شؤون آسيوية – إعداد رغد خضور –
في خضم التصعيد بين إيران وإسرائيل، ووسط تحذيرات دولية، برزت روسيا مجدداً كلاعب يسعى لاستعادة دوره كوسيط في أزمات الشرق الأوسط، مقدّمةً نفسها كطرف قادر على تهدئة النزاع.
في المقابل، يلوّح الرئيس الأميركي دونالد ترامب باستخدام القوة ضد طهران، دون أن يحسم خياره النهائي بشأن التدخل العسكري، ما يكرّس حالة من الغموض الإستراتيجي الأميركي، ويعزز دور موسكو المحتمل كبديل دبلوماسي.
الاتفاق ممكن
أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خلال منتدى سان بطرسبورغ الاقتصادي، أن “الاتفاق لا يزال ممكناً”، مشيراً إلى أن بلاده قدّمت مقترحات محددة للتسوية إلى قوى إقليمية ودولية، بينها إسرائيل والولايات المتحدة.
من جهتها، صرّحت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا بأن موسكو ما زالت مستعدة للعب دور الوسيط بين إيران وإسرائيل، مشددة على أهمية الحلول السلمية، ومذكرةً بدور روسيا الحاسم في التوصل إلى اتفاق عام 2015 بشأن البرنامج النووي الإيراني، مضيفةً أن موسكو لا تحمل “أجندات خفية”، بل تسعى لتحقيق نتائج إيجابية.
ويُنظر إلى هذا الطرح الروسي كجزء من محاولة موسكو لكسر العزلة الدولية المفروضة عليها منذ غزوها لأوكرانيا، وإعادة تموضعها كقوة دبلوماسية لا غنى عنها في أي معادلة شرق أوسطية.
إلا أن مصداقية روسيا كوسيط “محايد” تبقى محل تشكيك، لا سيما بسبب تحالفها الوثيق مع طهران.
الدبلوماسية الروسية في مواجهة الحسابات الأميركية
السياق الدولي المعقّد يمنح موسكو فرصة لتعزيز نفوذها عبر بوابة الوساطة. فبالنسبة إلى روسيا، فإن النجاح في تهدئة النزاع بين إيران وإسرائيل سيمنحها شرعية دولية جديدة، وربما يفتح باباً غير مباشر لتخفيف العقوبات الغربية، أو دفع الغرب نحو التفاوض حول أوكرانيا من موقع الندّية.
لكن هذا الطموح يواجه تحديات حقيقية، من أبرزها التحالف الروسي-الإيراني الذي يُضعف ثقة إسرائيل والغرب في نوايا موسكو، فضلاً عن الانقسام الداخلي الأميركي الذي يعقّد أي استجابة موحدة للمبادرة الروسية، خاصة مع تصاعد الخطاب الانتخابي ومعارضة قطاعات داخل الحزب الجمهوري لأي تدخل جديد.
ويُضاف إلى ذلك الموقف الأوروبي، الذي لا يرى في روسيا وسيطاً نزيهاً، بل يعتبرها طرفاً يسعى لتوظيف النزاعات كورقة تفاوضية تخدم مصالحها في ملفات أخرى.
بين الحذر والتوجس
قد تدفع الشراكة المتنامية بين إيران وروسيا طهران إلى القبول بوساطة موسكو، خاصة إذا كانت مصحوبة بضمانات تتعلق بحقوقها النووية السلمية.
ومع ذلك، تبقى طهران حذرة من أي وساطة لا تضمن رفع العقوبات أو الاعتراف بحقوقها الإقليمية.
أما إسرائيل، فهي تنظر بريبة إلى العرض الروسي، لكنها تدرك في الوقت نفسه أن غياب قناة وساطة قد يفتح الباب أمام تصعيد خطير يصعب احتواؤه.
وعليه، قد تجد تل أبيب نفسها مضطرة للتفاعل مع المقترحات الروسية، ولو بشكل غير معلن، في حال غابت البدائل الواقعية.
تدمير منشأة فوردو
لا تزال مشاركة الولايات المتحدة في الحرب إلى جانب إسرائيل ضد إيران غير مؤكّدة، في وقت تصرّ فيه تل أبيب على دفع واشنطن لاتخاذ القرار، لكونها تهدف إلى تدمير منشأة فوردو النووية، رغم إدراكها أنها غير قادرة وحدها على إنجاز المهمة بنجاح كامل.
إلا أن إسرائيل – وفق تقارير أميركية – تُعدّ العدّة لتنفيذ المهمة وحدها، تحسباً لرفض ترامب المشاركة في الحرب أو توجيه ضربة لمنشأة فوردو.
وقال مسؤول أميركي إن الإسرائيليين أبلغوا الإدارة الأميركية بأنهم قد لا يتمكنون من الوصول إلى عمق كافٍ في الجبل، حيث تقع المنشأة، بواسطة القنابل، وإنهم قد “يفعلون ذلك باستخدام البشر”.
وبحسب يهود عيلام، الباحث السابق في وزارة الدفاع الإسرائيلية، فإن إسرائيل قد ترسل عدداً كبيراً من قنابلها الخارقة الأصغر حجماً لاختراق فوردو، لافتاً إلى أنها قد تلجأ أيضاً إلى عملية كوماندوز محفوفة بالمخاطر، أو إلى وسائل أكثر سريّة مثل الهجمات الإلكترونية والاغتيالات المستهدفة.
تحركات محسوبة
تبدو الولايات المتحدة، بقيادة دونالد ترامب، في موقف يراوح بين التهديد والانكفاء. فبينما اعترف ترامب بأنه وافق على خطط هجومية ضد إيران، أكد أنه لم يصدر أوامر بتنفيذها بعد، مفضلاً ما يسميه “اتخاذ القرار في اللحظة الأخيرة”.
هذا الغموض يتسق مع ما يصفه مراقبون بـ”عقيدة الغموض”، حيث يُستخدم التلويح بالقوة كورقة تفاوضية، دون التورط في حرب مفتوحة.
ورغم عدم الإعلان عن انخراط عسكري مباشر، تشير تقارير إلى أن إدارة ترامب وافقت مبدئياً على توجيه ضربات محددة، خاصة لمنشأة “فوردو” النووية الإيرانية، باستخدام قنابل خارقة للتحصينات.
ومع ذلك، يسود توجه داخل الإدارة لتفادي التورط في حرب طويلة ومعقدة، خصوصاً في ظل الاعتبارات الانتخابية ومبدأ “أمريكا أولاً”، الذي يرفض الالتزامات العسكرية المكلفة في الخارج.
وتشير تقارير أخرى إلى تنسيق وثيق بين واشنطن وتل أبيب، حيث تُفضل الإدارة الأميركية في الوقت الراهن تقديم دعم ميداني واستخباراتي لإسرائيل، مع إبقاء التدخل المباشر كخيار احتياطي في حال توسّعت رقعة الصراع.
هل تتدخل واشنطن عسكرياً؟
رغم تردده، لا يمكن استبعاد تدخل أميركي محدود، خاصة إذا قررت إيران الرد خارج حدود النزاع المباشر، كاستهداف قواعد أميركية أو تأجيج جبهات مثل اليمن وسوريا ولبنان.
كما أن أي ضربة إسرائيلية كبرى لمنشآت نووية إيرانية قد تفرض على واشنطن التدخل، كجزء من تحالف موسّع أو كرد استباقي.
في المقابل، يبقى المسار الدبلوماسي قائماً، خصوصاً مع إعلان وزراء خارجية ألمانيا وفرنسا وبريطانيا عزمهم الاجتماع مع إيران في محاولة لاحتواء التوتر، بموافقة أميركية غير مباشرة.
طموح روسي وغموض أميركي
الوساطة الروسية بين إيران وإسرائيل ليست مجرد مبادرة دبلوماسية، بل تعكس رؤية إستراتيجية أوسع تسعى موسكو من خلالها إلى إعادة صياغة دورها في النظام الدولي.
وفي المقابل، يعتمد ترامب سياسة ضغط قصوى تقوم على التهديد دون تنفيذ، تاركاً كل الخيارات مطروحة.
وفي حين تبقى فرص التهدئة محدودة بفعل التوازنات المعقدة، فإن غياب الحلول البديلة قد يدفع الأطراف، رغم خلافاتها، إلى اختبار الوساطة الروسية كخيار مؤقت يمنع انزلاق المنطقة إلى حرب شاملة.
لكن أي مسار للتسوية لن يكتمل من دون تنسيق أميركي–روسي، وإلا فإن التصعيد سيبقى سيد الموقف، إلى أن تفرض التطورات على الأرض واقعاً جديداً.