خبير إيراني: وثائق إيران حول البرنامج النووي الإسرائيلي أداة استراتيجية متعددة الأبعاد

شؤون آسيوية – طهران – حوار: أمينة سليماني –

 

قال الدكتور سجاد عابدي، الخبير الإيراني البارز في قضايا الأمن القومي، إن الكشف عن حصول إيران على وثائق تتعلق بالأنشطة النووية للكيان الصهيوني، إذا ما ثبتت صحتها ودقتها واستنادها إلى مصادر موثوقة، لا يُعد فقط إنجازًا استخباراتيًا، بل يشكل أداة استراتيجية متعددة الأوجه يمكنها إعادة تشكيل ميزان المعركة في الحرب السردية، والدبلوماسية النووية، والحسابات الأمنية الدولية.

وأوضح عابدي أن “أهمية هذه الوثائق لا تكمن في مجرد امتلاكها، بل في كيفية الإفصاح عنها، وتوقيت الإعلان، والشكل الذي يتم تقديمها به”. وأضاف: “إن القيمة السياسية والجيوسياسية لأي وثيقة تعتمد بالدرجة الأولى على أسلوب كشفها، لا على محتواها فقط”.

وحتى الآن – يضيف عابدي – لم تنشر إيران التفاصيل الكاملة لهذه الوثائق، وهو ما يشكل فرصة وتهديدًا في آنٍ معًا. فمن جهة، فإن حالة الترقب الحالية وضعت الكيان الإسرائيلي ووسائل الإعلام العبرية وحتى بعض الأوساط الغربية في حالة من التوجس والانتظار. لكن من جهة أخرى، إذا طال أمد هذا الوضع دون صناعة موجة إعلامية فعالة، فقد تتراجع حساسية الرأي العام تدريجيًا، وتضيع الفرصة الذهبية.

ويؤكد عابدي أن ما يمكن أن يحوّل هذا الكشف إلى سلاح دبلوماسي فعال هو احتمال وجود مستندات تشير إلى أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية كانت على علم – بل وربما على تنسيق – مع أنشطة إسرائيل النووية، أو حتى تعاونت معها في مراحل معينة. “إذا ما وُجدت مثل هذه الوثائق، فلن يكون الكيان الإسرائيلي وحده في دائرة الاتهام، بل ستُطرح أيضًا أسئلة جدية حول شرعية الوكالة الدولية كجهة رقابية نزيهة”، بحسب تعبيره.

ويتابع الخبير الأمني قائلاً: “عندها، لن تقتصر القضية على فضح المشروع النووي الإسرائيلي، بل ستتعداها إلى فضح المعايير المزدوجة في التعامل الدولي مع الملفات النووية، مما قد يؤدي إلى زعزعة مصداقية النظام الرقابي العالمي”.

ويشير الدكتور عابدي إلى نقطة محورية قائلاً: “إذا نجحت إيران في إثبات أن الوكالة تغاضت عن النشاطات غير القانونية للكيان الصهيوني أو حتى زودته بمعلومات، فإن الضغوط الدولية الحالية على طهران ستفقد مشروعيتها، بل وتتحول إلى حالة من التناقض الصارخ. وهنا تتغير قواعد اللعبة؛ إذ تنتقل إيران من موقع الدفاع إلى موقع الهجوم وكشف الحقائق، بل وحتى المحاكمة السياسية والقانونية”.

وفي هذا السياق، يضيف: “ما كان في الأمس أداة ضغط على إيران – أي الوكالة الدولية – قد يتحول اليوم إلى عنصر فقدان المصداقية للنظام الدولي، خاصة إذا تم سرد الرواية بذكاء ومهنية، فقد يتسبب ذلك في تصدع الإجماع العالمي ضد طهران”.

ويوضح الدكتور عابدي قائلا: “في هذه المرحلة، قد يتساءل الرأي العام والنخب في العالم العربي والعالم الثالث وحتى أوروبا: لماذا لم تقدم الوكالة، التي تدّعي الحياد، أي تقرير أو إجراء ضد قوة نووية ليست عضوًا في معاهدة عدم الانتشار كإسرائيل؟ ولماذا تُعامل إيران، العضو الرسمي في المعاهدة، بكل هذا التشكك والضغط؟”.

ويتابع عابدي: “إذا كانت الوثائق التي حصلت عليها إيران قادرة على الإجابة عن هذا السؤال، فإن معركة الرواية ستنقلب رأسًا على عقب. وعندئذ، إذا تحركت طهران بخطوات مدروسة وذكية، وبدأت أولًا بضرب مصداقية إسرائيل فنيًا واستخباراتيًا، ثم سلطت الضوء على تورط الوكالة الدولية أو صمتها المتواطئ، وأخيرًا نقلت القضية إلى الرأي العام العالمي، فإن هذه العملية الاستخباراتية يمكن أن تتحول إلى مكسب استراتيجي طويل الأمد”.

ويحذر عابدي من أن “أي تردد أو تحفظ أو إفشاء غير منظّم وغير مدروس، لن يكون ذا أثر يُذكر، بل يمنح إسرائيل الفرصة لتوظيف الإعلام لصالحها. فالكشف إذا لم يدخل المسار القانوني، وإذا لم يصنع موجة إعلامية، وإذا لم يُقدَّم برسالة واضحة ومفهومة للرأي العام، فلن يتجاوز كونه حدثًا أمنيًا عابرًا”.

ويخلص إلى القول: “إذا تضمنت هذه الوثائق ما يُثبت وجود علاقات خفية بين الوكالة الدولية وإسرائيل، فإنها ستكون تهديدًا مزدوجًا، ليس فقط لإسرائيل، بل لأسس الرقابة في الأمم المتحدة. وستبدأ حينها لعبة جديدة؛ لعبة تتحول فيها إيران من كونها هدفًا للتفتيش، إلى ما يمكن تسميته بالمفتش الدولي. وهذا التحوّل في الدور يتطلب الشجاعة في بناء السرد، والشفافية في تقديم الوثائق، والبراعة في ساحة الدبلوماسية العامة”.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *