شؤون آسيوية – الدوحة –
تتواصل في العاصمة القطرية الدوحة الجولة الثانية من المفاوضات غير المباشرة بين وفدي حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وإسرائيل، بوساطة قطرية ومصرية، وسط أجواء توصف بـ”الإيجابية الحذرة” ورغبة دولية متزايدة في التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة بعد تسعة أشهر من الحرب المدمرة.
إطار تفاوضي أولي
المحادثات التي انطلقت مساء الأحد تستند إلى مقترح جديد صاغته الوساطة القطرية المصرية بالاستناد إلى مبادرة المبعوث الأميركي الخاص للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف. وأكد المتحدث باسم وزارة الخارجية القطرية، ماجد الأنصاري، أن الوفدين لا يتفاوضان بشكل مباشر، بل تجري مشاورات منفصلة مع كل طرف لتحديد “إطار تفاوضي” تمهيدًا لبدء التفاوض المفصل.
وقال الأنصاري في مؤتمر صحفي بالدوحة إن المحادثات تهدف إلى جسر الهوة بين الطرفين، مشددًا على أن التفاوض لا يزال في مراحله الأولية وأنه من المبكر الحكم على فرص النجاح. وأوضح أن قطر ومصر تعملان على مدار الساعة للوصول إلى وثيقة مشتركة تمهّد لبدء المحادثات الفعلية حول وقف النار وتبادل الأسرى.
نقاط خلاف وتعثرات
رغم التقدم في تقليص عدد القضايا الخلافية من أربع إلى واحدة فقط، بحسب المبعوث الأميركي ويتكوف، لا تزال الفجوات كبيرة، لا سيما فيما يتعلق بالترتيبات الميدانية داخل غزة، مثل الانسحاب من محور موراج وآليات توزيع المساعدات. وفي حين أبدت إسرائيل مرونة بشأن إشراك الأمم المتحدة في توزيع المساعدات، فإنها تصرّ على بقاء نقاط رقابة تابعة لمؤسسة “غزة الإنسانية”.
بالمقابل رفضت تل أبيب ملاحظات قدمتها حماس على المقترح، تشمل انسحاباً عسكرياً أوسع من القطاع، وضمانات لعدم استئناف القتال بعد فترة الهدنة المقترحة (60 يوماً).
بشروط المقاومة
من جانبها، شددت حركة حماس على أن أي صفقة لتبادل الأسرى لن تتم إلا وفق شروطها، نافية وجود أي مؤشرات على “استسلام” كما ألمح نتنياهو. وقال القيادي عزت الرشق إن تصريحات نتنياهو تعكس “هزيمة نفسية”، مؤكداً أن “غزة لن تستسلم، والمقاومة هي من ستفرض الشروط”.
وتقدر تل أبيب أن نحو 20 من أصل 50 أسيراً إسرائيلياً لا يزالون أحياء في غزة، في حين تحتجز إسرائيل أكثر من 10 آلاف فلسطيني، يعانون أوضاعاً مأساوية داخل السجون، بحسب منظمات حقوقية.
ضغوط وجهود دبلوماسية في واشنطن
بالتوازي مع مفاوضات الدوحة، شهدت واشنطن تحركات دبلوماسية لافتة، حيث أجرى وفد قطري محادثات مطولة مع مسؤولين رفيعي المستوى في البيت الأبيض حول جهود التهدئة، وذلك قبيل لقاء ثانٍ جمع الرئيس الأميركي دونالد ترامب برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في أقل من 24 ساعة.
وأفادت صحيفة “يديعوت أحرونوت” أن ترامب مارس ضغوطًا قوية على نتنياهو لإنهاء الحرب في غزة، قائلاً إن الوضع “مأساوي” ويجب تسويته فوراً.
ونقل موقع “أكسيوس” أن اللقاء استمر 90 دقيقة وركز حصرياً على ملف غزة، بمشاركة نائب الرئيس الأميركي جيه دي فانس.
وكان ترامب قد صرّح في وقت سابق أن إدارته مصممة على إنهاء النزاع بشكل نهائي، مجدداً رغبته في التوصل إلى حل سياسي يضمن وقف القتال.
تشدد بالموقف الإسرائيلي
رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أبدى تشدداً في مواقفه، معلنًا التمسك بأهداف الحرب المعلنة: “إطلاق سراح المختطفين، وتدمير القدرات العسكرية والإدارية لحماس، وضمان عدم تحول غزة إلى تهديد مستقبلي”.
ورغم الضغوط الدولية، فإن بعض شركاء نتنياهو في الحكومة يعارضون وقف القتال، ما يعقّد مناخ اتخاذ القرار السياسي داخل إسرائيل.
استمرار الوساطة القطرية المصرية
في سياق متصل، أكدت قطر ومصر خلال لقاء جمع رئيسي وزراء البلدين في الدوحة استمرار جهودهما المشتركة لدفع الأطراف نحو وقف إطلاق النار وتخفيف المعاناة الإنسانية في غزة.
وأكد الجانبان أهمية دعم المساعي الإقليمية والدولية لإنهاء الحرب، والإسراع في إدخال المساعدات الإنسانية.
أوضاع إنسانية كارثية
وتأتي هذه الجهود في ظل وضع إنساني كارثي خلفته الحرب المستمرة منذ 7 أكتوبر 2023، والتي أسفرت عن مقتل وإصابة أكثر من 194 ألف فلسطيني، معظمهم من الأطفال والنساء، وفقدان أكثر من 11 ألف شخص.
كما تسببت الحرب في تهجير مئات الآلاف وانتشار المجاعة في مناطق واسعة من القطاع، أودت بحياة العشرات من الأطفال.
وتشير بيانات الجيش الإسرائيلي إلى مقتل 883 جنديًا وإصابة 6060 آخرين، معظمهم خلال العمليات داخل غزة.
وبين تفاؤل الوسطاء وتحفظات أطراف النزاع، تبقى مفاوضات الدوحة فرصة نادرة لكنها محفوفة بالتعقيدات، إذ إن التقدم الجزئي في الملفات الخلافية لا يخفي واقع الميدان المتفجر، والقرار السياسي لا يزال رهينة حسابات داخلية في إسرائيل وتوازنات إقليمية دقيقة.
ومع استمرار التصعيد والتوتر، تزداد الحاجة إلى توافق دولي حاسم يفرض هدنة مستدامة ويضع حداً لمأساة إنسانية دخلت شهرها العاشر بلا أفق واضح.

