
شؤون آسيوية – اللاذقية –
تمكنت فرق الإطفاء والدفاع المدني السوري، بمساندة دولية وإقليمية واسعة، من وقف تمدد النيران على جميع المحاور المشتعلة في ريف اللاذقية الشمالي، وذلك بعد عشرة أيام متواصلة من العمل المكثف لمواجهة واحدة من أضخم موجات الحرائق التي تضرب الساحل السوري منذ عقود.
وفي تصريحات نشرها عبر منصة “إكس”، قال وزير الطوارئ وإدارة الكوارث في سوريا، رائد الصالح، فجر الأحد، إن فرق الإطفاء والدفاع المدني تمكنت من “وقف امتداد النار على كل المحاور”، واصفاً ذلك بأنه “الخطوة الأهم باتجاه السيطرة على الحرائق”. وأضاف: “المشهد يتغير، والدخان بدأ ينقشع… الفرق تتابع بشكل مكثف أعمال إخماد ما بقي من البؤر المشتعلة وتبريد ما تم إخماده”، لافتاً إلى أن الوضع الميداني الآن هو “الأفضل منذ عشرة أيام”، رغم استمرار المخاطر الناتجة عن الرياح المتقلبة والألغام المنتشرة في المناطق الحرجية.
معركة ميدانية صعبة
حرائق اللاذقية اندلعت بشكل متقطع في غابات جبل النسر والفرنلق وكسب وبرج زاهية، وتوسعت بسرعة بفعل الرياح النشطة ووعورة التضاريس وانتشار الألغام ومخلفات الحرب، ما شكّل تحديات ميدانية ضخمة أمام الفرق العاملة.
ووفق الدفاع المدني السوري، فإن الرياح ساهمت بشكل كبير في نقل الشرر لمسافات بعيدة تتجاوز خطوط النار، بينما تسببت الألغام المدفونة في الغابات بانفجارات متكررة أعاقت الحركة وهددت سلامة الكوادر.
وأوضح الدفاع المدني أن العمليات تركزت على ثلاثة محاور رئيسية هي:
برج زاهية: حيث تمت السيطرة على النيران عبر خطوط نارية محمية.
غابات الفرنلق: التي كانت مهددة بالاحتراق الكامل لولا التدخل العاجل.
نبع المر قرب كسب: وهو المحور الأصعب بسبب الكثافة الشجرية ووعورة الجغرافيا.
ألف هكتار محروقة ونزوح آلاف العائلات
وفق بيانات رسمية وأممية، أدت الحرائق إلى تدمير ما لا يقل عن 15 ألف هكتار من الغابات والأراضي الزراعية، فيما ذكر مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة (أوتشا) أن ما يقارب 1900 عائلة تضررت بشكل مباشر، مع نزوح عدد كبير من السكان نحو قرى مجاورة ومدينة اللاذقية، معظمهم وجدوا مأوى لدى أقارب أو عائلات مضيفة.
وأشار التقرير الأممي إلى أن الأرقام الدقيقة للنازحين لا تزال غير مؤكدة، محذراً من أثر بيئي كبير، إذ تمثل المساحات المحترقة أكثر من 3% من الغطاء الحراجي في سوريا.
إغلاق معبر كسب وتأهب حدودي
ومع اقتراب ألسنة اللهب من الحدود السورية التركية، أعلنت السلطات السورية إغلاق معبر كسب الحدودي مؤقتاً من الجانب التركي.
وقال مازن علوش، مدير العلاقات العامة في هيئة المنافذ، إن القرار جاء احترازياً بسبب تصاعد الحرائق واقترابها من المنطقة الحدودية، حرصاً على سلامة المسافرين والعاملين.
دعم عربي ودولي غير مسبوق
بالتوازي مع الجهود المحلية، تشهد الساحة تنسيقاً إقليمياً غير مسبوق في مواجهة الكارثة، فقد وصلت إلى سوريا فرق متخصصة من قطر والعراق، وانضمت إلى فرق برية وجوية من تركيا والأردن ولبنان.
وأرسلت قطر جسراً جوياً مؤلفاً من ست طائرات، تحمل على متنها حوامات خاصة بالإطفاء، سيارات إطفاء، طواقم إنقاذ، معدات لوجستية، وأطقم طبية، وذكر الدفاع المدني إن الفرق القطرية مزودة بتقنيات متطورة وطائرات إطفاء تُستخدم للمرة الأولى في سوريا.
وأكد الوزير رائد الصالح أن “دعم قطر يعكس الروح الأخوية والتضامن الإنساني”، مشيراً إلى أن الطواقم القطرية تشارك بفعالية في المحاور الوعرة شمال كسب.
كما أكدت غرفة عمليات الطوارئ في اللاذقية مشاركة 16 طائرة إطفاء في العمليات الجوية، موزعة بين سوريا وتركيا والأردن ولبنان، ضمن خطة تنسيق مشترك تضمن تحديد مواقع الحرائق عبر الأقمار الصناعية والطائرات المسيرة.
وفي الجانب البري، ينتشر أكثر من 150 فريق إطفاء مدعومين بـ 300 آلية إطفاء وعشرات الجرافات والآليات الهندسية الثقيلة التي استخدمت لفتح مسالك في الغابات وعزل القطاعات المحترقة.
وأشار الدفاع المدني إلى أن تلك التكتيكات بدأت تؤتي ثمارها مع تراجع كثافة الدخان وانخفاض ملحوظ في درجات الحرارة ضمن المناطق المشتعلة سابقاً.
التحديات مستمرة والحذر واجب
رغم الإنجازات المحققة، حذرت وزارة الطوارئ من التراخي، مشيرة إلى أن “الرياح المتغيرة قد تؤدي إلى اشتعال ثانوي في بعض المناطق”، داعية الأهالي إلى التعاون الكامل مع التعليمات والتحذيرات، وتجنب الاقتراب من مناطق الخطر.
وأكدت الوزارة أن عمليات المراقبة والتبريد ستستمر لأيام بعد السيطرة الكاملة، تحسباً لأي طارئ.
تضامن إقليمي أمام كارثة بيئية غير مسبوقة
أثبتت كارثة حرائق اللاذقية أن مواجهة الكوارث الطبيعية تتطلب تعاوناً إقليمياً شاملاً، فقد تضافرت جهود الدفاع المدني السوري مع دعم من دول عربية وإقليمية في ملحمة ميدانية لإنقاذ ما تبقى من الثروة الحرجية.
وفيما تتجه الأمور نحو السيطرة، تبقى الأنظار شاخصة إلى ما بعد الإخماد: كيف ستُعالج آثار الكارثة؟ وكيف يمكن إعادة تأهيل المناطق المتضررة؟
أسئلة تنتظر إجابات في الأيام المقبلة، لكن المؤكد حتى الآن هو أن التنسيق الإقليمي أنقذ الغابات السورية من كارثة أشدّ.
المصدر: وكالات