الذكاء الاصطناعي
بقلم راشد شاتيلا*
تتحرك البيئة اليوم في قلب معادلة دقيقة، حيث تتقاطع أزمة المناخ مع التطور التكنولوجي، وتلتقي الحاجة إلى حماية الطبيعة مع ضرورة بناء تشريعات تُنقذ ما تبقّى من توازن الأرض. لم يعد النقاش البيئي ترفًا أو تفصيلًا ثانويًا، بل أصبح أحد أعمدة الأمن الوطني والإنساني، ومعيارًا حقيقيًا لقدرة الدول على الاستمرار.
في هذا الواقع المتحوّل، يبرز القانون كركيزة أساسية تستند إليها كل فكرة للحماية البيئية. فالقوانين لم تعد مجرد نصوص تنظّم استهلاك الموارد أو تفرض غرامات على المخالفين؛ أصبحت اليوم هي «العقل الأخضر» الذي يرسم ملامح المستقبل. إنها البنية التي تُمسك بخيوط الأمن البيئي، وتحوّل حماية الطبيعة من مبادرة فردية إلى التزام وطني تُحاسَب الدولة والمجتمع على أساسه.
المستقبل سيكون ملك الدول التي تضع بيئتها تحت حماية التشريع قبل أن تضعها تحت حماية الأمن. وكل دولة تُهمل قوانينها البيئية تفتح الباب أمام كوارث صحيّة، اقتصادية، مناخيّة واجتماعية. فحيث يغيب القانون تتحول الطبيعة إلى أرض نهب، وحيث يُحترم القانون تتحول البيئة إلى ثروة تتجدد.
لكنّ القانون وحده لا يكفي من دون التكنولوجيا. فالطاقة النظيفة، أنظمة مراقبة جودة الهواء والمياه، الذكاء الاصطناعي في إدارة النفايات، الخرائط البيئية الرقمية، المدن الذكية… جميعها أدوات تمنح الإنسان قدرة غير مسبوقة على فهم الطبيعة وحمايتها. غير أنّ هذه الأدوات تحتاج دائمًا إلى تشريعات تُنظم استخدامها، وتضبط إيقاعها، وتمنع تحوّل التكنولوجيا إلى مصدر تلوّث بديل.
وهنا يأتي دور الشباب، وخاصة الشباب اللبناني. فالمجتمع اللبناني يمتلك ثروة بشرية قادرة على قيادة التحولات الكبرى إذا أُعطيت المساحة والدعم. الدعوة موجَّهة إليهم اليوم ليكونوا «الضمير البيئي» للوطن، والقوة التي تدفع نحو احترام القانون لا خوفًا، بل إيمانًا بأن البيئة هي مشروع حياة. حماية الغابات، الحفاظ على المياه، دعم المشاريع الخضراء، فرز النفايات، مواجهة التلوث… كلها خطوات بسيطة في ظاهرها، لكنها أساس بناء ثقافة بيئية جديدة.
المستقبل يبدأ حين يقرر الشباب أنّ احترام القانون ليس التزامًا إداريًا بل أسلوب بقاء. فالقانون البيئي الذي لا يُمارَس في الحياة اليومية يفقد قيمته، ويتحوّل إلى نص معلق في الهواء. أما حين يلتزم به الناس، يتحول القانون إلى قوة صامتة تُغيّر البلد من جذوره.
وإذا استطاع لبنان أن يجمع بين وعي شبابه، وتقدّم التكنولوجيا، وصلابة التشريعات، فسيكون قادرًا على بناء نموذج بيئي عربي فريد يقوم على العدالة المناخية، والإدارة الذكية للموارد، والتنمية المستدامة التي تصون حقّ الأجيال القادمة في وطنٍ صالح للعيش.
في النهاية، حماية البيئة ليست مهمة جهة واحدة، بل مسؤولية دولة ومجتمع وجيل جديد. القانون هو الهيكل، التكنولوجيا هي الأداة، والشباب هم الروح. وإذا التقت هذه العناصر الثلاثة في رؤية واحدة، فإن مستقبل لبنان يمكن أن يولد أخضر… أكثر قوة، أكثر وعيًا، وأكثر قدرة على الحياة من أي وقت مضى.
راشد شاتيلا كاتب مختص في الذكاء الاصطناعي و إدارة البيانات

