خاص شؤون آسيوية – دمشق –
شهدت سوريا وعلى مدى أيام مضت اشتباكات دامية تحديداً في ريف دمشق، حيث تعود جذور المشكلة إلى تداول تسجيل صوتي منسوب لشخص من طائفة الموحدين الدروز يتداول فيه شتائم عن النبي محمد، ما أثار غضب مجموعات مسلحة وفصائل متعددة تجمعت في بلدة جرمانا الواقعة جنوب شرقي العاصمة دمشق، حيث بدأت الفصائل تتدفق من مناطق محاذية لجرمانا منها المليحة.
وزارة الداخلية السورية كشفت عن حدوث اشتباكات دامية ومتقطعة بين مجموعات عدة بعضهم من داخل جرمانا والبعض الآخر من خارجها ما أسفر عن وقوع ضحايا وجرحى ومنهم عناصر من قوى الأمن المنتشرة في المنطقة.
المشكلة تمتد إلى صحنايا
بعد يوم واحد على أحداث جرمانا، بدأت ارتدادات المشكلة تتجه نحو صحنايا وأشرفيتها ذات الأغلبية من الطائفة الدرزية، ما أدى لوقوع عدد من الضحايا أيضاً.
تصعيد خطير شهدته المنطقة أكد انهيار الاتفاق الذي كان سابقاً بين الحكومة السورية وشيوخ عقل الطائفة الدرزية والذي كان يدعو للتهدئة، عقب ذلك تدخل مباشر من إسرائيل عنونته بأنه لحماية أبناء الطائفة الدرزية وسط مخاوف كبيرة من اندلاع موجة من الاقتتال الطائفي.
شهدت منطقة صحنايا بريف دمشق تصعيدا خطيرا خلال الساعات الماضية، بعد انهيار اتفاق التهدئة بين الحكومة السورية وشيوخ عقل الطائفة الدرزية، إثر اشتباكات عنيفة اندلعت بين قوات الأمن السوري ومسلحين دروز، أعقبها تدخل مباشر من إسرائيل تحت عنوان “حماية أبناء الطائفة الدرزية”، وسط تحذيرات دولية من انزلاق سوريا نحو موجة جديدة من الاقتتال الطائفي، خاصة مع توافد أرتال من المناطق المحيطة تجاه صحنايا وأشرفيتها.
السويداء
ذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان أن الاشتباكات امتدت حول قرى في ريف السويداء حيث أعلن عن “مقتل 4 أشخاص من أبناء الطائفة الدرزية خلال اشتباكات اندلعت في قرية الصورة بريف السويداء خلال تصديهم لهجوم نفذه قوات تابعة لوزارتي الدفاع والداخلية، إلى جانب مجموعات رديفة”.
كما أفادت شبكة السويداء 24 المحلية للأنباء عن مقتل “ثلة من أبناء الجبل على طريق دمشق السويداء بكمين غادر”.
مطالب بتدخل دولي
شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز، الشيخ حكمت الهجري، طالب بتدخل دولي عاجل ومباشر لحماية المدنيين في سوريا، وقال الهجري في بيان صحفي:” نطلب من المجتمع الدولي بكافة منظماته وهيئاته ومؤسساته، أن يُبصر هذا التجاهل، والتعتيم على كل ما يحصل لنا من مصاب، نحن لسنا بحاجة لأقوال، بل أفعال، نحن لسنا دعاة انفصال، ولن نكون، بل دعاة مشاركة فعلية، وتأسيس مشروع دولة فدرالية ديمقراطية، تحفظ كرامتنا، وتضمن حرية الوطن والمواطن، وتحفظ الأمن”.
الهجري أعلن في بيانه أن لا ثقة بالحكومة لأنها تقتل شعبها بواسطة العصابات التكفيرية ولا ثقة لوجود هذه العناصر بين فئات الشعب، خاصة مع استمرار سياسة القتل الممنهج.
دمشق تعلن استعادة السيطرة والتحكم بزمام الأمور
السلطات السورية أعلنت دخول قوات الأمن إلى مختلف أحياء أشرفية صحنايا، في تحركات شاملة لتثبيت الأمن والاستقرار، في حين أشارت شبكات محلية إلى وجود تعتيم على مختلف الأخبار الواردة من المنطقة وسط حالات خوف وهلع بين السكان.
أما الخارجية السورية فرفضت في بيان رسمي أي تدخل خارجي في الشأن السوري، كما اعتبرت الدعوات الرامية لحماية أي مكون من مكونات الشعب السوري أنه غير شرعي ويمثل تهديداً لوحدة البلاد واستقرارها.
إسرائيل تدخل المشهد..
لم تقف إسرائيل موقف المتفرج من الأحداث الدامية، بل أعلن الجيش الإسرائيلي تنفيذ غارات على مواقع عدة في أشرفية صحنايا وذلك من خلال طائرات مسيرة، أما هيئة البث الإسرائيلية ونقلاً عن مصادر عسكرية كشفت عن أن الضربة أسفرت عن مقتل عنصر أمن سوري وإصابة عناصر آخرين.
وأعلنت إسرائيل أن هذا الهجوم يعتبر هجوماً تحذيرياً على مجموعة متطرفة كانت تستعد لمهاجمة الأقلية الدرزية في صحنايا بريف دمشق.
ليكون آخر الضربات الإسرائيلية فجر اليوم الجمعة بغارة استهدفت محيط القصر الرئاسي في دمشق، ووجه وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس رسالة تحذير إلى الرئيس السوري أحمد الشرع، بأعقاب الغارة: “عندما يستيقظ الجولاني صباحا ويرى نتائج هجوم سلاح الجو الإسرائيلي سيدرك تماما أن إسرائيل عازمة على منع إلحاق الأذى بالدروز في سوريا”، وفق تعبيره.
اجتماعات التهدئة
بعد كل الأحداث الدامية والمتتالية شهدت المنطقة انعقاد اجتماع موسع ضم شيوخ عقل الموحدين الدروز مع مسؤولين سوريين بهدف إيجاد حل سريع للأزمة والاشتباكات.
الاجتماع ضم أيضاً محافظي كل من ريف دمشق، السويداء، القنيطرة، وعدد من الوجهاء والشخصيات الاجتماعية، وأفضى الاجتماع عن الوصول إلى اتفاق مبدئي لوقف إطلاق النار في كل من جرمانا وأشرفية صحنايا بريف دمشق وذلك وفق ما أفادت وكالة الأنباء السورية الرسمية.
ردود فعل دولية
توالت ردود الأفعال الدولية حول الأحداث الأخيرة في سوريا، حيث حذر الزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط من خطورة استمرار الاقتتال في صحنايا مؤكداً أن هذا الاقتتال “يخدم المخططات الإسرائيلية لتهجير الدروز من مناطقهم القريبة من الحدود”، كما دعا إلى معالجة الأزمة ضمن إطار وحدة الدولة السورية.
أما فرنسا فنددت بـ ” العنف الطائفي القاتل في حق الدروز في سوريا” وأصدرت الخارجية الفرنسية بياناً جاء فيه: “تدعو فرنسا كل الأطراف السورية والإقليمية إلى وقف المواجهات، وتدعو السلطات السورية إلى بذل كل الجهود لإعادة الهدوء”.
في حين رفضت أنقرة أي خطط لتقويض الحكومة المركزية السورية أو سيادة وسلامة الأراضي السورية، ووفقاً لبيان صادر عن وزارة الخارجية التركية فإن تركيا لا تقبل أي مبادرة تستهدف وحدة الأراضي السورية، أو تمس سيادتها، أو تسمح بحمل الأسلحة من قبل آخرين خارج السلطة المركزية السورية.
سوريا أمام الاختبار
التصعيد الأخير في المنطقة يعيد خلط الأوراق من جديد للمشهد السوري الذي تحاول مختلف الدول أن تكون طرفاً فيه، في حين تُبذل الجهود الحكومية لبسط توازن هش بينها وبين مكونات الشعب السوري لن يتم جني ثماره قبل أعوام.