شؤون آسيوية – طهران / واشنطن – خاص –
في خطوة مفاجئة أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب تنفيذ عملية عسكرية واسعة استهدفت مواقع نووية حساسة في إيران، شملت منشآت فوردو، نطنز، وأصفهان.
وفي منشور عبر منصة “تروث سوشيال”، كشف ترامب أن الطائرات الأميركية أسقطت حمولة كاملة من القنابل على موقع “فوردو”، واصفاً ما حدث بأنه “لحظة تاريخية للولايات المتحدة وإسرائيل”.
وخلال مؤتمر صحفي عقد في البيت الأبيض، أكد ترامب أن الهجوم يهدف إلى تدمير قدرة إيران على تخصيب اليورانيوم، وهدد بمزيد من التصعيد إذا لم توافق طهران على “إنهاء الحرب”. وقال: “عملنا مع نتنياهو كفريق، وأي هجمات مستقبلية ستكون أكبر بكثير ما لم يصنعوا السلام”.
قنابل خارقة وصواريخ توماهوك
بحسب ما أوردته شبكة “فوكس نيوز”، استخدمت الولايات المتحدة في الهجوم ست قنابل خارقة للتحصينات من طراز مخصص، أُسقطت بواسطة طائرات شبح “B2“، استهدفت موقع “فوردو”. كما أطلقت غواصات أميركية 30 صاروخاً من طراز توماهوك على منشأتي نطنز وأصفهان النوويتين.
مصادر إسرائيلية، نقلتها القناة 14 العبرية، أفادت أن ترامب أبلغ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مسبقاً بموعد الضربة. وأكدت القناة أن “الكابينت” الأمني الإسرائيلي ظل في حالة انعقاد دائم حتى تنفيذ الضربة، متابعاً العملية من داخل قبو وزارة الأمن.
عدوان سافر وتواطؤ دولي
في أول تعليق رسمي، اعتبرت منظمة الطاقة الذرية الإيرانية أن الهجوم الأميركي “يُعدّ عدواناً وحشياً ينتهك القانون الدولي ومعاهدة حظر الانتشار النووي”. واتهمت المنظمة الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالتواطؤ، مشيرة إلى أن المواقع المستهدفة كانت تحت مراقبة الوكالة الدولية.
وأضاف البيان: “لن نسمح بتوقف الصناعة النووية الوطنية، التي هي ثمرة تضحيات شهدائنا النوويين”. وطالبت المنظمة المجتمع الدولي بإدانة ما سمته “قانون الغاب” الأميركي.
في المقابل، أعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أنها لم تسجّل أي زيادة في مستويات الإشعاع في المواقع المستهدفة، مما يشير إلى أن الأضرار لم تمس البنية الإشعاعية للمفاعلات.
لا تلوث إشعاعي واستعداد إيراني مسبق
أكدت السلطات الإيرانية أن المواقع النووية لم تشهد تلوثاً إشعاعياً، وأن الأضرار المادية كانت “طفيفة وقابلة للإصلاح”. وأوضحت أن الفحوصات التي أجرتها منظمة الطاقة الذرية بعد الضربات أظهرت سلامة البنية الأساسية للمنشآت.
ونقلت وكالة “إيرنا” عن سكان محليين قرب منشأة “فوردو” أنهم لم يشعروا بأي انفجارات ضخمة. كما أظهر فيديو نشرته وكالة “فارس” مشاهد من محيط المنشأة تُظهر الوضع طبيعياً.
الأكثر لافتاً، كان ما كشفه مسؤولون بأن إيران كانت قد أخلت ثلاثة مواقع نووية بشكل احترازي في وقت سابق، وهو ما يفسر محدودية الخسائر.
عراقتشي: مجلس الأمن يجب أن يتحرك
وزير الخارجية الإيراني عباس عراقتشي وصف الهجوم الأميركي بـ”انتهاك صارخ للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة”، محذراً من “عواقب وخيمة” قد تترتب على هذا “السلوك الإجرامي”. وشدد على أن طهران تحتفظ بجميع الخيارات للدفاع عن سيادتها.
وفي بيان منفصل، دعت وزارة الخارجية الإيرانية إلى اجتماع طارئ لمجلس الأمن الدولي، محذرة من أن “صمت المجتمع الدولي قد يشجع على تكرار هذه الانتهاكات”.
انقسام داخلي أميركي
الهجوم الأمريكي قوبل بانتقادات حادة داخل الولايات المتحدة، إذ اعتبر العديد من النواب الجمهوريين والديمقراطيين أن ترامب تجاوز صلاحياته بمهاجمة إيران دون تفويض من الكونغرس.
السيناتور بيرني ساندرز وصف الضربة بأنها “غير دستورية”، بينما حذر النائب الديمقراطي حكيم جيفريز من “توريط أميركا في حرب كارثية”. أما النائب الجمهوري توماس ماسي، فرأى في القرار “انتهاكاً فاضحاً للدستور”.
من جهتها، قالت النائبة مارغوري تايلور غرين: “القنابل لم تكن لتسقط على إسرائيل، لو لم يسقط نتنياهو قنابله على إيران”، في إشارة إلى التعاون العسكري بين الجانبين.
دعوات للسلام وتحذير من مستنقع جديد
في مقال مشترك نشرته صحيفة “واشنطن بوست”، عبّر الكاتبان ماثيو داس وسهراب أحمري عن خشيتهم من تحول الضربة إلى حرب طويلة الأمد، وأشارا إلى أن ترامب، الذي فاز عام 2016 بمعارضته للحروب، يكرر الآن أخطاء بوش في العراق.
وحذر الكاتبان من أن أي تصعيد قد يؤدي إلى إغلاق مضيق هرمز واستهداف القواعد الأميركية بالصواريخ الإيرانية، مما سيجرّ الولايات المتحدة إلى نزاع دموي ومعقد.
وأظهرت استطلاعات حديثة أن 60% من الأميركيين يعارضون التدخل في الصراع الإيراني الإسرائيلي، ويؤيدون الخيار الدبلوماسي بدلاً من الحرب.
أميركية لطهران: لا نهدف لتغيير النظام
وفي خضم التصعيد العسكري بين واشنطن وطهران، أفادت مصادر دبلوماسية أن الولايات المتحدة وجّهت رسالة مباشرة إلى إيران، تؤكد فيها أنها لا تسعى لتغيير النظام الحاكم في البلاد.
شبكة “سي بي إس” ذكرت أن واشنطن أبلغت طهران بأن الضربة العسكرية الأخيرة ضد أهداف إيرانية تمثل نهاية خططها الحالية، وأنها لا تنوي تنفيذ هجمات إضافية، في مسعى لتفادي التصعيد وتحاشي اندلاع مواجهة شاملة في المنطقة.
وفي السياق ذاته، نقلت صحيفة “وول ستريت جورنال” أن المبعوث الأميركي الخاص ستيف ويتكوف حصل على تفويض رسمي للتواصل مع الإيرانيين، في محاولة من الرئيس الأميركي دونالد ترامب لإبقاء نافذة ضيقة مفتوحة أمام الحلول الدبلوماسية وتخفيف التوتر الإقليمي.
غوتيريش: تصعيد خطير
من جانبه، عبّر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عن قلقه العميق، محذراً من أن المنطقة “تقف على حافة الهاوية”. ودعا في بيان إلى ضبط النفس والعودة إلى الدبلوماسية، قائلاً إن “لا حل عسكرياً لهذه الأزمة”.
غوتيريش شدد على أن استخدام القوة يجب أن يكون الملاذ الأخير، وبقرار من مجلس الأمن الدولي، داعياً إلى وقف فوري للتصعيد، واصفاً ما جرى بأنه “تصعيد خطير يُنذر بعواقب كارثية على المدنيين والمنطقة والعالم بأسره”.
فنزويلا وأميركا اللاتينية ترفض العدوان
وفي بيان رسمي، وصفت فنزويلا القصف الأميركي لمنشآت نووية من بينها فوردو ونطنز وأصفهان بأنه “عمل عدواني غير قانوني وخطير للغاية”، محذّرة من مخاطره على حياة المدنيين والتوازن البيئي، وواصفةً إياه بأنه تهديد مباشر للسلام الدولي.
الرئيس البوليفي لويس آرسي أدان “الهجوم التعسفي” بشدة، مشيرًا إلى أن التصعيد الأميركي لا يهدد السلام الإقليمي والعالمي فحسب، بل يشكل خرقًا واضحًا لميثاق الأمم المتحدة والمبادئ الأساسية للقانون الدولي.
وفي السياق ذاته، شددت تشيلي على أن المنشآت النووية المدنية تتمتع بحماية خاصة بموجب القانون الإنساني الدولي، لا سيما المادة 56 من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف، داعية إلى استئناف الحوار وتفعيل القنوات الدبلوماسية لتفادي مزيد من التصعيد.
من جهتها، دعت وزارة الخارجية المكسيكية إلى إطلاق حوار دبلوماسي عاجل بين الأطراف المعنية في الشرق الأوسط، مؤكدة أن التعايش السلمي في المنطقة يمثل أولوية قصوى، وجدّدت تمسكها بالحلول السلمية وفقًا لمبادئ سياستها الخارجية.
أما كولومبيا، فقد عبّرت عن قلقها العميق إزاء التصعيد، ودعت جميع الأطراف إلى العودة إلى طاولة التفاوض باعتبارها السبيل الوحيد لحل الأزمة، مؤكدة رفضها التام لاستخدام القوة بشكل أحادي واعتباره خرقًا لميثاق الأمم المتحدة وتهديدًا للاستقرار الدولي.
وفي تعليق لافت، وصف رئيس لجنة الدفاع في البرلمان الباكستاني الهجمات الأميركية على المنشآت النووية الإيرانية بأنها “جريمة حرب”، داعيًا المجتمع الدولي إلى اتخاذ موقف حازم إزاء ما وصفه بانتهاك جسيم للقوانين الدولية.
واشنطن خسرت مصداقيتها
الضابط الأميركي السابق سكوت ريتر، قال في مقابلة مع قناة “الميادين”، إن الضربات كانت “استعراضية ولم تحقق أي مكاسب استراتيجية”، مضيفاً أن ترامب “سعى فقط لحفظ ماء الوجه”.
ورأى ريتر أن الهجوم يعكس فقدان واشنطن لمصداقيتها، ويؤكد أنها أصبحت مصدر فوضى دولية. وخلص إلى أن نهاية هذا التصعيد ستُعدّ نصراً لطهران لا هزيمتها، خاصة بعد امتصاصها للضربة وتحكّمها بالرد.
إسرائيل تهاجم وإيران ترد
وفي سياق موازٍ، شنّت إسرائيل غارات جوية على مواقع عسكرية في مدينة تبريز شمال غرب إيران، استهدفت منصات صاروخية جاهزة للإطلاق وجنوداً في القوات المسلحة الإيرانية، وذلك بعد ساعات من ضربة أميركية استهدفت ثلاث منشآت نووية إيرانية في فوردو ونطنز وأصفهان.
بالمقابل، ردّت إيران بإطلاق نحو 30 صاروخاً على دفعتين باتجاه مناطق وسط وشمال فلسطين المحتلة، ما أسفر عن إصابات مباشرة في أكثر من 10 مواقع، أبرزها تل أبيب، حيفا، نس تسيونا، والرملة.
وأفادت مصادر إسرائيلية بوقوع 23 إصابة على الأقل، بينها حالتان حرجتان، إضافة إلى دمار واسع وحرائق في عدة مناطق.
وبحسب التلفزيون الإيراني، استهدفت الضربة مطار بن غوريون، مراكز أبحاث بيولوجية، وقواعد عسكرية إسرائيلية، ضمن عملية أُطلق عليها “الوعد الصادق 3”.
وشهدت بعض المناطق فشلاً في تفعيل صافرات الإنذار، فيما فرضت الجبهة الداخلية الإسرائيلية حالة طوارئ، علّقت بموجبها وسائل النقل العام، وأمرت السكان بالبقاء في الملاجئ.
إيران تدعو الوكالة الذرية لتحقيق عاجل
وجّه رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، محمد إسلامي، رسالة احتجاج إلى المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، طالب فيها بإجراء تحقيق عاجل بشأن الهجمات الأميركية الأخيرة على منشآت نووية إيرانية في نطنز وفوردو وأصفهان.
وأكد إسلامي أن هذه الاعتداءات تمثل “انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي”، داعيًا الوكالة إلى إنهاء “صمتها المتكرر” واتخاذ موقف واضح ضد ما وصفه بـ”العدوان غير القانوني”.
ودعت طهران المجتمع الدولي إلى اتخاذ مواقف عملية لحماية مبادئ معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية (NPT)، ومنع تكرار مثل هذه الهجمات.
من جانبه، أعلن المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية عن دعوته مجلس المحافظين لاجتماع طارئ يُعقد يوم الاثنين لمناقشة “الوضع الطارئ في إيران” في أعقاب الضربات الأميركية.
فيما تزداد المخاوف من تصعيد إقليمي في حال استمر التوتر دون احتواء، تُبقي إيران جميع الخيارات مفتوحة للرد على الهجوم الأميركي، مؤكدةً أنها ستستخدم الوسائل القانونية والدبلوماسية للدفاع عن سيادتها.