شؤون آسيوية – بقلم: عبير بسام –
في مؤتمره الصحفي بعد الهجوم “الإسرائيلي” على إيران يوم الجمعة/ 13 حزيران، وصف الرئيس الأميركي الهجوم بأنه “ممتاز”، وأن إيران بموجب هذا الهجوم ستعطي الولايات المتحدة تنازلات أكبر من التي قدمتها حول الإتفاق النووي. بداية نحن لا نعلم أن إيران قد أعطت تنازلات، ولكن ما بات الجميع متأكد منه أن ما تريده الولايات المتحدة من هذه المحادثات ضمان أمن “اسرائيل”، ووقف دعم المقاومات ضد الكيان المحتل، وبالتالي فإن الإعتداء “الإسرائيلي” الذي علمت به الولايات المتحدة قبل تنفيذه بخمسة أيام، بحسب ترامب، وبالتنسيق مع الولايات المتحدة بحسب موقع اكسيوس، وضع الأمور في سياق مختلف تماماً عما كانت تسير عليه.
وسط استنكار عربي وصمت أوروبي وترحيب أميركي جاءت الضربات الصهيونية، وجاء في الرد الإيراني المباشر وعلى لسان مرشد الثورة الإيرانية، المرجع الإمام علي الخامنئي، بأن الرد على الهجوم الصهيوني سيكون كبيراً ومزلزلاً. وما يفهم من الغضب الإيراني في الشارع، وبعد رفع راية الإنتقام الحمراء على قمة مسجد جمكران في مدينة قم جنوب العاصمة طهران، أن الرد سيكون مزلزلاً. وابتدأ الكلام حول بداية نهاية الكيان. هذا الكلام لا يعد إلا كلاماً إن لم يكن الرد الإيراني قوياً ورادعاً. وبعد الساعات الأولى من الهجوم “الإسرائيلي”، قال المتحدث باسم جيشه، أن ايران أطلقت 100 صاروخاً باتجاه “اسرائيل” مستهدفة قواعد حيوية، وحتى صباح اليوم التالي كانت قد أطلقت الموجة السادسة من الصواريخ البالستية الإيرانية. العديد من الدول العربية التي تتواجد فيها قواعد أميركية استنكرت الهجوم الصهيوني ومنها الأردن، التي أعلنت أنها لن تسمح باستخدام أجوائها ولكن تم استهداف المسيرات والصواريخ الإيرانية المارة عبرها من قبل منظومات الدفاع الأميركية، فقد قالها الرئيس الأميركي صراحة أن أميركا سوف تدافع عن “اسرائيل” في حال تعرضت للهجوم.
خلال المكالمة الهاتفية، التي تمت بين الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، ورئيس الحكومة الصهيوني، بنيامين نتنياهو، الإثنين الماضي، لم يناقش الرجلان الدعوة لقضاء عيد الغدير اليوم السبت في إيران، بل تم اختيار الجمعة لبدأ الهجوم فيما معظم العلماء والقادة العسكريين في إجازات يقضونها مع عائلاتهم في بيوتهم حيث اغتالتهم “اسرائيل”. وكان قبل المكالمة قد صرح مسؤول أميركي لموقع اكسيوس، أنه منذ هجوم تشرين الأول/اكتوبر أصبح انتاج إيران من الصواريخ الباستية يزيد عن 50 صاروخاً شهرياً وهو أكثر مما تمتلكه “اسرائيل من صواريخ اعتراضية، مما يوضح تماماً النية المبيتة في المكالمة.
أضف إلى ما سبق، كان جوهر المكالمة بين نتنياهو وترامب أن هناك حالة من الشك حول مدى تقدم المفاوضات النووية بين واشنطن وطهران. بعدها صرح ترامب: بأن الضربات قد تحدث فعلياً، مع أنها لا تبدو وشيكة. تهديد واضح فقد جاءت الضربات بعد المكالمة بوقت قصير وبمباركة أميركية. التصعيد لم يقف هنا، فقبل الضربة بيومين أعلن مجلس المحافظين في الوكالة الدولية على لسان مدير الوكالة، رفاييل غروسي، إدانة إيران بسبب عدم الإيفاء بإلتزاماتها، فأجابه المتحدث باسم الوكالة الإيرانية للطاقة الذرية، بهاروز كامالوندي، بأنه لا يجدر بالوكالة الدولية أن تتوقع أن تواصل إيران تعاونها الشامل والودود. رسائل واضحة: بان الغرب ليس راض ويطالب بالمزيد من التنازلات ووقف التخصيب عند حد معين، ظن ترامب أن إيرن ستذهب بعدها إلى محادثات الأحد مهيضة الجناح وتقديم تنازلات حول برنامجها النووي وبرنامجها الصاروخي في آن. جاء جواب إيران بأنها لن تتراجع أمام التهديدات مترافقاً مع إعلانها بالحصول على الوثائق السرية “الإسرائيلية” بتصريح رسمي لوزير الإستخبارات الإيرانية، اسماعيل خطيب، بأن المعلومات ستعزز القدرات الهجومية لإيران.
الحرب الكلامية لا يمكن أن تكون سبباً لشن الهجوم الصهيوني ولكن منذ العام 2016 واسرائيل تتوعد وتحاول جر الولايات المتحدة إلى حرب مع إيران. وبحسب مسؤول “اسرائيلي” وصفته وول ستريت جورنال بالبارز، بأن الضربة قد تشن الأحد، اذا لم توافق ايران على وقف انتاج المواد الإنشطارية التي يمكن استخدامها في صناعة القنبلة النووية، وتقديم الموعد أنهى المحادثات بشكل نهائي على لسان وزير الخارجية الإيراني.
ما فعلته “اسرائيل” يمكن تشبيهه بعملية بيرل هاربر، التي أشعلت الحرب ما بين أميركا واليابان خلال الحرب العالمية الثانية، والتي انتهت بإلقاء أميركا قنبلتين ذريتين على هيروشيما ونكازاكي، وتحولت بذلك أميركا إلى الحاكم بأمره في المحيط الهادئ، حديقتها الخلفية، واحتلت جزيرة هاواي وضمتها إليها. ولكن الأمر لا يتعلق بالكيان وحده، فاليوم أكد المستشار الأعلى للقوات الإيرانية، اللواء أحمد وحيدي، أن عملية “الوعد الصادق3″، “استهدفت مواقع استراتيجية وحيوية”، وأوضح أن الدفعات الستة لإطلاق المسيرات والصواريخ مكنت الإيرانيين من تنفيذ العمليات بدقة. وتم استهداف القواعد الجوية وبالتحديد طائرات الشحن والتزود بالوقود ومركز قيادة طائرات الـ إف، التي قامت بتنفيذ الهجومات على إيران وساندتها طائرات التزود بالوقود على قطع المسافة الطويلة. كما تم استهداف مركز جوي هام “تلغرااف” في قلب تل أبيب ووزارة الدفاع الصهيونية والمراكز الصناعية العسكرية. ويبدو أن إيران لن تذهب إلى تكرار الهجومات على نفس القواعد التي هاجمتها سابقاً ومنها قاعدة رامون الجوية في النقب والتي يتمركز فيها مركز استخباراتي أمريكي عسكري، ولكن هذا لن ينفي قدرتها على استهدافها مرة أخرى واستهداف مفاعل ديمونة لو أرادت، وهذا يعني اشتعال المنطقة.
الاستهدافات الإيرانية لتل أبيب طالت أماكن كشفت عنها القناة 12 “الإسرائيلية”، ومنها حي رامات غان قرب تل ابيب، حيث قالت صحيفة هآرتس أن تسعة مبان دمرت بشكل كامل هذا ومن المعروف أن هذه المنطقة، كما توصف، مركزاً لأكبر بورصات الألماس في العالم، وفيها العديد من الصناعات التكنولوجية العالية حتى أن المدينة توصف بأنها “وادي السيليكون الإسرائيلي”، وفيها ثاني أعلى برج في الأرض المحتلة، برج موشي أفيف، الذي يعد برج التجارة الصهيوني. كان اسم البرج الأساسي،”بوابة المدينة”، ومنه يفهم أهمية رامات غان. كما وصلت الصواريخ والمسيرات الإيرانية إلى شمال فلسطين، ونحن نعلم أهمية المراكز العسكرية، التي قصفها حزب الله خلال أشهر من الحرب ومنها قاعدة ميرون الجوية.
الأمر الخطير في هذه العملية أن اسرائيل تشن الهجومات، ليس فقط بمساعدة القواعد العسكرية الأميركية، التي هددت إيران باستهدافها كرد على الدعم المقدم منها “لإسرائيل”، وإنما عبر دولة جارة لها، ساعدت ببدء الهجوم عليها بحسب ما كشفه الباحث المصري في مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، د. أحمد كامل البحيري، عبر مكتب الموساد فيها. ويبدو أن ترامب كان يحاول التملص من لقاء الأحد، الذي كان سيكشف ضعف الموقف الأميركي، فأرسلت الرسالة عبر قرار نتنياهو، الذي منذ وصوله للسلطة وهو يأمل بقصف المفاعلات النووية الإيرانية ليثبت أن دولته صاحبة اليد الأعلى والأقوى في المنطقة بلا منازع، وهذا ما تريده الولايات المتحدة، ولذلك أعلن ترامب قبل المكالمة الهاتفية الأخيرة مع نتنياهو أن أميركا قد زودت “اسرائيل” بمجموعة صواريخ جديدة من أجل اعتراض الصواريخ البالستية والفرط صوتية القادمة من اليمن أو إيران.
لإيران حلفاء استراتيجيون هم الصين وروسيا بموجب معاهدات دفاع استراتيجي فيما بين الدول الثلاث، وإذا سقطت واحدة منهن فهذا يعني سقوط الثلاثة الباقين، وأمريكا تسعى وراءهم بكل ما أوتيت من قوة. وما يتضح حتى الساعة أن إيران لملمت خلال وقت صغير جداً وبأقل من 24 ساعة جروحها، وابتدأت عملية الوعد الصادق3، وهي استمرار لعمليتين قامت بهما منذ بدء هجوم حماس في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، ورداً على استهداف صهيوني لإيران. وخلال الساعات الماضية، استعادت ايران جزء من قدرة الدفاع الجوية، وأسقطت طائرتين “اسرائيليتين” وأسرت طياريهم، بحسب وكالة تنسيم الإيرانية. ويبدو أن عملية الوعد الصادق هذه المرة مفتوحة ولم يعلن بعد انتهائها. وكذلك لم تعلن “اسرائيل” نهاية عملية “الأسد الصاعد”. إنها الحرب وما شهدناه معركة، ولكن هل ستتدخل أميركا لإيقافها؟ لربما، فقط اذ شعرت بأنها ستعني زوال اسرائيل، وبذا سيصبح لزاماً عليها العودة للقيام بحروبها بالأصالة في منطقتنا العربية وفي الشرق الأوسط وغرب آسيا بالإجمال.