
شؤون آسيوية – شرم الشيخ – خاص –
اختتمت مدينة شرم الشيخ المصرية أعمال قمة السلام التي عُقدت يوم 13 أكتوبر 2025 بمشاركة واسعة من قادة العالم، في حدث وصفه مراقبون بأنه الأبرز في الدبلوماسية الإقليمية منذ اتفاقات أوسلو في تسعينيات القرن الماضي.
القمة توّجت بتوقيع وثيقة شاملة لإنهاء الحرب في قطاع غزة وتبادل الأسرى بين إسرائيل وحركة حماس، إلى جانب اتفاق على بدء مرحلة جديدة من التسوية السياسية للقضية الفلسطينية.
وأصدرت الرئاسة المصرية البيان الختامي الذي حمل عنوان “وثيقة إنهاء الحرب في غزة”، وجاء بلغة تؤكد التزام الأطراف المشاركة بخارطة طريق نحو سلام شامل وعادل في الشرق الأوسط، بعد أكثر من عامين من الحرب التي أنهكت القطاع وأثارت أزمة إنسانية غير مسبوقة.
القمة التي ترأسها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الأمريكي دونالد ترامب، وشارك فيها قادة أكثر من ثلاثين دولة ومنظمة دولية، مثّلت تتويجاً لمسار تفاوضي معقد رعته مصر والولايات المتحدة وقطر وتركيا على مدى أشهر.
ووفق البيان الختامي، فقد عبّر القادة عن دعمهم الكامل لاتفاق شرم الشيخ الموقع في التاسع من أكتوبر الجاري، الذي نصّ على وقف شامل لإطلاق النار، وتبادل جميع الأسرى والرهائن الأحياء، وبدء انسحاب تدريجي للقوات الإسرائيلية من القطاع تحت إشراف مراقبين دوليين.
كما تضمن الاتفاق ترتيبات أولية لإدخال المساعدات الإنسانية العاجلة، وإعادة تأهيل البنى التحتية المدمرة، تمهيداً لبدء مرحلة الإعمار وإطلاق مسار سياسي نحو حل الدولتين.
وأكد البيان على الدور المحوري لمصر في إدارة جهود الوساطة والعمل الإنساني منذ اندلاع الحرب، مشيراً إلى أن استضافة القمة في شرم الشيخ تعكس رغبة القاهرة في الحفاظ على موقعها كفاعل رئيسي في إدارة الأزمات الإقليمية. كما أشاد القادة المشاركون بما وصفوه بالقيادة “الفعالة” للرئيس الأمريكي دونالد ترامب في التوصل إلى خطة التسوية، وبالدعم الحاسم الذي قدمته كل من قطر وتركيا خلال مفاوضات الهدنة.
وجاء في نص البيان أن “القمة ركزت على أهمية التعاون بين أطراف المجتمع الدولي لضمان تنفيذ بنود الاتفاق، والحفاظ على استمراريته بما يضمن وقف الحرب بصورة شاملة، واستكمال عمليات تبادل الأسرى والرهائن، وتأمين دخول المساعدات الإنسانية والإغاثية إلى قطاع غزة”.
وشهدت القمة مراسم توقيع القادة الوسطاء على وثيقة دعم الاتفاق، التي حملت اسم “إعلان ترامب للسلام الدائم والازدهار”، وهو إعلان مشترك وقّعه كل من الرئيس الأمريكي، والرئيس المصري، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني.
وجاء في نصه أن الأطراف الموقعة تلتزم بدعم جهود تحقيق السلام الدائم، وتعزيز فرص التعايش والتسامح، ومكافحة التطرف بكافة أشكاله، والتعامل مع النزاعات عبر الدبلوماسية والحوار لا عبر القوة، كذلك شدد على احترام الحقوق الإنسانية والكرامة لكل الشعوب، وبناء مؤسسات مستقرة تضمن الأمن والازدهار للأجيال المقبلة.
الرئيس الأمريكي وصف الاتفاق بأنه “وثيقة شاملة تضم القواعد واللوائح كافة”، معتبراً يوم القمة “يوماً عظيماً في تاريخ الشرق الأوسط”.
من جهته، أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في كلمته أن اتفاق غزة يفتح الباب أمام “عهد جديد للسلام في الشرق الأوسط”، موضحاً أن حل الدولتين هو السبيل الوحيد لتحقيق سلام دائم، وأن بلاده ستواصل التعاون مع الولايات المتحدة والشركاء الإقليميين لوضع الأسس العملية لإعادة إعمار القطاع.
وأعرب السيسي عن أمله في أن تكون قمة شرم الشيخ بداية جديدة لاستعادة الثقة بين شعوب المنطقة، مؤكداً أن مصر التي “غرست نبتة السلام منذ نصف قرن” ستواصل الدفاع عن الحقوق الفلسطينية المشروعة وفي مقدمتها حق تقرير المصير وإقامة الدولة المستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967.
وفي أول رد فعل دولي عقب القمة، أعلنت الأمم المتحدة تخصيص 11 مليون دولار إضافية من الصندوق المركزي للاستجابة لحالات الطوارئ لدعم توسيع العمليات الإنسانية في قطاع غزة قبل حلول الشتاء، ليرتفع إجمالي التمويل المخصص إلى 20 مليون دولار خلال أسبوعين.
منسق الإغاثة في حالات الطوارئ، توم فليتشر، أوضح أن “التمويل الجديد سيساعد في سد الثغرات الحرجة في الاستجابة الإنسانية”، مشدداً على ضرورة استمرار تدفق المساعدات لتثبيت وقف إطلاق النار.
ووصف فليتشر لحظة إطلاق سراح الرهائن ونقل الأسرى بأنها “لحظة أمل هشة”، محذراً في الوقت ذاته من أن استمرار الدعم الدولي ضروري للحفاظ على الاستقرار الإنساني والسياسي في المرحلة المقبلة.
على الصعيد العربي، عبّر أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني عن سعادته بنتائج القمة، مشيراً إلى أنها “تمثل نقطة انطلاق نحو توافقات مستقبلية تصب في صالح الشعب الفلسطيني”، ومؤكداً أن بلاده ستواصل دعم جهود تحقيق “حل شامل وعادل ومستدام للقضية الفلسطينية”.
وأشاد أمير قطر بالالتزام الذي أبداه جميع الأطراف بتنفيذ تفاهمات الاتفاق، معتبراً ذلك ضمانة أساسية لنجاح العملية السياسية الجديدة في غزة.
وفي السياق ذاته، رحّب وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو – وفق تصريحات نقلتها وسائل إعلام تركية – بما وصفه بـ“تحول نوعي في مسار التسوية”، مشدداً على أن تركيا ستظل شريكاً فاعلاً في إعادة الإعمار وضمان الأمن الإنساني في القطاع.
أما في جنوب آسيا، فقد أعربت وزارة الخارجية الهندية عن تقديرها لدور مصر وقطر “القيم” في التوصل إلى اتفاق شرم الشيخ، مؤكدة دعمها الكامل لخطة السلام الجديدة في غزة. وأشار البيان الهندي إلى أن نيودلهي “ستدعم جميع الجهود الرامية إلى تحقيق سلام دائم في المنطقة”.
في حين وصف وزير الخارجية الهندي القمة بأنها “حدث دبلوماسي استثنائي جمع بين الواقعية السياسية والإرادة الإنسانية”، وأكد أن الهند، التي تربطها علاقات وثيقة بكل من إسرائيل وفلسطين، ترى في الاتفاق فرصة لإعادة بناء الثقة وتخفيف التوترات التاريخية.
بالمقابل، حملت بعض ردود الفعل الأوروبية نبرة نقدية أو متحفظة، إذ وصفت صحيفة “دي فيلت” الألمانية القمة بأنها “مشهد أدارته واشنطن والقاهرة وأنقرة والدوحة، بينما وقف الأوروبيون في الخلف كمراقبين”.
الصحيفة رأت أن المستشار الألماني فريدريش ميرتس والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر لعبوا دوراً ثانوياً في المداولات، مشيرة إلى أن الأوروبيين اكتفوا بالمشاركة الشكلية دون توقيعهم على الوثيقة النهائية، وذكرت أن “بعض القادة الأوروبيين حضروا كمجرد شهود على اتفاق تمت هندسته بالكامل خارج القارة”.
ورغم ذلك، رحبت حكومات أوروبية عدة، بينها ألمانيا وإسبانيا وإيطاليا، بنتائج القمة باعتبارها “خطوة إيجابية نحو تهدئة دائمة”.
أما في إسرائيل، فقد تناولت صحيفة “يسرائيل هيوم” القمة بوصفها “أحد أبرز المحافل الدبلوماسية في الشرق الأوسط خلال العام الجاري”، لكنها لفتت الأنظار إلى غياب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو عن الاجتماع، وهو ما أثار تساؤلات واسعة في الأوساط السياسية الإسرائيلية.
وذكرت الصحيفة أن قرار نتنياهو عدم المشاركة “سلط الضوء على التوترات القائمة بين إسرائيل وعدد من الدول المشاركة في القمة”، معتبرة أن هذا الغياب كشف عن عزلة دبلوماسية متزايدة لتل أبيب، خاصة بعد المصافحة التي جمعت الرئيس الفلسطيني محمود عباس بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب دون اعتراض من أي من الحاضرين.
وسائل إعلام إسرائيلية أخرى وصفت القمة بأنها “منعطف خطير في تراجع نفوذ إسرائيل في المعادلة الإقليمية الجديدة”.
من جهة أخرى، اعتبر وزير خارجية النرويج إسبن بارث إيدي أن تبادل الأسرى بين الفلسطينيين والإسرائيليين “يشكل بادرة طيبة نحو نجاح الجهود المبذولة لتحقيق السلام”، مؤكداً دعم بلاده لتشكيل حكومة فلسطينية وطنية موحدة تضم شخصيات مستقلة لإدارة مرحلة انتقالية في غزة.
وقال الوزير النرويجي إن بلاده “تدعم إقامة دولة فلسطينية موحدة تحت حكومة واحدة تمثل جميع الفلسطينيين”، مشيراً إلى ضرورة تمكين السلطة الفلسطينية وضمان حصولها على مكانة مركزية في خطة السلام الجديدة، داعياً إلى أن تكون الحكومة المقبلة “حكومة تكنوقراط مؤقتة” بإشراف دولي لتفادي الانقسامات السياسية.
وفي ختام القمة، وقّع الرئيس السيسي والرئيس ترامب إلى جانب أمير قطر والرئيس التركي وثيقة إنهاء الحرب في غزة، التي تهدف إلى تعزيز الاستقرار وفتح صفحة جديدة من الأمن في الشرق الأوسط.
وفي كلمة له، أكد ترامب أن ما تحقق في شرم الشيخ “هو السلام الذي قال الجميع إنه مستحيل”، لافتاً إلى أن “الحرب انتهت والمساعدات بدأت في التدفق”.
وفي تصريحات لاحقة على متن الطائرة الرئاسية، قال ترامب إن “ما أُنجز كان عظيماً وفي التوقيت المناسب”، معتبراً أن إعادة إعمار غزة ستكون “الجزء الأسهل من العملية”، وأن المجتمع الدولي أبدى استعداداً واسعاً للمساهمة في هذه الجهود، وأضاف: “لدينا الآن فرصة عظيمة لبناء مستقبل أفضل لغزة، وسكانها سيبقون في أماكنهم وسيشاركون في الإعمار”.
التحليلات الأمريكية التي رافقت القمة رأت فيها إنجازاً شخصياً للرئيس ترامب يعيد إحياء صورته الدولية بعد فترة من الانكفاء السياسي، حيث ذكرت شبكة “سي إن إن” أن نص وثيقة الاتفاق تضمّن التزامات واضحة بـ“التسامح والكرامة والفرص المتساوية لكل شخص”، وبناء منطقة “يمكن للجميع فيها متابعة تطلعاتهم في سلام وازدهار اقتصادي”.
ووصفت الشبكة الاتفاق بأنه “الأشمل منذ اتفاقات أوسلو”، مشيرة إلى أنه يجمع بين مسارات أمنية وسياسية وإنسانية في وثيقة واحدة، لافتة إلى أن توقيع أربع دول رئيسية – الولايات المتحدة ومصر وقطر وتركيا – يعطي الاتفاق ثقلاً استثنائيًا يميّزه عن مبادرات سابقة.
وفي لندن، أشاد رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر بدور الولايات المتحدة في التوصل إلى وقف إطلاق النار، حيث اعتبر أن “نزع سلاح حركة حماس سيكون عنصرًا حاسماً لضمان مستقبل السلام”.
وأكد ستارمر أن بريطانيا “ستضع خبرتها في تثبيت وقف إطلاق النار في غزة لخدمة المرحلة المقبلة”، مشيراً إلى أن بلاده تدعم أي جهد لإقامة ترتيبات أمنية طويلة الأمد تضمن أمن إسرائيل وحقوق الفلسطينيين في آن واحد.
وفي الاتجاه نفسه، أصدرت الخارجية الفرنسية بيانًا رحبت فيه بالاتفاق، لكنها شددت على أن “نجاحه مرهون ببدء مفاوضات سياسية حقيقية حول إقامة الدولة الفلسطينية”.
أما في الجانب الفلسطيني، فقد اعتبر الدكتور مصطفى البرغوثي، الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية، أن القمة أنهت “مؤامرة التطهير العرقي” وفشلت إسرائيل في فرض تهجير جديد على سكان القطاع.
غير أنه أشار، في الوقت ذاته، إلى أن الاتفاق “لم يقرّ بشكل صريح بحق تقرير المصير”، مشددًا على أن النضال الفلسطيني لم ينته بعد بل “بدأ فصل جديد منه عنوانه بناء الدولة المستقلة”، وبحسب البرغوثي فإن غياب نتنياهو عن القمة بأنه “ضربة سياسية قاصمة”، معتبراً أن الشرعية الدولية بدأت تتجه نحو الاعتراف الكامل بالحقوق الفلسطينية.
المراقبون السياسيون رأوا في قمة شرم الشيخ نقطة تحول قد تعيد رسم التوازنات الإقليمية، فبينما سعت واشنطن لاستعادة زمام المبادرة في المنطقة عبر التحالف مع مصر وقطر وتركيا، أظهرت القمة ميلاً واضحاً نحو تعزيز الدور العربي والإقليمي في معالجة النزاعات بعيدًا عن التدخلات العسكرية.
القمة أبرزت تغيّر موقع بعض القوى التقليدية، حيث تراجع الحضور الأوروبي بينما برزت دول آسيوية مثل الهند وباكستان في دعم العملية السياسية، وفي هذا يرى محللون أن هذا التحول يعكس ملامح نظام إقليمي جديد يقوم على الشراكات متعددة الأطراف بدل الهيمنة الأحادية.