شؤون آسيوية – خاص –
في أذار مارس 2025 بدا أن علاقة قسد بحكومة دمشق قد دخلت مرحلة جديدة من التفاهم عندما وقّع قائد “قوات سوريا الديمقراطية” مظلوم عبدي مع الرئيس أحمد الشرع اتفاقاً تاريخياً، تضمن دمج مؤسسات قسد المدنية والعسكرية ضمن مؤسسات الدولة السورية.
هذا الاتفاق أثار الأمل بأن شمال شرق سوريا قد يشهد استقراراً طويل الأجل، لكن بمرور الأشهر ظهرت الكثير من العقبات على الأرض وأعادت الاشتباكات وتصاعد التوترات إلى الواجهة مجدّداً كاشفة أن الاتفاق وإن كان كبيراً رمزياً ليس ضماناً لوحدة حقيقية أو تنفيذ متكامل.
بنود الاتفاق المعلنة والتحديات الأساسية
منذ البداية بني اتفاق مارس 2025 على عدة محاور رئيسية: دمج قسد في الدولة، نقل إدارة المعابر والمطارات وحقول النفط والغاز، ضمان حقوق مكون كردي في التمثيل السياسي، ووقف شامل لإطلاق النار، لكن تنفيذ هذه البنود اصطدم بعقبات سياسية وأمنية كبيرة.
أولاً الجانب العسكري: قسد تُصر على إبقاء هيكلها ككيان عسكري موحّد داخل الدولة، بينما تطالب دمشق بإعادة تحويل عناصرها إلى ألوية ووحدات أصغر ضمن الجيش السوري النظامي، هذا التباين في المفهوم العسكري يخلق مشكلة جوهرية في بناء الثقة، لأن قسد ترى في بقائها ككتلة قوة مؤسّسة لا يمكن التنازل عنها.
ثانياً ملف الإدارة والهوية: يطالب عبدي بحكم ذاتي محلي أوسع، مع تمثيل كردي لائق وضمانات دستورية، فيما ترفض دمشق أي شكل من أشكال الفدرالية.
عبدي تحدث علناً عن “منطقة حكم ذاتي تشبه إقليم كردستان العراق” في لقاءه مع الشرع، معتبراً أن اللامركزية ضرورة لتجنب تكرار نظام السلطة المركزية القديمة.
هذا الطموح يدعو للخطر من منظور دمشق، التي ترى أن مثل هذه الصيغة قد تُشرّع للتقسيم تحت غطاء سياسي.
ثالثاً الموارد الاقتصادية: تبادل السيطرة على النفط والمعابر كان جزءاً أساسياً من الاتفاق، لكن هناك شكوك واسعة حول مدى تنفيذها.
قسد تسعى إلى مشاركة حقيقية في العوائد ودور اقتصادي محلي، فيما الحكومة ترفض منح صلاحيات اقتصادية واسعة دون إشراف مركزي.
رابعاً الموظفون المدنيون في الإدارة الذاتية: هناك نقاش كبير حول كيفية إدماج المدنيين التابعين لقسد ضمن مؤسسات الدولة، سواء في الوظائف أو الأجهزة الإدارية، وكيفية إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية المدنية مثل “الأسايش” لتكون تحت إشراف وزارة الداخلية.
التصعيد الميداني: اشتباكات متجدّدة وانسحابات مؤثرة
رغم الاتفاق شهدت الخريطة عملية تصعيد فعلي.
في الرابع من أكتوبر 2025 أُعلن عن وقف فوري وشامل لإطلاق النار بعد اشتباكات في حلب بين قوات الحكومة وقسد، خصوصاً في أحياء الشيخ مقصود والأشرفية.
وزير الدفاع السوري مرهف أبو قصرة قال إن تنفيذ الاتفاق يبدأ على الفور بعد التوصل إلى هذا التهدئة، لكن هذا التهدئة لم تمنع عودة المواجهات لاحقاً.
في 20 تشرين الثاني 2025 أعلنت وزارة الدفاع السورية مقتل جنديين من الجيش إثر اشتباكات مع قسد قرب الرقة، كما أفادت تقارير بأن مدفعية النظام قصفت صباحاً مواقع تابعة لقسد في بادية معدان شرق الرقة، رداً على هجمات مفاجئة نفّذتها مجموعات تابعة لقسد على نقاط انتشار الجيش السوري.
هذه التطورات تشير إلى أن الاتفاق لم ينجح بعد في بناء جبهة أمنية موثوقة، وتظهر هشاشة وقف إطلاق النار على الأرض، حيث ما زالت الخلافات الهيكلية تتجذر ويبدو أن بعض الأطراف مستعدة للضغط على الأرض من أجل تأمين مكاسبها.
المطالب الكردية وتصريحات عبدي: تصعيد سياسي
مظلوم عبدي استخدم منصات رسمية للتعبير عن رؤيته للمستقبل، مؤكداً أن الاتفاق مع دمشق ليس نهاية، بل بداية لتحوّل سياسي أكبر.
ففي منتدى عقد في دهوك بإقليم كردستان العراق قال إنه يرى أن إدماج قسد في الدولة يمكن أن يعزز الاستقرار ليس فقط في سوريا، بل في دول الجوار أيضاً، شريطة أن يكون الاندماج مع ضمانات لحقوق المكوّن الكردي ولهوية قسد التنظيمية.
على صعيد سد تشرين في ريف حلب، أدلى عبدي بتصريحات تفصيلية، مؤكداً أن الجزء العسكري من الاتفاق ينص على انسحاب قسد من بعض المواقع شرقاً وتسليمها للقوات الحكومية، فيما يبقى الجانب الإداري والتشغيلي للسد تحت إدارة قسد لضمان استمرارية تشغيله.
ووفق عبدي هناك “خطوط حمراء” لا يمكن التخلي عنها، أولها هو تركيز السلطة الإدارية في دمشق فقط، والثاني هو الحفاظ على هيكل قسد التنظيمي داخل الجيش السوري.
خاتمة:
رغم التفاهم الكبير الذي مثّلته اتفاقية مارس 2025 بين قسد ودمشق، فإن الواقع على الأرض حتى 20 تشرين الثاني 2025 يكشف أن الخلافات الجوهرية ما زالت قائمة وبقوة.
القضايا العسكرية، الإدارية، الاقتصادية، والهوية لم تُحلّ بالكامل، والاشتباكات المتجدّدة تكشف هشاشة التهدئة.
في الوقت نفسه، يواصل مظلوم عبدي رفع سقف المطالب الكردية، مما يزيد من الضغوط على الطرفين.
إن نجاح هذا المشروع – إذا ما نجح – قد يكون نموذجاً نادراً لوحدة متعددة المكوّنات بعد الحرب، لكن الفشل قد يعني تجدد الصراع، وربما مزيداً من التوتر في شمال شرق سوريا.
والرهان الآن ليس فقط على ما تم توقيعه، بل على مدى قدرة الجهات المعنية على تحويل التفاهم إلى واقع مؤسّساتي واقتصادي، وضمان حقوق الجميع دون العودة إلى فوضى سلاح أو اقتتال داخلي.

