بقلم: إيال زيسر – كاتب إسرائيلي –
- الأسبوع الماضي، مرّت الذكرى السنوية الأولى لاتفاق وقف إطلاق النار مع حزب الله، والذي أنهى المعركة التي فتحها ضدنا التنظيم اللبناني-الشيعي على الحدود الشمالية، في 8 تشرين الأول/أكتوبر 2023، بعد يوم واحد على بدء الهجوم الدموي الذي نفّذته “حماس”.
- خلال الحرب في الشمال، وخصوصاً في نهايتها، بعد أن استعادت إسرائيل توازُنها، أنزل الجيش الإسرائيلي بحزب الله ضربات قاسية، وصفّى قياداته وقادته الكبار، وحيّد جزءاً كبيراً من قدراته العسكرية. وهكذا تلاشى الخوف من الـ180 ألف صاروخ التي كانت في حيازة التنظيم، والتي كان يُخشى في إسرائيل من أن تشلّ الحياة في الدولة وتتسبب بآلاف القتلى.
- لكن بعد سنة من التوصل إلى الاتفاق وانتهاء الحرب، يتبين أن لبنان، كعادته… لم يتغيّر فيه شيء؛ فحزب الله ما زال واقفاً على قدميه، وعلى الرغم من الضربات التي تلقّاها، فإنه يحافظ على مكانته في أوساط أبناء الطائفة الشيعية في لبنان، ويعمل، بإصرار، على إعادة بناء قوته، ويرفض التخلي عن سلاحه.
- طبعاً، كانت الخطيئة الأصلية في موافقتنا على توقيع اتفاق مشبوه، كان واضحاً لكلّ ذي بصيرة – ومع الأسف، لا يوجد مثل هؤلاء في إسرائيل، لا في القيادة السياسية، ولا العسكرية– أن حزب الله لا ينوي الالتزام به، وأن الحكومة اللبنانية لا تملك القدرة، ولا الرغبة في فرضه على التنظيم الشيعي المسلح.
- لكن منذ ذلك الحين، مرّت سنة، وعلى الرغم من أن الجيش الإسرائيلي ينفّذ عمليات ضمن “المعركة بين الحروب” ضد عناصر ميدانيين في التنظيم، فإنه يتبين أن هذا غير كافٍ لمنع إعادة تأهيله، ولا للقضاء على ما تبقى من قدراته العسكرية. ومن هذه الناحية، فإن تصفية رئيس أركان حزب الله هيثم الطبطبائي في قلب بيروت في الأسبوع الماضي، كانت الاستثناء الذي لا يشهد على قاعدة، أي أنه لا يدلّ على أن إسرائيل قررت خلع القفازات فعلاً، ورفع مستوى المواجهة مع حزب الله.
- وفي غزة، وبعد عامين من الحرب القاسية والعديد من الإنجازات العملياتية، فُرض علينا وقف إطلاق نار يسمح لـ”حماس” بإعادة بناء قوتها، تحت رعاية أميركية. ومَن يعتقد أن توافق أيّ قوة عربية، أو إسلامية، على مواجهة التنظيم ونزع سلاحه، فهو واهم، وكذلك مَن يظن أن الولايات المتحدة ستسمح لنا باستئناف القتال في غزة، وبالتالي تقويض الإنجاز الوحيد في السياسة الخارجية الذي يمكن لإدارة ترامب التفاخر به.
- وفي النهاية، من الجدير التذكير بإيران التي تلقّت، هي الأُخرى، ضربات قاسية، لكن، بالكاد مرّت مئة يوم، حتى عاد الحديث عن جولة أُخرى وتهديدات إيرانية بالانتقام وإصرار طهران على استئناف مسيرتها نحو السلاح النووي.
- نحن أيضاً نميل إلى التفاخر بإسقاط نظام بشار الأسد، لكن السنة التي مضت أغرقتنا في تورُّط عقيم في المستنقع السوري، والاتصالات التي بادر اليها السوريون بنا لمحاولة التوصل إلى تفاهمات تضمن الأمن على الحدود وصلت إلى طريق مسدود. وهنا أيضاً، الجميع ينتظر إملاءً من واشنطن بوقف نشاطنا ووجودنا العسكري في سورية.
- يتضح من هذا كله أن لا أحد يشبهنا في تحقيق الإنجازات في المعركة، لكن من دون إكمال المهمة، أو حتى خسارة هذه الإنجازات على الساحة السياسية التي تلي الحرب. فالحرب لا تمثل هدفاً في حد ذاتها، بل هي وسيلة لتحقيق أهداف سياسية، وهو أمر لم نتعلمه، أو نسيناه.
- إن التهرب الإسرائيلي من بلورة رؤية سياسية لمستقبل غزة فرض علينا اتفاقاً يسمح لـ”حماس” بالحفاظ على قوتها في القطاع؛ ووقف إطلاق النار في لبنان مكّن حزب الله من العمل على إعادة تأهيل قوته؛ وعدم تقديمنا أي مبادرة سياسية موازية للعمل العسكري أدى إلى انهيار الجبهة العربية-الإسرائيلية في مواجهة إيران.
- كان لدى رئيس الوزراء الراحل أريئيل شارون، الذي قضى على موجات العمليات الفدائية في الانتفاضة الثانية، مبدأ ثابت: التحدث بهدوء واعتدال، لكن مع حمل عصا وعدم التردد في استخدامها عند الحاجة – مزيج من الحكمة السياسية والقدرة العسكرية. ومن المؤسف أن هناك اليوم مَن ينشغلون عندنا بالسؤال عمّن غرّد أخيراً، وكيف يمكن إخضاع رئيس الأركان، وكأنه آخر أعدائنا.
المصدر: صحيفة يسرائيل هيوم نقلاً عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

