الرئيس التركي رجب طيب إردوغان
بقلم تسفي برئيل – محلل إسرائيلي –
- إن تصريحات توم برّاك العلنية، المبعوث الأميركي الخاص إلى سورية، الذي يشغل في أوقات فراغه أيضاً منصب السفير في تركيا، تكمن روعتها في صراحتها وحدّة لهجتها. هكذا كانت عندما أوضح للبنان أنه “دولة فاشلة”، وعندما قال إن “نزع سلاح حزب الله يبدو كأنه غير واقعي.” وكذلك كان يوم الجمعة الماضي، خلال مؤتمرٍ عُقد في أبو ظبي؛ ففي حديث أجراه مع محرر “بلومبرغ”، بول والاس، لم يتلاعب برّاك بالكلمات، بل قال “لو كنت سأقدم نصيحة شخصية لنتنياهو، لقلت له إن هذه واحدة من أذكى الخطوات التي يمكنه القيام بها، هل أعتقدُ أنها ستتحقق؟ الجواب لا؛ والسبب هو انعدام الثقة.”
- “الخطوة الذكية” التي ينصح برّاك نتنياهو بتبنّيها هي الموافقة على مشاركة تركيا في “قوة الاستقرار المتعددة الجنسيات”، التي يُفترض أن توفّر مظلة أمنية للنشاط المدني وجهود إعادة الإعمار في غزة، والتي ستبدأ خلال أسابيع قليلة، وفقاً لِما تأمله إدارة ترامب. يؤمن برّاك بأن هذه الخطوة ليست ضرورية فقط، بل ربما تُحدث تحولاً في العلاقات الإسرائيلية- التركية. وأضاف أنه “في نهاية العملية في غزة، أعتقد أنه في مرحلة ما ستجد إسرائيل وتركيا علاقة بينهما، سواء أكان ذلك ضمن اتفاقيات أبراهام، أم اتفاقيات سليمان، أو مزيج منهما؛ ببساطة، هذا الأمر منطقي.”
- لكن قبل أن تزدهر هذه “الرومانسية” الإسرائيلية – التركية، تحدّث وزير الخارجية التركي هاكان فيدان لوكالة رويترز، على هامش مؤتمرٍ عُقد في العاصمة القطرية الدوحة، قائلاً إن تركيا، مع الدول الوسيطة، تواصل الدفع نحو تنفيذ المرحلة الثانية من خطة ترامب، وأن “الإدارة الأميركية تضغط على إسرائيل لإشراك تركيا في القوة المتعددة الجنسيات.”
- ففي حين تضع إسرائيل عقبات صعبة أمام دخول تركيا إلى غزة، ومصر ليست راضية تماماً عن احتمال أن تنشر تركيا قوات لها في غزة – والتي تفيد تقارير موقع “ميدل إيست آي” بأنها تستعد لنشر قوة بحجم لواء (نحو 2000 جندي) – فإن واشنطن تدرك أنه من الضروري إدخال قوة تمهيدية أجنبية يمكنها أن تجذب خلفها دولاً أُخرى ما زالت مترددة بشأن إرسال جنود إلى المنطقة من دون تفويض واضح يحدد مهمتهم. وبحسب مصدر سياسي تركي من الحزب الحاكم، “إذا تمكنت القوات التركية من دخول غزة، فيمكن التقدير أن أذربيجان ستنضم إليها، وكذلك إندونيسيا؛ الدولتان اللتان تربطهما بتركيا علاقات وثيقة؛ الأولى، أذربيجان، وهي أيضاً حليفة لإسرائيل؛ الثانية، إندونيسيا التي ربما تنضم إلى اتفاقيات أبراهام، كجزء من هذه الخطوة. حالياً، يبدو كأن الدولتين لا تريدان أن تكونا أول الواصلين إلى غزة، بينما تركيا لا تمانع في أن تكون السبّاقة.”
- وبحسب المصدر نفسه، على إسرائيل إيلاء اهتمام كبير أيضاً بأن أردوغان وترامب أصبحا “أخوَين استراتيجيَّين”، وهو تعبير “برومانس” استخدمه برّاك أيضاً عندما وصف علاقة ترامب بأردوغان؛ وأضاف برّاك “إن الأمر المهم هو وجود علاقة رومانسية بين الرئيسين،” مضيفاً أن تركيا “دخلت على الخط” في قضية صفقة تبادُل الأسرى، وأدارت مفاوضات مع “حماس”، و”دفعت الولايات المتحدة إلى نقطة اتخاذ القرار.”
- وما يغذّي التقارب بين أردوغان وترامب ليس ملف غزة وحده؛ فتركيا تتجه نحو حلّ أزمة منظومة الدفاع الجوي التي اشترتها من روسيا، والتي تشمل صواريخ أس – 400″، القضية التي هزّت العلاقات بين الولايات المتحدة وحلف الناتو. والرئيس ترامب يتحدث فعلاً عن إعادة تركيا إلى مشروع تطوير مقاتلة إف-35 التي أُقصيت عنه ضمن العقوبات المفروضة عليها في سنة 2020، وبينما تشعر إسرائيل بالذعر من تآكل تفوّقها الجوي نتيجة شراء السعودية تلك الطائرات المتطورة، تستعد تركيا، هي الأُخرى، للحصول على دفعتها، وتُجري بنفسها مفاوضات مع مصر لبيعها مقاتلاتها من طراز “قآن”.
- لم تكن صفقة الإف-35 الإصبع الوحيدة التي ربما يفقأ بها ترامب عين إسرائيل. ففي أيلول/سبتمبر، عندما التقى الرئيس الأميركي أردوغان، حرص على الثناء على سياسته في سورية، التي حققت “إنجازات مهمة”، على حد تعبيره، خلافاً للاستراتيجيا الإسرائيلية التي ترى أن التدخل التركي في سورية تهديد لأمنها؛ كذلك يتفق أردوغان وترامب على رؤية سورية دولة موحدة تحت سلطة مركزية واحدة، ويمارسان ضغطاً على القوات الكردية السورية للتوصل إلى اتفاق مع نظام أحمد الشرع والاندماج في جيشه. ومن الملائم في هذا السياق التذكير بتوبيخ ترامب لنتنياهو بعد العملية الفاشلة في بيت جن في الجولان، وهناك مزيد.
- كان أردوغان إلى جانب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وأمير قطر الشيخ تميم، عندما وقّعوا مع ترامب اتفاق وقف إطلاق النار وتنفيذ خطة العشرين نقطة في القمة التي عُقدت في شرم الشيخ في تشرين الأول/ أكتوبر. وهكذا انتقلت تركيا من دولة وسيطة إلى دولة ضامنة لتنفيذ الخطة، بينما ترى أن إسرائيل عبء ثقيل عليها.
- وفي إطار هذه الضمانة، تنقسم الأدوار بوضوح: واشنطن تشرف على سلوك إسرائيل، بينما تشرف قطر وتركيا على سلوك “حماس”، ولأن مسألة نزع سلاح “حماس” هي الآن العامل الرئيسي الذي يعيق، وربما يُفشل الخطة كلها، يُطلب من الدولتين إيجاد حلّ مبتكر، والأمل الأميركي هو أنه بفضل علاقات تركيا وقطر المتينة مع “حماس”، ستتمكنان من بلورة إطار يمكن أن يوافق عليه كلٌّ من “حماس” والولايات المتحدة.
- ويتضح من الحوارات مع مصادر تركية وفلسطينية أن مثل هذا الإطار لا يزال في بدايته، ويتضمن خطوتين متوازيتَين: الإعلان “خلال أسبوعين” عن تشكيل “مجلس السلام” برئاسة ترامب، وتعيين أعضاء مجلس الإدارة المدنية الفلسطينية، ودخول شرطة فلسطينية تم تدريبها في مصر والأردن إلى القطاع، على أن تساندها “قوة الاستقرار الدولية”؛ يتطلب تنفيذ هاتين الخطوتين، أولاً: التوصل إلى اتفاق مُلزم مع “حماس” التي ستطالَب بـ”وضع سلاحها جانباً” وعدم استخدامه، لكن من دون التخلي عنه حتى الآن؛ فالكلمة الرئيسية هي “وضع السلاح”، وليس “نزعه”. ويقدّر وزير الخارجية التركي، استناداً إلى تعهّد “حماس” بعدم المشاركة في الإدارة المدنية، أن نزع سلاح “حماس” بشكل مبكر غير واقعي لأنه مشروط بأن تكون إدارة غزة في يد فلسطينيين (من دون “حماس”)، وبضمان أن يكون وقف إطلاق النار دائماً.
- إذا كان هذا هو الإطار الذي تسعى تركيا لدفعه، فهو يطرح عدداً من الصعوبات الجوهرية والعملية؛ هل ستقبل قوة الشرطة الفلسطينية والقوة المتعددة الجنسيات، التي يُفترض أن تدعمها، بالاكتفاء باتفاق “عدم قتال” مع “حماس”؟ وألّا يتحول المجلس الإداري الفلسطيني، فعلياً، إلى رهينة في يد “حماس” التي ستستمر في الاحتفاظ بسلاحها، وفي يد إسرائيل؟ وفي أي مرحلة، هذا إذا حدث أصلاً، سيبدأ نزع سلاح “حماس”؟
- وللإجابة عن بعض هذه الأسئلة، قد تعرض تركيا مشاركتها في القوة المتعددة الجنسيات، بصفتها ضمانة أساسية يمكن أن تكفل أمن الهيئات الفلسطينية والدولية التي ستدير غزة، إذ لن ترغب “حماس” في مواجهة عسكرية مع قوة تركية. ولا يزال من غير الواضح ما إذا كانت الإدارة الأميركية تنوي الحسم بشأن مسألة الدور التركي في غزة، لكن إذا اقتنع ترامب ومستشاروه بأن أنقرة تقدم حلاً عملياً، ربما تجد إسرائيل نفسها في مسار صدامٍ جديد مع ترامب، وستكون أوراقها أضعف من تلك التي يحملها أردوغان.
المصدر: صحيفة هآرتس الإسرائيلية – عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

