شؤون آسيوية – خاص –
في نوفمبر 2025 تصاعدت حوادث التوتر الاجتماعي في جبلة بريف اللاذقية ومنطقة السيدة زينب بريف دمشق، بعد سلسلة من الأحداث التي رصدها المرصد السوري لحقوق الإنسان وعدة وسائل إعلام عربية ودولية، بينها Jusoor Post، وHawar News.
هذه الحوادث لم تكن معزولة، بل جاءت ضمن سياق أوسع من التحريض الخطابي وانتشار الرسائل الاستفزازية في الفضاء العام وعلى وسائل التواصل الاجتماعي.
خلفية تصاعد الاحتقان في جبلة
منذ مطلع أكتوبر 2025، بدأت ملامح التوتر تظهر في مدينة جبلة بعد انتشار كتابات على الجدران في حي الفيض ومحيطه تضمنت عبارات مسيئة وتحريضية تمسّ مكونات اجتماعية محلية.
أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بأنّ العبارات حملت تهديدات صريحة وتلميحات بإعادة إحياء خطاب العنف القديم الذي ارتبط بمجازر سابقة في الساحل السوري.
عقب ظهور هذه الكتابات أُبلغت السلطات المحلية وتمّت إزالتها خلال ساعات لكن انتشار الصور عبر الإنترنت ساهم في تأجيج الخطاب التحريضي إلكترونياً، خاصة عبر مجموعات مغلقة على تطبيقات التواصل.
شهدت الأيام التالية حالة من الترقب والتوتر داخل المدينة ترافقت مع تبادل منشورات مجهولة المصدر تدعو إلى “الردّ” أو “تنظيف الأحياء من الغرباء”، ما دفع بعض الأهالي إلى منع أولادهم من ارتياد المدارس لبضعة أيام.
وفي 9 نوفمبر 2025 تطوّر التوتر إلى حادثة داخل مدرسة محمد سعيد يونس، حيث وقع شجار بين طلاب في المرحلة الثانوية، بدأ بعبارات استفزازية وانتهى بعراك بالأيدي وأدوات حادة.
ذكرت مصادر محلية نقلاً عن المرصد، أنّ بعض الطلاب رددوا عبارات تشير إلى أحداث قديمة ذات بعد اجتماعي الأمر الذي أجّج ردود فعل حادة.
دخلت قوى الأمن المدرسة لاحقاً وجرى احتواء الموقف دون وقوع ضحايا غير أنّ الحادثة تركت أثراً نفسياً واسعاً ودفعت إدارة التربية إلى عقد اجتماع طارئ مع الكادر التعليمي لمناقشة ضبط الخطاب داخل المؤسسات التعليمية.
التوتر في السيدة زينب
في ريف دمشق الجنوبي عاد التوتر إلى الواجهة في منطقة السيدة زينب أواخر أكتوبر وبداية نوفمبر 2025، عقب إعادة افتتاح مركز ديني في حي الزهراء ما أثار اعتراضات من مجموعة من السكان المحليين الذين اعتبروا النشاط داخل المركز “استفزازياً” في توقيته ومضمونه.
بحسب المرصد السوري وموقع Hawar News خرجت مجموعة من الأشخاص في مظاهرة محدودة قرب المركز تخللتها هتافات حادة ورفع شعارات ذات طابع اجتماعي وديني حساس.
مواقع مختلفة نقلت عن مصادر محلية قولها إنّ “المظاهرة لم تكن عفوية بالكامل بل سبقها تداول مكثّف لمقاطع على وسائل التواصل تُظهر خطباء يتحدثون بلهجة تعبويّ ما ساهم في تحفيز الشباب على النزول إلى الشارع”.
في المقابل، أفاد موقع Jusoor Post بأنّ ما حدث في السيدة زينب يعكس “تحول الخطاب الشعبي إلى مستوى أكثر حدّة بعدما كان التعبير عن الرفض في السنوات الماضية يتمّ ضمن النقاشات الدينية المغلقة فقط”.
ثالثاً: التحريض الإلكتروني وتغذية الاحتقان
تظهر المتابعة الميدانية والإعلامية أنّ وسائل التواصل الاجتماعي كانت عاملاً رئيسياً في تصعيد التوتر.
منصّات محلية على فيسبوك وتلغرام تناقلت خلال أكتوبر ونوفمبر عشرات المنشورات التي تضمّن بعضها لغة تعبئة وتحريض ضد فئات محددة من السكان.
تنوّعت أشكال الخطاب بين استدعاء سرديات تاريخية قديمة واستخدام عبارات دينية لتبرير مواقف عدائية ما عزز حالة “الاستقطاب اللفظي” قبل أن تنتقل إلى الميدان.
أشار المرصد السوري في أحد تقاريره إلى أنّ “التحريض اللفظي في العالم الافتراضي يتطور عادة إلى سلوك جماعي في الأرض عندما يغيب الردّ الرسمي الحازم أو التوضيح الإعلامي المسؤول”.
وفي كلتا الحالتين في جبلة والسيدة زينب لم تصدر في الأيام الأولى بيانات رسمية توضّح الملابسات أو تضع إطاراً للمعالجة ما ترك فراغاً إعلامياً ملأته الشائعات.
الموقف الرسمي والحقوقي
حتى منتصف نوفمبر، لم تُصدر وزارات الداخلية أو الأوقاف أو الإعلام أي بيانات تفصيلية بشأن الحوادث.
في المقابل حذّر المرصد السوري لحقوق الإنسان من أنّ استمرار التحريض في الساحل وريف دمشق “يهدد بتفكيك التوازن الاجتماعي في البلاد” داعياً الحكومة إلى تبني خطاب موحّد يحثّ على ضبط النفس والمساءلة القانونية لكل من يحرّض أو يشارك في أعمال شغب.
كما شددت تقارير Hawar News وJusoor Post على أن المطلوب هو مقاربة تربوية وإعلامية تُسهم في ترسيخ ثقافة التعايش.
خاتمة
الأحداث في جبلة والسيدة زينب خلال الأشهر الماضية ليست معزولة بل تعبّر عن تراكمات خطابية واجتماعية فاقمها غياب الشفافية وترك المجال للتحريض الإلكتروني.
هذه التوترات تمثل إنذاراً حول هشاشة التوازن داخل المجتمع السوري وضرورة التحرك الجاد.

