خاص شؤون آسيوية – ديما دعبول –
أكثر من سبعة عقود مضت على تقسيم شبه القارة الهندية، إلا أن كشمير ما زالت بؤرة صراع متجدد وخطير بين الهند وباكستان، فعادت اليوم إلى واجهة المشهد السياسي والعسكري بصورة أكثر خطورة من السابق، خاصة بعد تراشق مفتوح بين الطرفين، ما ينذر بحرب إقليمية قد تخرج عن السيطرة.
الجيش الباكستاني أعلن مؤخراً أنه أسقط حتى الآن 25 طائرة مسيّرة إسرائيلية الصنع أطلقتها الهند منذ مساء أمس الأربعاء، وأوضح الجيش في بيان أنه تمّ اعتراض هذه المسيّرات عبر وسائل تقنية وأيضاً عسكرية، وذلك بعدما أكد تحييد 12 مسيّرة هندية في مواقع عدّة مع استمرار العمليات عبر الحدود.
كشمير شرارة الحرب
تعود جذور المشكلة إلى حادث دموي وقع ضمن “خط السيطرة” الذي يفصل بين قسمي كشمير التابعين لكل من الهند وباكستان، حيث أسفرت الاشتباكات العنيفة إلى مقتل جنود من الطرفين، تبع هذه الأحداث الدموية قصفاً جوياً متبادل ما أودى بحياة عشرات الضحايا من المدنيين، كما تدمرت قرى كاملة حدودية من الجانبين.
وعلى الرغم من وجود تدخلات دولية بقصد التهدئة إلا أن التصعيد بدأ يأخذ منحى جديّ لا سيما مع إعلان الهند أنها تنفذ ما وصفته بأنه ضربات دقيقة على مواقع تتبع لمجموعات مسلحة مدعومة من باكستان، ما دفع إسلام أباد للرد بعمليات عسكرية مشابهة.
تصريحات رسمية
مع التصعيد المستمر من الجانبين خرج رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي بتصريحات نارية كان مفادها أن “الهند ستقطع المياه عن أراضي باكستان”، وقالت الحكومة الهندية في بيان رسمي أن “القوات المسلحة الهندية شنت هجوما على 9 مناطق في باكستان وجامو وكشمير”، فيما ردت باكستان بأن “جارتها الهند ضربت 3 مواقع عسكرية، مؤكدة أن هذا تصعيد خطير، وأن الرد يتم دراسته في الوقت الحالي”.
شهباز شريف رئيس الوزراء الباكستاني وعبر حسابه على منصة إكس رداً على هجوم الهند صرّح: “شنّ العدو الغادر هجوماً جباناً على خمسة مواقع داخل باكستان، لن يمرّ هذا العمل العدواني الشنيع دون عقاب”، ورداً على التصعيد من قبل الهند، أضاف شريف “تحتفظ باكستان بحقها المطلق في الردّ الحاسم على هذا الهجوم الهندي غير المبرر – وقد بدأ الردّ الحازم بالفعل”.
واختتم قائلاً “شعب باكستان وقواتها على أهبة الاستعداد لمواجهة أيّ تهديد وهزيمته بقوتنا وعزيمتنا، لن يُسمح للعدو أبداً بتحقيق أهدافه الخبيثة”.
ومع تصاعد حدة التوتر في المنطقة قرر رئيس الوزراء الهندي مودي تأجيل جولة أوروبية إلى كرواتيا وهولندا والنرويج، في حين عقد مجلس الأمن القومي الباكستاني جلسة فورية وطارئة لبحث الرد على التصعيد الهندي.
النووي بين البلدين
يقف العالم بأعصاب مشدودة حول الصراع بين الهند وجارتها باكستان، لا سيما أن الدولتان تمتلكان أسلحة نووية، ومع ازدياد التوتر والتصعيد وحدة التصريحات العسكرية يزداد قلق المجتمع الدولي من إمكانية الوقوع في مواجهة كارثية.
الهند من جهتها تبنّت فرضية الضربة الوقائية وألمحت إلى استعداد البلاد للدفاع عن نفسها بأي وسيلة، أما باكستان فأعلنت للملأ أن أي تهديد لسيادتها ستتم مقابلته بردّ شامل، ورافق هذا التصعيد تحشيد للقوات من الطرفين.
دوافع سياسية ودينية
دوافع سياسية داخلية وكذلك دينية في البلدين قد يكونان العامل غير المباشر في الصراع وارتفاع حدة التوترات، فالحكومة الهندية تواجه ضغوطاً داخلية بسبب البطالة وبطء عجلة الاقتصاد في البلاد، وربما تسعى إلى تصعيد لتوحيد الصفوف خلفها.
أما في باكستان فالحكومة تلجأ إلى قضية كشمير بهدف توحيد الداخل المنكوب اقتصادياً أيضاً، في حين أن الحجج الدينية حاضرة بقوة فالهند بأغلبيتها الهندوسية تتهم الجماعات الإسلامية بدعم الانفصاليين، في الوقت الذي تطرح فيه باكستان القضية بوصفها قضية كشمير.
المجتمع الدولي
على الرغم من وجود تحركات دبلوماسية من الأمم المتحدة وتركيا والولايات المتحدة وكذلك الصين، إلا أن الاستجابة للأحداث ما تزال باردة حتى اللحظة، دعوات إلى ضبط النفس دون تقديم أي مبادرة حقيقية للحل هو كل ما يتم تداوله من تصريحات دولية حتى الآن.
فمختلف الأطراف الدولية تخشى أن تتدخل بشكل علني فتفقد علاقتها مع الطرف الآخر، لا سيما الصين التي تعتبر من أقرب حلفاء باكستان، إلا أنها تقف لتراقب الوضع بحذر.
الصين حثّت كل من الهند وباكستان إلى ضبط معربة عن قلقها إزاء التوترات المتزايدة، وقال متحدث باسم وزارة الخارجية في بكين في بيان له: “تعرب الصين عن أسفها للعمل العسكري الهندي هذا الصباح وتشعر بالقلق بسبب التطورات الحالية”، وأضاف “ندعو كلاً من الهند وباكستان إلى إعطاء أولوية للسلام والاستقرار، والحفاظ على الهدوء وممارسة ضبط النفس، وتجنب الأفعال التي من شأنها أن تزيد من تعقيد الوضع”.
البيت الأبيض أعلن أنّ وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو تحدّث مع نظيريه الهندي والباكستاني ودعاهما لإجراء حوار بهدف “تهدئة الوضع” العسكري الذي اشتدّ بين بلديهما في أعقاب تبادل القصف.
أبريطانيا حذرت رعاياها من السفر إلى الهند وباكستان، في حين أعربت بلجيكا عن قلقها البالغ تجاه تصاعد حدة التوتر بين الهند وباكستان، داعية الجانبين إلى ضبط النفس وتفادي أي خطوات قد تؤدي إلى مزيد من التصعيد.
وكشفت الرئاسة التركية أن الرئيس رجب طيب أردوغان عبّر لرئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف عن دعم أنقرة لنهج إسلام آباد الهادئ والمعتدل.
الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش اعتبر أن “العالم لا يمكنه تحمل مواجهة عسكرية” بين الهند وباكستان، وقال المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك في بيان إن غوتيريش يبدي “قلقه البالغ” إزاء التصعيد الراهن و”يدعو كلا البلدين إلى ممارسة أقصى درجات ضبط النفس العسكري”.
اضطراب حركة الطيران
أعلنت عدة شركات طيران آسيوية أنها عمدت إلى تغيير مسار رحلاتها أو إلغائها من وإلى أوروبا بسبب الاشتباكات التي تدور بين الهند وباكستان، كما غيرت قرابة 20 رحلة طيران تجارية مسارها، لتتجنب المجال الجوي الباكستاني، أما بيانات موقع فلايت رادار24 فأظهرت أن شركات طيران ألغت ما يقارب 52 رحلة من وإلى باكستان الأمس الأربعاء.
حالة من التصعيد المستمر تشهدها الهند وباكستان، في حين تبدو الخيارات مفتوحة أمام مختلف الاحتمالات، إلا أنه من المؤكد أن كلا الشعبين لا يرغبان بالدخول بحرب مفتوحة تنهك الطرفين وتدمر بنيتهما التحتية.