رائد سعد
بقلم أوهاد حمو – كاتب إسرائيلي –
- خلال حرب 7 تشرين الأول/أكتوبر، طبعت جهة عسكرية إسرائيلية مجهولة مجموعة من أوراق اللعب للمطلوبين، من كبار قادة الجناح العسكري لـ”حماس”، وحرص شخص ما على نثر هذه الأوراق في أنحاء القطاع كي تعرف غزة كلها أن إسرائيل تلاحقهم. وكان أحد هؤلاء المطلوبين هو رائد سعد، الرقم 4 في أوراق الكوبة والديناري (الحمراء). ظاهرياً، هذا ليس ترتيباً مثيراً للاهتمام بصورة خاصة، ويضيع بين وجوه أكثر شهرة. لكن في الواقع، فإنه حتى قبل 7 تشرين الأول/أكتوبر، وبالتأكيد حتى يوم السبت، كان هذا الرجل يعَد في “حماس” “الأص” البستوني (من الأوراق السوداء)، ولا يقل أهمية عن ذلك. كما أن المبلغ الذي عرضه الجيش الإسرائيلي، بعد شهر على المجزرة، إلى كل من يقدم معلومات عنه (800,000 دولار) يدل إلى حد ما على مكانته الرفيعة داخل تنظيم حماس والأهمية التي أولتها له إسرائيل، كما حماس.
- لكن الحظ ينفد حتى لدى القط ذي الأرواح التسع، وهو الذي نجا فعلاً من عدة محاولات اغتيال، وشوهد على مدى الـ 30 عاماً الأخيرة عن يمين محمد الضيف وعن يسار مروان عيسى. صحيح أن إسرائيل استخدمت ذريعة خرق وقف إطلاق النار لتفسير اغتياله، غير أن ذلك مجرد إضافة، وغير ذي صلة؛ فقد كان رجلاً محكوماً عليه بالموت… نقطة وانتهى. ومن منظور “حماس” أيضاً، فهذا ليس اغتيالاً تكتيكياً آخر لقائد سرية في الحركة، إنما هو من جملة الاغتيالات التي أحدثت أكبر دوي ممكن في غزة، ويمكن مقارنته تقريباً باغتيال علي طبطبائي من حزب الله، رئيس أركان التنظيم الشيعي اللبناني الذي اغتيل الشهر الماضي.
- وليس عبثاً أن نأتي على ذكر حزب الله في هذا السياق؛ فاغتيال رائد سعد سيُدخل “حماس” في معضلة؛ فمن جهة، إذا لم ترد على هذا الاغتيال الاستراتيجي، فإنها تخشى أن تستغل إسرائيل عدم الرد من أجل تطبيق “نموذج حزب الله” – أي استهداف عناصر “حماس” وقادتها، تماماً كما يحدث في لبنان – وفي “حماس”، ينظرون إلى الشمال بقلق، ويرون كيف قُتل نحو 400 عنصر من حزب الله منذ وقف إطلاق النار، من دون أي رد من التنظيم اللبناني، وها هي عبارات كـ “يجب ردع إسرائيل عن تحويل غزة إلى لبنان” تُسمع كثيراً في غزة.
- لكن رد “حماس” ضد إسرائيل قد يكون -من وجهة نظرهم – له ثمن لا يُحتمل؛ فإسرائيل في كانون الأول/ديسمبر 2025، وإن كانت مقيدة في ردودها بسبب الوجود والرقابة الأميركيَين اللصيقَين، فهي في الوقت نفسه قد تخلصت تقريباً بالكامل من عبء الأسرى الموجودين في قطاع غزة، ولا سيما الأحياء (تحتجز “حماس” جثمان أسير واحد، وهو ران غويلي)، ولهذا انعكاس دراماتيكي في حرية العمل التي قد تحصل عليها إسرائيل في حال اندلاع مواجهة أُخرى مع غزة.
- بالإضافة إلى ذلك، فإن “حماس” تخشى أن تمنح إسرائيل ذريعة لوقف التقدم نحو الكأس المقدسة بالنسبة إليها: المرحلة الثانية من الاتفاق، التي من المفترض في إطارها أن تبدأ غزة بالتعافي بينما تبقى “حماس” في مواقع قوة داخل القطاع. وبسبب حماستها للوصول إلى المرحلة الثانية من الاتفاق، فقد تخلت “حماس” عن أوراق المساومة الوحيدة التي كانت لديها (الأسرى الإسرائيليون الأحياء ومعظم جثامين القتلى المختطفين). والآن، فإن رداً غير محسوب منها قد يدفع إسرائيل إلى تصعيد الوضع والعودة إلى القتال، وخصوصاً في ظل الإحباط الإسرائيلي من عودة “حماس” إلى بسط سيطرة كاملة على حياة مليونَي غزي داخل “الجانب الفلسطيني” من غزة.
- لا شك في أن رائد سعد، أحد مخططي هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر، والمسؤول عن خطة إعادة تأهيل الجناح العسكري لـ “حماس” في الأشهر الأخيرة، لقي المصير الذي كان يستحقه، غير أن مَن يتخيل في إسرائيل أن موته هو ضربة قاضية لـ “حماس” قد تؤدي إلى انهيارها، يجدر به أن يتذكر العامين الأخيرَين؛ فخلال هذه الفترة، فقدت “حماس” قيادتها العليا بالكامل: من محمد الضيف ويحيى السنوار، مروراً بمروان عيسى ومحمد السنوار، وصولاً إلى روحي مشتهى وأبو عبيدة، ومع ذلك – حتى وهي أضعف، ومتضررة كثيراً- لا يوجد في غزة طرف قادر على تحدي هذا التنظيم “الإرهابي”، الذي عاد بسرعة مثيرة للإحباط ليكون صاحب البيت الحصري في غزة، بعد أكثر من عامين على “المجزرة” الرهيبة.
المصدر: قناة إن12 الإسرائيلية – عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

