شؤون آسيوية – خاص –
شهدت العلاقات بين سوريا والولايات المتحدة منذ منتصف القرن العشرين مساراً متقلباً، تأرجح بين التقارب المحدود والتوتر الحاد، تبعاً للظروف الإقليمية والدولية.
فمنذ الاعتراف الأمريكي باستقلال سوريا، ارتبطت السياسة بين البلدين بتغير موازين القوى في الشرق الأوسط وبالتحولات في النظام الدولي من الحرب الباردة حتى ما بعد الحرب السورية.
الاستقلال وبدايات العلاقات
بعد أن نالت سوريا استقلالها عن فرنسا، سارعت الولايات المتحدة إلى الاعتراف بها وإقامة علاقات دبلوماسية معها، وخلال هذه الفترة اتسمت العلاقة بالهدوء النسبي، إلا أن موقع سوريا الجيوسياسي جعلها ساحة لتأثيرات الحرب الباردة.
ومع قيام الوحدة بين مصر وسوريا عام 1958 وتوجه دمشق نحو الاتحاد السوفيتي، بدأت بوادر التوتر مع واشنطن بالظهور، خصوصاً في ظل سياسات الرئيس الأمريكي دوايت أيزنهاور الرامية إلى الحد من نفوذ موسكو في الشرق الأوسط.
تصاعد التوتر في ظل الصراع العربي-الإسرائيلي
منذ حرب عام 1967 واحتلال إسرائيل للجولان السوري، أصبحت العلاقات السورية-الأمريكية مرتبطة بالصراع العربي-الإسرائيلي، حيث رفضت سوريا أي تسوية منفردة مع إسرائيل، ما جعلها في مواجهة غير مباشرة مع واشنطن الداعمة لتل أبيب.
خلال الثمانينيات، أدرجت الولايات المتحدة سوريا ضمن قائمة “الدول الراعية للإرهاب” بسبب دعمها لحركات المقاومة في لبنان وفلسطين، وفرضت عليها عقوبات اقتصادية، وفي التسعينيات، ورغم عقد مفاوضات سلام برعاية أمريكية بين حافظ الأسد والرئيس بيل كلينتون، إلا أن تلك المحاولات لم تثمر عن اتفاق نهائي.
مرحلة ما بعد عام 2000 وبروز الخلافات العميقة
مع مطلع الألفية الجديدة، ازدادت حدة الخلافات بين واشنطن ودمشق، خصوصاً بعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، حيث اتهمت الإدارة الأمريكية سوريا بدعم المقاومة العراقية واحتضان فصائل معارضة للوجود الأمريكي في المنطقة.
وبعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري عام 2005، فرضت واشنطن مزيداً من العقوبات على دمشق، متهمةً إياها بالتدخل في الشؤون اللبنانية.
الحرب السورية وتدهور العلاقات
مع اندلاع الأزمة السورية عام 2011، أعلنت الولايات المتحدة دعمها للمعارضة السياسية ودعت الرئيس بشار الأسد إلى التنحي، وتصاعد التوتر مع فرض عقوبات متتالية شملت مسؤولين ومؤسسات حكومية سورية.
وفي عام 2017، نفذت واشنطن ضربة صاروخية على قاعدة جوية سورية رداً على مزاعم استخدام أسلحة كيميائية في خان شيخون، ثم جاء “قانون قيصر” عام 2019 ليشكل ذروة العقوبات الأمريكية على سوريا، مستهدفاً أي جهة تتعامل مع الحكومة السورية اقتصادياً أو مالياً.
عهد ترامب وبداية التحولات
رغم السياسة المتشددة، ركزت إدارة ترامب على محاربة تنظيم داعش في الأراضي السورية، متعاونةً مع قوات محلية في شمال-شرق البلاد، وظلّت العلاقات الرسمية مقطوعة تقريباً، مع بقاء العقوبات قائمة، إلا أن تغير التوازنات الإقليمية وظهور قيادة سورية جديدة مهّدا لتبدّل تدريجي في الموقف الأمريكي بحلول عام 2025.
زيارة أحمد الشرع إلى واشنطن
في نوفمبر 2025، استقبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الرئيس السوري أحمد الشرع في البيت الأبيض، في زيارة وُصفت بأنها تاريخية كونها الأولى من نوعها منذ استقلال سوريا.
مثّلت الزيارة بداية مرحلة جديدة في العلاقات بين البلدين، إذ أعلنت واشنطن عقبها تعليق بعض العقوبات وإعادة فتح قنوات الحوار الدبلوماسي، في محاولة لإعادة صياغة العلاقة بعد عقد من العداء والتصعيد.
الخاتمة
منذ الاستقلال وحتى زيارة أحمد الشرع، مرت العلاقات السورية-الأمريكية بمحطات معقدة تعكس تغير موازين القوى الدولية والإقليمية.
وبين التوتر والانفراج، ظل العامل الجغرافي والسياسي لسوريا محورياً في تحديد طبيعة الموقف الأمريكي منها، ومع التحولات الأخيرة، تبدو العلاقات مقبلة على إعادة تشكيل قد تحدد ملامح الدور السوري في المنطقة ومستقبل السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط.

