شؤون آسيوية – خاص –
في 6 نوفمبر 2025، نشرت وكالة رويترز تقريراً حصرياً يفيد بأن الولايات المتحدة تستعد لإقامة وجود عسكري في قاعدة جوية بالعاصمة السورية دمشق.
استند التقرير إلى معلومات من ستة مصادر مطلعة، من بينها مسؤولان غربيان ومسؤول دفاعي سوري، وأشار إلى أن الهدف المحتمل لهذا الوجود هو دعم تنفيذ اتفاق أمني محتمل بين سوريا وإسرائيل تتوسط فيه الولايات المتحدة.
تفاصيل القاعدة ونوع الاستخدام المقترح
وفقاً للمصادر تقع القاعدة الجوية في موقع استراتيجي قرب مناطق في جنوب سوريا يُتوقع أن تكون ضمن منطقة منزوعة السلاح بموجب الاتفاق المزمع بين دمشق وتل أبيب.
وأفادت المصادر بأن الولايات المتحدة نفذت رحلات استطلاع إلى القاعدة خلال الشهرين الماضيين، شملت تقييم المدرج والبنية التحتية، كما هبطت طائرات نقل أمريكية من طراز C-130 لاختبار جاهزية المدرج.
تقارير إعلامية سورية ومن ضمنها موقع تلفزيون سوريا تشير إلى أن هذه التحركات لا تأتي في فراغ بل في سياق مراجعة واشنطن لاستراتيجياتها العسكرية داخل سوريا، وسط تغيرات إقليمية واستراتيجية.
فقد زار الأدميرال براد كوبر، قائد القيادة المركزية الأمريكية، دمشق مرتين في منتصف أيلول ومطلع تشرين الأول، في سابقة تعكس اهتماماً أمريكياً غير اعتيادي بإعادة صياغة خرائط النفوذ على الأرض السورية، بما في ذلك احتمال إعادة التموضع العسكري في الجنوب السوري أو قرب العاصمة.
موقف حكومة دمشق
في رد رسمي، نفت وزارة الخارجية السورية صحة ما نشرته وكالة رويترز بشأن إنشاء قاعدة أمريكية في دمشق، وأكد مصدر مسؤول في الوزارة أن “لا صحة لما نشرته وكالة رويترز عن القواعد الأمريكية في سوريا”، مضيفاً أن المرحلة الراهنة تشهد تحولاً في الموقف الأمريكي باتجاه التعامل المباشر مع الحكومة السورية المركزية ودعم جهود توحيد البلاد ورفض أي دعوات للتقسيم.
موقف الولايات المتحدة
لم تصدر الإدارة الأمريكية أي بيان رسمي يؤكد أو ينفي وجود قاعدة عسكرية أمريكية في دمشق، واكتفى المتحدثون بالإشارة إلى أن الولايات المتحدة تُقيّم باستمرار وجودها في سوريا بما يخدم مكافحة تنظيم الدولة الإسلامية، وأنها لا تعلق على مواقع محددة لقواتها.
من مكافحة الإرهاب إلى هندسة الاستقرار
منذ عام 2014، ارتكز الحضور العسكري الأمريكي في سوريا على مقاربة أمنية متمثلة في “مكافحة تنظيم داعش”، إلا أن الاحتمالات المفتوحة حول إمكانية إنشاء قاعدة أمريكية قرب دمشق أو في الجنوب السوري تطرح سؤال الدور الأمريكي الجديد، الذي قد يتجه نحو توسيع مفهوم الأمن من مكافحة الإرهاب إلى إدارة الاستقرار وبناء توازنات طويلة الأمد.
المصادر السورية تشير إلى أن أي قاعدة محتملة ستكون جزءاً من “الضبط الوقائي” لمواجهة التقلبات الإقليمية، أي تحقيق الاستقرار عبر الموازنة بين الفاعلين بدل المواجهة المباشرة، بما يعكس انتقالاً تدريجياً من أدوات القوة الصلبة إلى مقاربة شبكية تعتمد على الشراكات والتنسيق متعدد المستويات.
هندسة النفوذ الأمريكي في سوريا
تحركات واشنطن الأخيرة، والاحتمالات المطروحة لإنشاء قاعدة في الجنوب السوري أو قرب العاصمة، تُظهر مراجعة أعمق لآليات النفوذ الأمريكي في المنطقة، تقوم على الانتقال من التموضع العسكري التقليدي إلى التموضع المرن والاستراتيجي.
القاعدة المحتملة، حتى لو بقيت رمزية، تمنح الولايات المتحدة قدرة على مراقبة خطوط الاتصال الإقليمية من العراق إلى لبنان مروراً بالأردن، وتتيح لها إدارة توازن القوى في مرحلة ما بعد الحرب، بما يعرف بـ”قوس الديناميات الإقليمية”، وفق ما ذكر موقع تلفزيون سوريا.
إعادة التموضع العسكري الأمريكي
في حال تحقق إنشاء قاعدة أمريكية، فإن دلالتها لن تكون عسكرية فقط، بل سياسية ورمزية، حيث تعكس تحول فلسفة الحضور الأمريكي من التدخل العملياتي المباشر إلى التموضع الرمزي داخل المجال السيادي السوري.
وجود مثل هذا الموقع لا يُقاس بحجمه الميداني فقط، بل بقدرته على إعادة تعريف موقع الولايات المتحدة في معادلة سوريا ما بعد الحرب، من مراقب خارجي إلى طرف مؤثر في هندسة التسوية.
الاستقرار الديناميكي
ويمكن فهم أي قاعدة محتملة ضمن مفهوم “الاستقرار الديناميكي”، الذي يتيح القدرة على إدارة التغيرات الإقليمية بسرعة ومرونة.
في هذا السياق، يكون الهدف الأمريكي هو ضبط التفاعلات بين القوى الفاعلة في سوريا والمنطقة، بما في ذلك روسيا وتركيا وإسرائيل، دون الانخراط في صراعات مباشرة أو السيطرة الكاملة على الأرض.
خاتمة
تبقى قضية الوجود العسكري الأمريكي المحتمل في دمشق موضوعاً حساساً ومعقداً، حيث تتداخل فيه الاعتبارات الأمنية والاستراتيجية والدبلوماسية.
المعلومات المتوفرة تعتمد على تسريبات إعلامية ومصادر رسمية، وتشير إلى استعداد الولايات المتحدة لإجراء تقييمات ميدانية للقاعدة المحتملة، بينما تنفي حكومة دمشق بشكل رسمي أي وجود لقوات أمريكية على أراضيها.
هذا التباين يجعل متابعة التطورات أمراً ضرورياً لفهم طبيعة الاتفاقات المستقبلية وآلية إدارة الأمن في المنطقة، ويعكس تحولاً أمريكياً محتملاً من دور مكافحة الإرهاب إلى دور الضبط الرمزي والاستراتيجي داخل سوريا والمنطقة.

