإجراءات الإيجابية للصين في التنمية الخضراء وحماية البيئة.
تجد هذه الحكمة الشرقية صدى بعيدًا في تربة الحضارة العربية. فمفهوم البيئة العربي ليس مفهومًا مستوردًا من الغرب، بل هو جزء لا يتجزأ من القانون الأخلاقي للتعاليم التي تعتبر عقيدة أمانة الطبيعة من الأفكار الأساسية فيها.
يؤكد هذا المفهوم على وصاية البشرية على الطبيعة، معتقدًا أن الطبيعة أمانة من الله وأن على البشرية واجب حماية واستخدام الموارد الطبيعية بشكل عقلاني.
في الوقت نفسه تروج الدول العربية بنشاط لإستراتيجيات التحول الأخضر، مثل رؤية السعودية 2030، التي تقترح بشكل صريح تخطيط الطاقة المتجددة، بهدف تحقيق المزيج المتنوع والمستدام من الطاقة.
لا تركز هذه الإستراتيجيات فقط على الفوائد الاقتصادية، بل تعالج أيضًا التحديات التي تطرحها تغيرات المناخ والتدهور البيئي.
بالإضافة إلى ذلك طورت الإمارات العربية المتحدة تقنيات “الاقتصاد الدائري للكربون” التي تُدخل احتجاز الكربون في سلسلة النفط والغاز التقليدية، بهدف إدارة الانبعاثات من خلال الاقتصاد الدائري للكربون لتحقيق الأهداف المناخية. تعكس هذه المفاهيم والإستراتيجيات الموقف الإيجابي والعزيمة القوية للدول العربية في حماية البيئة والتنمية المستدامة.
وعلى الرغم من وجود اختلافات كبيرة بين الصين والدول العربية من حيث الحضارة والخلفية التاريخية، إلا أنهما متوافقتان للغاية من حيث المفاهيم البيئية، والتي يمكن تلخيصها في “ثلاثة قواسم مشتركة”. أولاً، الجين الحضاري المشترك. هناك تآزر عميق في التوجه القيمي بين “وحدة السماء والبشرية” التقليدية الصينية والمفهوم البيئي العربي “قانون التوازن”. كلاهما يدعو إلى العلاقة العضوية بين الإنسان والطبيعة، وينكر منطق الاستغلال الأنثروبولوجي، ويؤكد على الأخلاقيات البيئية والعدالة بين الأجيال.
ثانيًا، الطموحات التنموية المشتركة. في سياق التحول في هيكل الطاقة العالمي، اتخذت كل من الصين والدول العربية التنمية الخضراء كأولوية إستراتيجية. تروج الصين لهدف “الكربون المزدوج”، بينما تسرع الدول العربية في تنفيذ خطط الطاقة المتجددة، وتصبح التحولات الخضراء نقطة نمو جديدة للتعاون بين الجانبين.
ثالثًا، الشعور بالمسؤولية المشتركة. على مستوى الحوكمة المناخية العالمية تفي الصين والدول العربية بالتزاماتهما الدولية بموجب “اتفاق باريس”. تعهدت الصين بخفض كثافة انبعاثات الكربون لكل وحدة من الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 65 في المئة بحلول عام 2030 مقارنة بعام 2005، وقدمت الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية بشكل جماعي مساهمات وطنية محددة، ما يظهر إحساس العالم النامي بالمسؤولية واستعداده لاتخاذ إجراءات بشأن القضايا المناخية العالمية. إن القواسم المشتركة المذكورة أعلاه لا توفر قاعدة قيمة للتعاون العملي بين الصين والدول العربية في مجال البيئة فحسب، بل تعكس أيضًا تقارب وتعايش المفاهيم البيئية من منظور عابر للحضارات، ما يضخ زخمًا ثقافيًا جديدًا في تعزيز الحوكمة البيئية العالمية.
يجب ترجمة توافق الأفكار إلى آليات عملية. إن التعاون بين الصين والدول العربية في مجالات الطاقة النظيفة وإزالة الكربون من مصادر الطاقة التقليدية والحوكمة البيئية لا يعزز فقط الاستجابة المشتركة للطرفين لقضية تغير المناخ العالمي، بل يعمق أيضًا بناء المجتمع الصيني العربي من أجل المستقبل المشترك.
يجسد هذا التعاون “الهيكل الثلاثي”، التفاعل بين مخرجات التكنولوجيا الصينية والاستجابة المؤسسية للدول العربية ونتائج التعاون بينهما، ويظهر الالتزام والمسؤولية المشتركة للطرفين في التحول العالمي للطاقة والتنمية البيئية المستدامة.
لقد وضعت المكانة الرائدة للصين في تكنولوجيا الطاقة النظيفة أساسًا قويًا لتعاونها مع الدول العربية في مجال الطاقة منخفضة الكربون. وبحلول عام 2023 مثلت الطاقة الإنتاجية للوحدات الكهروضوئية في الصين أكثر من 80 في المئة من الإجمالي العالمي، وظهرت شركات تنافسية عالمية مثل لونغي جرين إنيرجي وجينكو سولار، ليس فقط لتلبية احتياجات التحول المحلي إلى هدف “الكربون المزدوج”، ولكن أيضًا لتصدير حلول الطاقة الكهروضوئية عالية الكفاءة إلى الدول الأجنبية. على سبيل المثال أصبحت محطة الطاقة الكهروضوئية بقدرة 2.2 جيغاوات في الظفرة، التي تم إنشاؤها بواسطة مجموعة الطاقة الوطنية الصينية بالتعاون مع مصدر من الإمارات العربية المتحدة، أكبر مشروع للطاقة الكهروضوئية بقدرة وحدة واحدة في العالم، ما يوضح قدرة الصين واستعدادها لتعزيز التحول الأخضر في الخارج.
وقد استجابت الدول العربية بشكل إيجابي لذلك، حيث أقرّت المملكة العربية السعودية قانون الطاقة المتجددة لتشجيع المستثمرين الأجانب على دخول السوق المحلية للطاقة الكهروضوئية، والتعاون بين شركة أكوا باور وشركة تشاينا إنرجي كونستركشن يعتبر مثالاً جيدًا. كما قامت الإمارات العربية المتحدة أيضًا بإدماج تكنولوجيا الشركات الصينية في مسار تنفيذ “إستراتيجية الإمارات للحياد المناخي 2050.”
واستنادًا إلى هذه الآلية التفاعلية عززت الصين والإمارات العربية المتحدة بناء تحالف صناعة الطاقة الكهروضوئية، ما شكل سلسلة نقل تكنولوجيا محلية من إنتاج الوحدات إلى تكامل الأنظمة، وهو ما سيمكن الدول العربية من تطوير قدرتها على تصنيع الطاقة الكهروضوئية من الصفر، مع القيم المزدوجة للتنمية الخضراء والاستقلالية الصناعية.
وفي ظل واقع أن مصادر الطاقة التقليدية لا تزال مهيمنة، قدمت الصين تقنية احتجاز الكربون واستخدامه وتخزينه (CCUS) في إطار التعاون الصيني – العربي في مجال الطاقة لتعزيز تخضير مصادر الطاقة الأحفورية. وقد اكتسبت شركة سينوبك خبرة قابلة للتكرار في مشاريع CCUS المنفذة في حقول النفط في شينجيانغ، وتعاونت بعد ذلك مع شركة أرامكو السعودية لبناء مشروع IGCC المتكامل للطاقة والكيماويات في جيزان، والذي سيوفر الدعم التكنولوجي للتحول منخفض الكربون في البلدان ذات الموارد النفطية في الشرق الأوسط. وقد استجاب الطرف العربي بشكل إيجابي، وأعطت شركة أرامكو السعودية الأولوية لشراء معدات تقليل الانبعاثات الصينية في إستراتيجيتها لـ”الاقتصاد الدائري للكربون”، مثل استخدام أبراج إزالة الكربون عالية الكفاءة المنتجة محليًا ووحدات احتجاز الكربون، وقد وجهت عملية التوافق والمواءمة لمعايير التقنية، من أجل تعزيز تطور حوكمة المناخ من الإجراءات الطوعية إلى المعايير المؤسسية. وهذا يبرز الدور القيادي المشترك للصين والدول العربية في التحول الأخضر لمصادر الطاقة التقليدية.
وتعتبر الحوكمة البيئية امتدادًا هامًا للتعاون الصيني – العربي في إطار مبادرة “الحزام والطريق”، حيث تعد الوقاية من التصحر ومكافحته من المجالات البارزة. وقد حقق نموذج “البيئة – الصناعة – التخفيف من حدة الفقر” الذي طبقته الصين في صحراء قوبوقي دورة حميدة من الحوكمة البيئية والتنمية الاقتصادية.
ومنذ عام 2019 قامت الصين بتمديد هذه التجربة إلى المناطق الجافة وسط وغرب آسيا وشمال أفريقيا من خلال آلية التعاون في الحزام والطريق لمكافحة التصحر، مع التركيز على دعم مشاريع إدارة الصحراء في الجزائر والمغرب وعمان ودول أخرى.
وقد أدخلت الجزائر أنواع الأشجار الصينية المتحملة للجفاف وتكنولوجيا إعادة الغطاء النباتي الذكية في البرنامج الوطني “السور الأخضر العظيم”، ونشرت أنظمة الري بالرش الذكي المطورة في الصين في المناطق الهامشية من الصحراء، محققة بذلك الانتقال من “تأمين الرمال” إلى “استخدام الرمال”.
وقد أدت هذه التفاعلات إلى إنشاء المختبر الصيني – العربي للبيئة القاحلة، الذي يتبنى أسلوب “المركز المزدوج” للتعاون بين أورومتشي والرياض، ويجري أبحاثًا متطورة حول الزراعة المتكيفة مع المناخ، ونمذجة تدفق الرياح والرمال، وتقييم بالوعات الكربون.
ولا يقتصر دور المختبر على تعزيز التآزر العلمي والتكنولوجي بين الجانبين فحسب، بل يوفر أيضًا نموذجًا للتعاون بين بلدان الجنوب في مجال الحوكمة البيئية العالمية في المناطق الجافة.
إن المنطق الهيكلي الثلاثي للتعاون البيئي الصيني – العربي (التكنولوجيا الصينية – الاستجابة العربية – النتائج المشتركة بينهما) لا يعكس فقط درجة عالية من التكامل بين الجانبين في مسار التنمية الخضراء، بل يظهر أيضًا مرحلة جديدة من المنفعة المتبادلة والفوز المشترك على مستوى المشاريع إلى بناء نظام مشترك وخلق المعايير المشتركة.
هذا النوع من التفاعل البيئي القائم على الفهم المتبادل للحضارات، والاحتياجات المشتركة للتنمية والمسؤولية المشتركة، هو هامش عملي لمفهوم “المجتمع الصيني – العربي للمستقبل المشترك”، الذي لا يركز فقط على آلية التعاون بين الدول، بل يستحضر أيضًا الإجماع الأخلاقي لمواجهة التحديات البيئية وحماية وطن الأرض عبر المناطق. وفي سياق الحوكمة المناخية متعددة الأطراف والتحول البيئي العالمي، توفر التجربة الصينية – العربية نموذجًا للتعاون بين دول الجنوب العالمي، وتضخ الحكمة المشتركة لـ”طريق الحرير بين الشمال والجنوب” من أجل بناء حضارة بيئية عالمية.
وفي ظل التحديات متزايدة الخطورة التي تواجه حوكمة المناخ العالمية، قدمت ممارسة “المجتمع الصيني – العربي للمستقبل المشترك” في مجال البيئة نموذجًا جديدًا للتعاون بين الجنوب والجنوب.
وحقق هذا النموذج القفزة من المفهوم إلى العمل من خلال تبادل التكنولوجيا وبناء المعايير، ما يبرز قدرة الدول النامية على استكشاف طريق التنمية المستدامة بمفردها. ولم يقتصر التعاون الصيني – العربي على معالجة التحديات البيئية وقضايا أمن الطاقة الخاصة بهما بشكل فعال فحسب، بل قدم أيضًا خبرة قيمة ونموذجًا يحتذى به في بلدان الجنوب.
واستشرافًا للمستقبل، فإن تعميق بناء “مجتمع المستقبل البيئي” لن يعزز فقط نظام حوكمة عالمية بشكل أكثر عدلًا ومنطقية للمناخ، بل سيوفر أيضًا المزيد من الحكمة من الشرق من أجل التنمية العالمية المستدامة. ويسهم هذا النموذج من التعاون في تقديم وجهات نظر ونقاط قوة جديدة للحوكمة البيئية العالمية، ومن المؤكد أنه سيلعب دورًا مهمًا في الاستجابة العالمية للمناخ.
باحثة في مركز الدراسات الشرق أوسطية، جامعة صن يات-سين