شؤون آسيوية – ديما دعبول –
يعيش الملف النووي الإيراني واحدة من أكثر مراحله توتراً منذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي عام 2018، ومع تصاعد التوترات بين طهران والعواصم الغربية، برزت جولة جديدة من المفاوضات خلال عام 2025 انتهت إلى طريق مسدود، بعد أن رفضت إيران ما وصفته بـ”المطالب غير المعقولة” من واشنطن والدول الأوروبية.
حتى اليوم لا توجد أي مؤشرات على قرب استئناف المحادثات، بينما تواصل إيران تعزيز قدراتها النووية والصاروخية، وتوسيع تعاونها مع روسيا ودول آسيوية أخرى، وسط عودة العقوبات الأممية الكاملة على اقتصادها.
فشل المفاوضات بسبب “المدى الصاروخي”
أعلن أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علي لاريجاني، في تصريحات رسمية يوم أمس 24 أكتوبر، أن السبب الرئيس وراء فشل المفاوضات النووية بين طهران والدول الغربية هو إصرار الغرب على ربط الملف النووي بالبرنامج الصاروخي الإيراني.
وأوضح لاريجاني أن القوى الغربية طالبت بخفض مدى الصواريخ الإيرانية إلى أقل من 500 كيلومتر، وهو ما وصفه بأنه محاولة لنزع أهم سلاح دفاعي للشعب الإيراني”.
وأكد أن إيران “لن تقبل بأي شروط تمسّ أمنها القومي أو تقلص من قدراتها الدفاعية”، مشيراً إلى أن “آلية الزناد” التي سعت إليها أوروبا والولايات المتحدة كانت تهدف إلى فرض تنازلات قسرية على طهران.
في المقابل، نقلت وسائل إعلام غربية أن المفاوضين الأوروبيين اعتبروا البرنامج الصاروخي “جزءاً لا يتجزأ من التهديد النووي الإيراني”، ما جعل مطلب تقييده شرطاً لاستئناف أي اتفاق جديد.
هذا الخلاف حول الصواريخ مثّل النقطة التي أوقفت المفاوضات تماماً بعد خمس جولات من الاجتماعات غير المباشرة بين طهران وواشنطن خلال الأشهر الماضية.
تعليق المحادثات مع الولايات المتحدة
وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي كان قد صرّح منذ أيام بأن بلاده علّقت جميع المحادثات مع الولايات المتحدة، سواء تلك التي كانت تُجرى عبر وسطاء في نيويورك أو من خلال القنوات الأوروبية.
وقال عراقجي لوكالة “تسنيم” الإيرانية إن “واشنطن قدمت مطالب مبالغاً فيها وغير منطقية”، وإن “الولايات المتحدة ليست جاهزة بعد لاتفاق عادل ومتوازن”.
وأضاف أن الاتصالات غير المباشرة مستمرة عبر وسطاء من سلطنة عمان وقطر، لكن “من دون أي تقدم فعلي”.
وأكد أن إيران “ما زالت تلتزم بالدبلوماسية والحلول السلمية” لكنها “لن تتراجع عن خطوطها الحمراء”.
وفي واشنطن، صرح المتحدث باسم البيت الأبيض أن الولايات المتحدة “تنتظر من إيران التزامات ملموسة بالشفافية النووية”، مشيراً إلى أن “العقوبات ستستمر إلى أن تظهر طهران استعداداً حقيقياً للتعاون”.
إلغاء اتفاق التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية
في منتصف الأسبوع الماضي أعلنت إيران رسمياً إلغاء اتفاق التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية الذي كان قد وُقّع في سبتمبر.
وصرّح المتحدث باسم هيئة الطاقة الذرية الإيرانية أن “الاتفاق أصبح لاغياً بسبب انحياز الوكالة للضغوط الغربية”، لكنه أشار إلى أن إيران “ستدرس مقترحات جديدة إذا ضمنت احترام سيادتها الوطنية”.
وأكد تقرير لوكالة “رويترز” أن هذه الخطوة “تُعد ضربة قوية للشفافية الدولية بشأن الأنشطة النووية الإيرانية”، بعد أن كانت الوكالة قد حصلت على صلاحيات وصول محدودة إلى منشآت نطنز وأراك.
في المقابل، قال المدير العام للوكالة، رافاييل غروسي، إن “القرار الإيراني يجعل من الصعب جداً تقييم طبيعة البرنامج النووي الحالي”، داعياً طهران إلى إعادة التعاون “قبل فوات الأوان”.
عودة العقوبات وتصاعد الأزمة الاقتصادية
في 28 أيلول سبتمبر فُعّلت مجدداً العقوبات الأممية الكاملة على إيران بعد تصويت في مجلس الأمن لم تستطع روسيا أو الصين تعطيله، وبحسب تقارير اقتصادية صادرة خلال الشهر الحالي، فقد ارتفعت معدلات التضخم في إيران إلى أكثر من 50%، وانخفضت قيمة الريال بنسبة 18% خلال شهر واحد.
وحذرت تقارير اقتصادية من احتمال دخول البلاد “مرحلة ركود حاد” إذا استمرت العقوبات في منع صادرات النفط وتقييد التعاملات البنكية.
وأقرت الحكومة الإيرانية بصعوبة الأوضاع، لكن المتحدثة باسمها فاطمة مهاجراني قالت إن “الشعب الإيراني اعتاد الصمود أمام العقوبات”، وإن الحكومة “تعمل على تعزيز التعاون الاقتصادي مع الدول الصديقة”.
التعاون مع روسيا ومشروعات الطاقة والغاز
في سياق موازٍ، أعلن نائب وزير النفط الإيراني سعيد توكلي أن مفاوضات الغاز مع روسيا وصلت إلى مراحلها النهائية، وأن البلدين اتفقا على آلية جديدة للتسعير والدفع.
وأشار توكلي إلى أن “احتياطيات الغاز لمحطات الطاقة وصلت إلى مستوى غير مسبوق”، وأن إيران “تستعد لفصل الشتاء دون عجز في الإمدادات”.
كما أكد أن بلاده تعمل على توقيع عقود طويلة الأمد مع تركيا والعراق لتصدير الغاز، بينما تضع أولوية قصوى لتأمين الاستهلاك المحلي.
في حين أعلن الكرملين أن روسيا ستعزز تعاونها مع إيران في جميع المجالات، بما في ذلك بناء أربع محطات للطاقة النووية، في إطار مشروع استثماري تبلغ قيمته نحو 25 مليار دولار.
هذا التعاون يعكس سعي طهران لتقوية تحالفاتها خارج الإطار الغربي، بعد انهيار مسار التفاوض مع الولايات المتحدة وأوروبا.
الوضع الدبلوماسي والاتصالات غير المباشرة
رغم توقف المفاوضات الرسمية، تواصل إيران اتصالات غير مباشرة مع بعض العواصم الغربية عبر وسطاء، من بينهم سلطنة عمان، قطر، والاتحاد الأوروبي.
من جهتها، أكدت المتحدثة باسم الحكومة الإيرانية أن “طهران لم تغلق باب الدبلوماسية”، لكنها “لن تفاوض تحت ضغط العقوبات أو التهديدات”.
الخاتمة
حتى اليوم يمكن تلخيص الموقف الرسمي في أن المفاوضات النووية بين إيران والغرب متوقفة تماماً، وأن الخلاف حول البرنامج الصاروخي وآلية العقوبات هو ما يمنع أي اختراق سياسي.
إيران تعتبر الصواريخ جزءاً من منظومتها الدفاعية وترفض إدراجها في أي اتفاق، بينما الغرب يراها تهديداً إقليمياً لا يمكن تجاهله.
بالموازاة، تواصل طهران بناء تحالفاتها الاقتصادية مع روسيا ودول آسيوية لتخفيف آثار العقوبات، في حين يزداد الضغط الداخلي نتيجة التراجع الاقتصادي وغياب أفق واضح للحل الدبلوماسي.
