خاص شؤون آسيوية – إعداد ديما دعبول –
على الرغم من الأجواء الإيجابية التي ظهرت خلال الجولة الثالثة والأخيرة من المفاوضات الإيرانية الأمريكية والتي أظهرت للعالم أن الجانبين قد توصلا إلى مرحلة جدية من الاتفاق، بدا أن كل هذا لم يكن إلا الوجه المجمّل لهذه المفاوضات.
فبعد ثلاث جولات من المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة وتأجيل الجولة الرابعة، يمكننا القول أن العقبات بين الطرفين بدأت تظهر على العلن.
عقوبات أمريكية تشكك في جدية أمريكا
موجة جديدة من العقوبات ستفرضها الولايات المتحدة أعلن عنها ترامب يوم الجمعة في منشور له على شبكته “تروث سوشل” جاء فيه أن “جميع مشتريات النفط والبتروكيميائيات يجب أن تتوقف الآن”، وأنّ “أي دولة أو شخص يشتري أي كمية من النفط الإيراني أو المنتجات الكيميائية سيتعرّض فورا لعقوبات غير مباشرة”.
الرد الإيراني جاء سريعاً برفض موقف ترامب، وأعلنت وزارة الخارجية الإيرانية أنه “في الوقت الذي تؤكد فيه الجمهورية الإسلامية الإيرانية التزامها بالمسار الدبلوماسي واستعدادها لمواصلة المفاوضات، فإنها ترفض بشكل قاطع السياسات القائمة على التهديد والضغوط، التي تتعارض كليا مع مبادئ ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي”، وأضافت: “وخلال ثلاث جولات من التفاوض، ووفقاً للقانون الدولي بشأن الاستخدام السلمي للطاقة النووية وضرورة إنهاء العقوبات الجائرة، قدّم مفاوضو الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ضمن إطار واضح يستند إلى المبادئ الأساسية لإيران، مواقف ومطالب الشعب الإيراني الحقة، وبذلوا جهودا جادة للتوصل إلى تفاهم عادل، منطقي ومستدام”.
وتابع بيان الخارجية الإيرانية: “في هذا السياق، تدين إيران بشدة استمرار العقوبات غير القانونية والضغوط المُمَارسة على شركائها التجاريين والاقتصاديين، وتعتبرها دليلاً إضافياً على مشروعية شكوك الشعب الإيراني العميقة في جدية أمريكا بشأن اتباع المسار الدبلوماسي”.
إسرائيل اللاعب الخفي
تصريحات الرئيس الأمريكي ترامب الأخيرة بأنه لن يقع في فخّ نتنياهو لمحاربة إيران تكشف عن مدى الضغط الذي يتعرض له ترامب من قبل إسرائيل واللوبي في الولايات المتحدة والذي يهدف للدخول في حرب مفتوحة مع إيران.
نتنياهو صرّح الأسبوع الماضي أن “إسرائيل تسعى للسيطرة العسكرية على المنطقة”، وبهذا فإن إيران هي العائق أو العقبة الأبرز أمام أحلامه، في حين طالب سابقاً بتطبيق السيناريو الليبي على إيران، ما يقصد به نزع كل القدرات الدفاعية الإيرانية ليتم مهاجمتها من قبل إسرائيل وكذلك الولايات المتحدة.
كل ذلك لم يكن كافياً لدى إسرائيل، فسبق وأن هدد نتنياهو إيران بهجوم نووي قبل عامين على المفاوضات وذلك أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، في حين وصف نتنياهو ما ذكرته بأنه زلة لسان، إلا أن الجانب الإيراني لا يعتبره كذلك بالتأكيد.
الخطوط الحمراء للولايات المتحدة
مضى يومان على الموعد الذي كان مقرراً لعقد الجولة الرابعة، كشف فيهما ترامب عن الخطوط الحمراء بما يخص الملف النووي الإيراني، فظهر علناً ليكشف أنه يريد تفكيك برنامج إيران النووي بالكامل.
المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية تامي بروس أوضحت خلال مقابلة مع شبكة “فوكس نيوز” أن ترامب لا يريد لإيران امتلاك قنبلة أو سلاح نووي، إلا أنها لم تنف رغبة أمريكا في الاستماع إلى أفكار جديدة في التعامل مع طهران، ما يعني أن الولايات المتحدة تحاول أن تترك باباً مفتوحاً لتكمل مناورتها.
الدبلوماسية قد تكون الحل
بروس اعتبرت أن على إيران القبول بموقف ترامب وأن نهاية هذا الملف سيكون بتفكيك البرنامج النووي الإيراني، فعلى حدّ تعبيرها أن الجانبي الأمريكي قد نجح في إقناع الجانب الإيراني بالجلوس على طاولة المفوضات ولا بد أن تنجح الدبلوماسية في الوصول إلى حل بعيد عن المواجهة، خاصة أن ترامب لم يتخل عن خيار التعامل مع إيران أو مع غيرها.
شروط مسبقة للتفاوض
وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو كان قد أشار سابقاً إلى أنه على طهرن “أن تتخلى عن تخصيب اليورانيوم، وتطوير الصواريخ بعيدة المدى، وأن توقف دعمها للجماعات الإرهابية والميليشيات الإقليمية مثل الحوثيين في اليمن”، كما أضاف حينها أن “بلاده تصر على السماح بمشاركة أميركية في عمليات التفتيش على جميع المنشآت النووية، بما في ذلك المواقع العسكرية”، واضعاً بذلك شروطاً مسبقة وأهدافاً علنية للمفاوضات التي لم تكمل شهرها الأول.
في حين كرر وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، أكثر من مرة وخلال الأسابيع الماضية، على أن المحادثات لن تتطرق إلى برنامج الصواريخ بل ملف النووي حصراً ورفع العقوبات الأميركية.
إيران لن تتفاوض على برامجها الدفاعية
بات واضحاً أمام الجميع أن إيران ليست مستعدة لبحث برامجها الدفاعية أو حتى علاقاتها مع حلفائها في المنطقة، خاصة أن هذين الأمرين هما بمثابة الرادع الحازم أمام التهديدات الأمريكية أو الإسرائيلية سواء منفردة أو مجتمعة، خاصة مع وجود ما وصفه عراقجي بـ “السلوك الأمريكي المتناقض” مؤكداً على حق إيران في تخصيب اليورانيوم وذلك وفق معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية.
أما الناطق باسم الخارجية الإيرانية اسماعيل بقائي فكشف أن “التخصيب المحلي لليورانيوم في إيران والرفع الفعلي للعقوبات الأمريكية هما خطان أحمران لإيران في مفاوضاتها غير المباشرة مع الولايات المتحدة الأمريكية، وإن إنهاء العقوبات بشكل فعال، هو الكلمة المفتاحية للاتفاق، ويجب أن يتضمن الاتفاق مجموعة متنوعة من الالتزامات، وإن حرية الوصول إلى أصول الأمة الإيرانية هو أحد مطالبنا الجادة، لأن تجميد هذه الأصول كان ظالما وغير مبرر وغير قانوني تماماً، وبالتالي فإن هذه القضية ستكون أيضا جزءا من عملية التفاوض في مجال إنهاء العقوبات”.
ولم يعد خافياً على أحد أن إيران أصبح لديها تكنولوجيا مهمة لتصنيع السلاح النووي وخلال فترة قصيرة لا تتجاوز الأسبوعين، إلا أن طهران تسعى للوصول إلى مراحل أبعد من ذلك، خاصة مع اعتبار إيران أن هذه المرحلة ليست كافية لردع إسرائيل أو الولايات المتحدة من مهاجمة البلاد بأسلحة نووية أو أسلحة أخرى، خاصة مع علم الطرفين بالتطور التكنولوجي الذي وصلت إليه طهران.
لا ضمانات كافية
حسب وجه نظر إيران فإنه ما من ضمانات كافية تضمن لها وللمنطقة الحماية من أي هجوم إسرائيلي أو من مخططات للسيطرة على المنطقة، في حين تطالب طهران بأن تعمل الولايات المتحدة على إجبار إسرائيل بالتخلي عن أسلحتها النووية والانضمام إلى معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية وأن يتم تطبيق نفس معايير التفتيش التي يُطالب بها الجانب الإيراني.
في حين تسعى الولايات المتحدة الأمريكية للوصول إلى اتفاق سريع مع إيران دون أن تقدم تنازلات كبيرة، ويتم تأجيل القضايا الخلافية الكبيرة إلى وقت لاحق، وهذا ما لا يتوافق مع مطال إيران بالوصول إلى اتفاق يفضي إلى رفع العقوبات بشكل كامل ويضمن أمنها.
ومع التزام الطرفين بالصمت ومعهما الوسيط العماني حول الجهة التي طالبت بتأجيل الجولة الرابعة من المفاوضات إلا أنه يمكن القول أن الجانب الإيراني لا يثق بالجانب الأمريكي، خاصة وسط مخاوف من أن الأمريكي قد يتلاعب ولا يمكن التعويل عليه.