Monday

10-03-2025 Vol 19

هل يكون ترامب نيكسون القرن؟

خاص شؤون آسيوية- بقلم د. عماد أبشيناس*/

وصل الرئيس الايراني مسعود بزشكيان الى السلطة عبر رفع شعار المفاوضات وحل الخلافات الايرانية مع الغرب وكان لحضور محمد جواد ظريف صانع الاتفاق النووي والمشهور في ايران بانه المنادي للمفاوضات مع الولايات المتحدة الفضل الاكبر لوصول بزشكيان الى السلطة ومعظم الذين صوتوا لبزشكيان في الواقع صوتوا للذي يقف الى جانب ظريف.
وبالفعل فان بزشكيان وضع كل برامجه واهىافه في سلة ظريف وكان متوقعا ان يتم تعيين ظريف في منصب نائب رئيس الجمهورية وبسبب معارضة الاصوليين المتطرفين لظريف اضطر ان يعينه مساعدا لرئيس الجمهورية للشؤون الاستراتيجية وهو منصب تم استحداثه خصيصا لظريف في حكومة بزشكيان.
وبسبب ان عبارة نائب رئيس الجمهورية ومساعد رئيس الجمهورية يتم ترجمتها في اللغة الانكليزية بعبارة Vice President يخلط العديد من الاجانب في موضع نائب رئيس الجمهورية ومساعد الرئيس ولا يستطيعون التمييز فيما بين هذه المناصب ولكن عموما في ايران نائب رئيس الجمهورية هو عمليا يرآس الحكومة عندما لا يكون الرئيس موجودا ولديه سلطات تنفيذية على كل الحكومة ويمكن اعتبار قراراته هي قرارات الرئيس في حين ان مساعد رئيس الجمهورية يكون مسؤولا عن قسم من اعمال الرئيس فقط ويستطيع اتخاذ القرارات في ذلك الموضوع الخاص فقط.
وتسمح القوانين الايرانية لمساعدي الرئيس ومستشاريه الحضور في اجتماعات الحكومة وابداء رأيهم ولكن دون حق التصويت على القرارات الحكومية محصورة بيد وزراء الحكومة لان الوزراء فقط يحصلون على ثقة المجلس ويمكن للمجلس استجواب الوزراء فقط بشكل انفرادي او جماعي واعادة منحهم الثقة او سحبها منهم.
وبسبب ان الاصوليين المتطرفين يسيطرون على مجلس الشورى الاسلامي الايراني وهم يعارضون وجود ظريف في الحكومة حتى ان ظريف اضطر ان يقدم استقالته من منصبه كي تستطيع الحكومة نيل ثقة المجلس وثم يعود الى الحكومة برفض الرئيس للاستقالة وحاليا يواجه بزشكيان ضغوط كبيرة جدا لاقالة ظريف بسبب قانون يمنع اعطاء المناصب الادارية العليا لاشخاص من مزدوجي الجنسية هم او اولادهم وابن محمد جواد ظريف كان قد حصل على الهوية الامريكية مستفيدا من قانون ولادته على الاراضي الامريكية.
و يعرف الجميع في ايران ان المقصود من هذه الهجمة الشرسة على ظريف هو انه موكل من الرئيس كي يكون عراب الاتفاق الجديد بين ايران والولايات المتحدة.
ولربما شرح هذا الموضوع يكفي لكي يستطيع المخاطب فهم مدى مستوى الخلافات الموجود حاليا في ايران والذي يصل الى اعلى المستويات في البلاد على موضوع المفاوضات مع الولايات المتحدة.
وعموما معارضوا المفاوضات مع الولايات المتحدة يعتبرون انه ما من فائدة من تضييع الوقت والدخول في هذه المفاوضات لان الولايات المتحدة لا تلتزم باي من تعهداتها وهي تتنصل من تنفيذ كل الاتفاقيات التي تقوم بالتوقيع عليها.
ويتهم المعارضون الولايات المتحدة بانها تسعى كي تحصل على ما لا تستطيع الحصول عليه عبر الضغط الاقتصادي والسياسي والتهديد العسكري وان اللذين يقومون بمفاوضة الامريكيين بانهم سذج او حتى خونة يحرقون كل الانجازات التي تحصل عليها ايران بمشقة في هكذا مفاوضات.
ويتخوف هؤلاء من ان الولايات المتحدة تسعى كي تسلب ايران قدراتها الدفاعية وتطبق السياسة التي قامت بتطبيقها على ليبيا ابان حكم القذافي وتقوم بمهاجمة ايران بعد ان تسلبها كل قدراتها الدفاعية.
ويعتبر هؤلاء ان ايران يجب ان تستمر بسياسة التوجه شرقا الذي بدأه الرئيس الراحل ابراهيم رئيسي وعدم التعويل على المفاوضات مع الغرب وبعد ان تصل ايران الى مرتبة من القدرة الاقتصادية والعسكرية والسياسية لا يمكن تجاهلها فان الغرب حينها سوف يسعى الى التعامل مع ايران وليس التقابل معها.
وفي المقابل فان انصار المفاوضات يعتبرون ان الخلافات مع الولايات المتحدة التي يعتبرونها العراب Godfather في العالم هو من الضرورات اللازمة لايران ولا يمكن ان تستمر ايران بسياسة العداء للولايات المتحدة وهي تخسر مكانتها الدولية واموالا طائلة بسبب هذا العداء.
ولربما من الطريف ان نذكر ان اللذين هاجموا السفارة الامريكية في بدايات الثورة وتسببوا بقطع العلاقات حينها كانوا معظمهم من الشباب اليساري الذي تحولوا فيما بعد الى الاصلاحيين ووالعديد منهم هم الذين ينادون حاليا بضرورة حل الخلافات وعودة العلاقات مع امريكا.
على اي حال فان نتيجة الانتخابات الايرانية كانت واضحة وعكست رؤية الشارع الايراني الذي قام بالتصويت لبزشكيان الرافع لشعار المفاوضات والعمل على رفع العقوبات وبعكس ما كان عليه الوضع مع بدايات الثورة حيث ان العداء للولايات المتحدة كان على اشده فان الشارع الايراني حاليا لا يكن العداء للولايات المتحدة وهو جاهز لقبول اي صفقة تؤدي الى عودة العلاقات مع الولايات المتحدة وترفع العقوبات عن ايران.
والجملة الاخيرة، يعني قبول صفقة تؤدي الى عودة العلاقات ورفع العقوبات، يمكن اعتبارها مفتاح اللغز حيث ان الرئيس الايراني حصل على موافقة المرشد على المفاوضات بشرط الوصول الى هاذين الهدفين.
فاي اتفاق لا يتضمن او يؤدي الى رفع العقوبات عن ايران هو لا معنى له بالنسبة للناس وفي المقابل فان العديد من الاصوليين يعتبرون ان الرئيس الامريكي ليس لديه سلطة كي يستطيع ان يرفع عقوبات وضعها الكونغرس الامريكي على ايران بسبب ان الكونغرس حاليا هو تحت سلطة اللوبي الصهيوني.
وفي المقابل يعتبر مناصروا المفاوضات بان ترامب الدورة الثانية مختلف عن ترامب الدورة الاولى وهو غير محتاج لللوبي الصهيوني كي يناصره لانه لا يمكنه الترشح لدورة جديدة وترامب حاليا يسعى كي يسجل اسمه في التاريخ الامريكي بصفته الرئيس الامريكي الذي قام بحل ازمة الخلافات مع ايران بما يشبه ما قام به ريتشارد نيكسون في السبعينات مع الصين ويجب على ايران الاستفادة من هذه الفرصة.
ويعتبر هؤلاء ان ما يهم ترامب حاليا هي الكعكة الاقتصادية الايرانية والتي بسببها ممكن لترامب ان يعلق او يلغي العقوبات على ايران كي يحصل على حصة الاسد من هذه الكعكة للشركات الامريكية وتقدر هذه الكعكة باكثر من عشرين الف مليار دولار امريكي من الاستثمارات حيث ان ايران لم تستثمر في العديد من المجالات الاقتصادية منذ اكثر من اربعين عاما وحاليا فقط قطاع النفط والغاز الايراني يحتاج الى ما يصل لحوالي الخمسة آلاف مليار دولار من الاستثمارات او مثلا قطاع الطيران المدني الايراني يحتاج الى اكثر من الف طائرة مدنية و… وهذه العقود ممكن ان تنقذ العديد من الشركات الامريكية التي تواجه حاليا مشاكل اقتصادية كبيرة.
وعلى الرغم من هذه الخلافات داخل الساحة الايرانية فان حكومة السيد بزشكيان عملت بشكل جدي على عدة جبهات لكسر عقدة العقوبات على ايران فهم طلبوا من اصدقائهم في عمان وقطر والعراق وحتى لبنان العمل على فتح قنوات الاتصال مع فريق ترامب من جهة وبدأوا مفاوضات مع الترويكا الاوروبية من جهة اخرى.
واستنادا لتصريحات محمد جواد ظريف في مؤتمر داووس الاخير فان ايران والولايات المتحدة، بايدن، كانوا قد توصلوا لاتفاق غير مكتوب بينهم ولكن عملية السابع من اكتوبر نسفت هذا الاتفاق وعلى الرغم من المحاولات الحثيثة من قبل الجانبين فان التصعيد الحاصل في المنطقة افشل كل محاولات التوصل الى اتفاق مجدد بينهم.
من جهة اخرى فانه وفي حين ان الاوروبيين مصرون على ضرورة العودة الى الاتفاق النووي واحياءه قبل الخامس والعشرين من شهر اكتوبر العام المقبل وهو موعد انتهاء فترة بند الزناد SnapBack في الاتفاق النووي والذي بموجبه يمكنهم اعادة العقوبات الدولية على ايران فان الولايات المتحدة، ترامب، لا تصر على اعادة احياء الاتفاق النووي وهي تصر على ضرورة توقيع اتفاقية شاملة بينها وبين ايران يضمن لها حصة الاسد في الاقتصاد الايراني.
ولربما يمكن القول ان السبب الاساسي لانسحاب ترامب من الاتفاق النووي كان ان ذلك الاتفاق لم يضمن حصة الولايات المتحدة من الاتفاق وحصل الاوروبيين على حصة الاسد من العقود التي قاموا بتوقعها مع ايران بعد التوقيع على الاتفاق النووي.
ويمكن القول ان هناك عقدة اخرى موجودة حاليا وهي ان الاوروبيين مصرون على ان يصلوا الى اتفاق مع ايران بالنسبة للاتفاق النووي يضمن حصتهم في الاقتصاد الايراني وهم يرفضون الجلوس مع الروس الاعضاء في هذا الاتفاق على طاولة واحدة في حين ان الروس يفضلون ان تبقى الامور معلقة حتى تنتهي الحرب في اوكرانيا ايضا.
وعلى الرغم من ان شعار الجميع هو منع ايران من الحصول على السلاح النووي وايران مستعدة لتقديم كل الضمانات من انها لا تسعى للحصول على هذا السلاح، ولكن في الواقع عمليا الجانب المقابل لايران يسعى لاستغلال الموضوع النووي للحصول على حصة اكبر في الاقتصاد الايراني فقط وهم جميعهم مطمئنون من ان ايران لا تسعى كي تصنع السلاح النووي.
فهم يعلمون جميعا ان ايران عبرت عن ما يتم تسميته العتبة النووية حيث انه باستطاعتها تصنيع السلاح النووي في اي لحظة تريد ذلك ولكنها لم تقم بفعل ذلك لان استراتيجيتها الردعية كانت اصلا مبنية على اساس العبور من هذه العتبة وتهديد الاعداء بانهم اذا ما قاموا بمهاجمة ايران وكان الوجود الايراني في خطر فانها ممكن ان تلجأ الى خيار تصنيع السلاح وطالما ان ايران لا تواجه خطرا وجوديا فانها لن تقوم بتصنيع السلاح النووي.

*باحث وأكاديمي إيراني

شؤون آسيوية

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *