بقلم آنا برسكي – كاتبة إسرائيلية
يصل إلى إسرائيل توم باراك، سفير الولايات المتحدة لدى تركيا، والمبعوث الأميركي المكلف فعلياً بملف محور سورية–لبنان، في زيارة سياسية حساسة ومتعددة الدلالات. ومن المتوقع أن يلتقي باراك رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وكبار المسؤولين السياسيين والأمنيين، في ظل تصاعد الضغط الأميركي للتقدم إلى المرحلة التالية من خطة الرئيس ترامب في قطاع غزة، واستمرار التوتر في لبنان، وعلامات الاستفهام المفتوحة في الساحة السورية.
عملياً، تُعد هذه زيارة تمهيدية للقاء نتنياهو – ترامب المقرر في نهاية الشهر في ميامي، وبهذا المعنى، لن يأتي باراك ليستمع، إنما ليفحص إلى أي مدى إسرائيل مستعدة للتحرك.
والتوقيت اللبناني للزيارة ليس مصادفة، فالجيش الإسرائيلي يواصل العمل ضد بنى حزب الله التحتية في جنوب لبنان، في وقت تسعى فيه الولايات المتحدة لمنع الانزلاق إلى حرب شاملة. وقد دان اليوم الرئيس اللبناني جوزاف عون حادثة إطلاق النار في سيدني –إدانة لافتة بسرعة صدورها وصوغها– بهدف إرسال رسالة إلى المجتمع الدولي بشأن التزام مبدئي بمكافحة الإرهاب وبخطاب سياسي مسؤول.
إلاّ إن الفجوة بين الساحة الدولية والواقع اللبناني تبدو واضحة بصورة خاصة؛ فبينما يدين الرئيس اللبناني هجوماً عنيفاً في أقصى طرف من العالم، يواصل حزب الله نشاطه من الأراضي اللبنانية، وتواصل إسرائيل ضرب أهداف عسكرية رداً على ذلك.
ومن وجهة نظر إسرائيل، يشكل ذلك تجسيداً حاداً للمشكلة الأساسية في لبنان؛ دولة تتحدث بلغة السيادة والمسؤولية في الساحة الدبلوماسية، لكنها تجد صعوبة، وأحياناً تمتنع من ممارسة سلطة حقيقية تجاه التنظيم المسلح الذي يعمل من أراضيها ضد دولة إسرائيل.
سيصل باراك إلى هذه الساحة حاملاً رسالة أميركية واضحة: ضبط النفس الإسرائيلي لا يمكن أن يتم في فراغ، وتتوقع واشنطن رؤية خطوات ملموسة من بيروت؛ تعزيز سيطرة الجيش اللبناني في الجنوب، وتقليص حرية عمل حزب الله، والاستعداد لتحمل مسؤولية أمنية. في المقابل، توضح إسرائيل أنها لا تنوي الاكتفاء بالتصريحات أو الإدانات البعيدة طالما التهديد على الحدود مستمر.
جوهر الزيارة هو غزة، والانتقال إلى المرحلة الثانية – المرحلة التي يُفترض بها أن تفسح مجالاً لهدنة موقتة وهشة المجال لتسوية أمنية وسياسية مستقرة وطويلة الأمد – والنموذج الذي تطرحه الولايات المتحدة يشمل إنشاء قوة استقرار دولية بقيادة أميركية، تتيح تفكيكاً متدرجاً لسلاح “حماس”، وإنشاء بديل سلطوي.
وهنا يبرز أحد الخلافات المركزية بين تل أبيب وواشنطن، وهو مسألة تركيا؛ إذ يرى باراك أن على تركيا أن تكون جزءاً من قوة الاستقرار، نظراً إلى قدراتها العسكرية وقنوات التأثير التي تملكها في غزة. أمّا إسرائيل، فتنظر إلى الأمر كخط أحمر، فمن وجهة نظر المستويَين السياسي والأمني، لا يمكن اعتبار طرف يحافظ على علاقات مع “حماس” قوةَ استقرار، كما أن دخول الطرف التركي في الإطار الدولي قد يقوّض جوهر الهدف من الخطوة.
توم باراك ليس مجرد ضيف أميركي آخر من “الجسر الجوي” المعروف الذي يأتي لـ”مراقبة” رئيس الوزراء نتنياهو وسياساته، إنما يصل ومعه ساعة رملية وتفويض واضح: تهيئة الأرضية للقاء بين نتنياهو وترامب. وتهدف زيارته إلى التحقق مما إذا كانت إسرائيل مستعدة للتقدم إلى المرحلة التالية من الخطة الأميركية، وماهية حدود مرونتها، وخصوصاً في قضية غزة والقوة الدولية.
ومن منظور إسرائيل، فإن هذه اللحظة هي اختبار بشأن كيفية قول “نعم” لعملية سياسية من دون التنازل عن مبادئ أمنية أساسية أو تجاوز الخطوط الحمراء. أمّا من منظور الولايات المتحدة، فقد أُرسل باراك ليفحص ما إذا كان نتنياهو شريكاً يمكن الاعتماد عليه في المرحلة المقبلة، أم قائداً يفضل إبقاء الساحات مفتوحة. والإجابات الكاملة قد تُعطى فقط في ميامي، لكن المؤشرات الأولى ستتحدد فعلاً خلال الزيارة التي تبدأ اليوم. الاثنين (أمس).
المصدر: صحيفة معاريف الإسرائيلية – عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

