شؤون آسيوية – خاص –
بدأ الحديث العلني عن اتفاق أمني محتمل بين إسرائيل وسوريا بعد سلسلة من الرسائل غير المباشرة التي تبادلها الطرفان عبر الوسطاء، ورغم أن الاتصالات لم تتحول إلى عملية سياسية مكتملة، فإن المسؤولين في البلدين استخدموا تصريحات رسمية للإشارة إلى أن الاتصالات موجودة، لكنها ما زالت أولية ومشروطة ومقيدة بواقع عسكري وسياسي معقد في الجنوب السوري.
التصريحات الإسرائيلية ركزت على أن أي مسار تفاوضي لا يزال مرهوناً بتوفير بيئة “آمنة” من وجهة نظرها في جنوب سوريا، وبضبط الوجود العسكري غير السوري هناك.
أما دمشق فربطت أي تفاهم أمني بوقف الهجمات الجوية الإسرائيلية، وبانسحاب القوات الإسرائيلية من المناطق التي توغلت فيها خلال الشهور الماضية.
ورغم أن هذه الطروحات لم تُترجم إلى نصوص مكتوبة أو تفاهمات رسمية، فإنها شكلت إطاراً عاماً يسمح بتوصيف ما يجري بأنه مفاوضات أمنية غير مباشرة.
الموقف الإسرائيلي المعلن وشروطه
استندت إسرائيل في تصريحات مسؤوليها المعلنة إلى تأكيد أن أي اتفاق سيكون مشروطاً بما تعتبره “ضمانات أمنية مطلقة” في الجنوب السوري.
المسؤولون الإسرائيليون تحدثوا عن 4 محددات رئيسية:
- إبعاد القوات غير السورية عن الجنوب السوري، خصوصاً المجموعات المرتبطة بإيران، مع تقديم ضمانات قابلة للرقابة.
- منع نقل السلاح النوعي عبر الأراضي السورية، مع التزام واضح بعدم استخدام الجنوب كمنصة لوجستية لأي نشاط عسكري موجه نحو إسرائيل.
- إتاحة ترتيبات مراقبة ميدانية، سواء عبر آليات دولية أو تفاهمات ثنائية غير مباشرة، تضمن تنفيذ أي اتفاق.
- عدم تقديم مقابل سياسي واسع، إذ أكد مسؤولون إسرائيليون أن حكومة تل أبيب “لا ترى سبباً للانسحاب من مواقع حساسة دون مقابل ملموس”.
هذه الخطوط العريضة عكست توجهاً رسمياً متحفظاً، فالتصريحات الإسرائيلية اعتمدت على التقليل من فرص الوصول إلى اتفاق كامل في المدى القريب، وعلى اعتبار أن الوضع الميداني الحالي يحقق لإسرائيل تفوّقاً يجعلها غير مستعجلة في استكمال التفاوض.
ومع ذلك، لم تُغلق تل أبيب الباب أمام مسار تفاوضي إذا توفرت شروطه الأمنية.
موقف دمشق والتصريحات الرسمية السورية
تصريحات المسؤولين السوريين جاءت متفرقة وغير مباشرة، لكنها حملت رسائل واضحة حول تصور دمشق لما يمكن أن يشكل أساساً لأي اتفاق وتضمنت النقاط الرئيسية التالية:
- الربط بين أي تفاهم أمني وبين الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي التي توغل فيها مؤخراً في الجنوب السوري، مع العودة إلى خطوط ما قبل التصعيد.
- التأكيد على أن دمشق لن تقبل بأي ترتيبات تمسّ “السيادة السورية”، في إشارة إلى رفضها لأي وجود عسكري أو أمني إسرائيلي داخل الأراضي السورية أو حتى ضمن صيغ مراقبة مشتركة.
- المطالبة بوقف الضربات الجوية الإسرائيلية التي تستهدف مواقع عسكرية داخل سوريا، باعتبار ذلك شرطاً مسبقاً وليس بنداً من بنود الاتفاق.
- الإشارة إلى أن دمشق مستعدة للنظر في التزامات تخص الجنوب، ما دامت لا تمس البنية العسكرية السورية نفسها.
هذه التصريحات رغم محدوديتها أبرزت أن دمشق تتعامل مع المسار من زاوية رفع الضغط العسكري الإسرائيلي وإعادة تثبيت خطوط السيطرة السابقة، أكثر من كونها تسعى إلى اتفاق أمني طويل الأمد.
الرسائل المتبادلة عبر الزيارات والتصريحات
التطور الأبرز الذي أعطى زخماً للحديث عن الاتفاق كان الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى الجنوب، والتي رافقها كشف عن عدد من “الأسرار” المرتبطة بما اعتبره رسائل موجّهة لدمشق.
في تلك التصريحات أكد أن إسرائيل “لن تسمح بتغيير قواعد الاشتباك”، وربط أي انسحاب من بعض النقاط بوجود التزامات سورية واضحة بمنع التموضع العسكري الذي تعتبره إسرائيل تهديداً مباشراً.
التوغل الإسرائيلي في جنوب سوريا
التطور الميداني الذي تغيّر معه مسار الحديث عن الاتفاق هو التوغل الإسرائيلي في مناطق من ريف القنيطرة والبادية الجنوبية، ورغم أن إسرائيل قدمت هذا التحرك بوصفه “إجراءً وقائياً”، فإن الأمر مثّل أول تحرك ميداني واسع منذ سنوات داخل نقاط لم تكن ضمن خطوط الاحتكاك التقليدية.
الخطوات الإسرائيلية شملت:
تقدم وحدات برية محدودة داخل خطوط تقلّ عن تلك التي جرى الالتزام بها في تفاهمات سابقة.
إنشاء نقاط مراقبة مؤقتة في محاور شهدت نشاطاً عسكرياً متنوعاً.
تنفيذ عمليات تفتيش ميداني في مناطق تعتبرها تل أبيب مسارات محتملة لنقل السلاح.
أما دمشق فاعتبرت أن هذا التوغل يمثل “انتهاكاً مباشراً” لخطوط فض الاشتباك، وربطت أي حديث عن اتفاق أمني بوقف هذه التحركات.
التوغل نفسه أصبح عنصراً يستخدمه كل طرف كورقة تفاوض، إسرائيل تصفه بأنه “إجراء تكتيكي” يمكن التراجع عنه إذا تحققت مطالبها الأمنية، بينما تضعه دمشق في خانة “الملف الواجب إنهاؤه قبل أي اتفاق”.
خاتمة:
المسار الأمني بين إسرائيل وسوريا رغم كثرة ما قيل عنه ما زال محكوماً بالتوازنات الميدانية أكثر مما تحكمه الرغبة السياسية.
التصريحات الرسمية المعلنة وغير المعلنة من الجانبين توفر صورة واضحة عن حدود ما يمكن أن يُبحث، لكنها تكشف أيضاً أن الطرفين لا يمتلكان حالياً القدرة على صياغة اتفاق شامل.
وما يجري اليوم هو مقاربة قائمة على إدارة خطوط التماس، وضبط التحركات في الجنوب، وتبادل رسائل عبر الوسطاء، دون أن تتبلور صيغة نهائية لأي تفاهم رسمي.

