شؤون آسيوية – بغداد –
عين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مؤخرا رجل الأعمال من أصل عراقي، مارك سافايا مبعوثا خاصا إلى العراق، في خطوة أثارت تساؤلات وتكهنات في البلد العربي بشأن أهدافها وتداعياتها على الداخل العراقي وعلى العلاقات بين بغداد وواشنطن.
وكتب ترامب في منشور على منصته ((تروث سوشيال)) في 19 أكتوبر الماضي “أن فهم مارك العميق للعلاقة بين العراق والولايات المتحدة وعلاقاته في المنطقة سيساعد في تعزيز مصالح الشعب الأمريكي”.
ورد سافايا على قرار تعيينه، قائلا في منشور على منصة ((إكس)) “أنا ملتزم بتقوية الشراكة بين الولايات المتحدة والعراق بقيادة الرئيس ترامب وتوجيهاته”.
وسافايا، هو رجل أعمال مسيحي من أصل كلداني، غادرت عائلته العراق في تسعينات القرن الماضي، واستقرت بمدينة ديترويت الأمريكية، ولم يشغل أي منصب حكومي أو سياسي، لكنه من الداعمين للرئيس ترامب.
وفي أول بيان له قال سافايا الجمعة “إن العراق بدأ يستعيد عافيته كدولة ذات سيادة، ويعمل على الحد من التأثيرات الخارجية، ووضع جميع الأسلحة تحت سيطرة الحكومة، وفتح أسواقه أمام الشركات العالمية للمساعدة في إعادة بناء وتطوير البنية التحتية الهشة للبلاد”.
وأكد أن العراق لا يزال بحاجة إلى دعم مستمر لمواصلة هذا المسار.
وتابع “أن الحكومة الأمريكية أوضحت أنه لا مكان للجماعات المسلحة التي تعمل خارج نطاق سلطة الدولة، ويعتمد استقرار العراق وازدهاره على وجود قوات أمنية موحدة تحت قيادة حكومة واحدة والقائد العام للقوات المسلحة، متحدة تحت راية واحدة تمثل جميع العراقيين”.
— ما هي أهداف هذه الخطوة؟
يشكل تعيين مبعوث خاص للعراق مؤشرا على أن الملف العراقي سيدار بشكل مباشر من مكتب الرئيس ترامب، وليس عبر القنوات الدبلوماسية التقليدية، وفق رئيس مؤسسة فواصل للبحوث والدراسات ياسر مطلك.
وقال مطلك لوكالة أنباء ((شينخوا)) “إن المبعوث الخاص ليس بديلا عن السفير بل هو قناة موازية ذات طبيعة سياسية وشخصية، وهذا يعني أن الإدارة الأمريكية تفضل التحرك السريع بقرار رئاسي دون المرور بإجراءات الكونجرس الطويلة”.
وتابع أن “اختيار شخصية من أصول عراقية يراد منه إرسال رسالة رمزية للداخل الأمريكي وللرأي العام العراقي بأن واشنطن تسعى لإعادة بناء الثقة مع بغداد”.
وتوقع أن يركز المبعوث الأمريكي على ثلاثة ملفات رئيسية، هي الأمن والتوازن مع النفوذ الإيراني، ودعم الاستثمار والشركات الأمريكية، وتقوية العلاقات مع المكونات العراقية الصديقة لواشنطن.
وأضاف مطلك “أن بيان سافايا رسم سياسة الرئيس ترامب تجاه العراق، فالنص مكتوب بلغة دبلوماسية متوازنة بالظاهر، لكنه يحمل نغمة أمريكية تعكس توجهات ترامب تجاه العراق، وهي جيش واحد، قرار واحد، واقتصاد مفتوح على الغرب، أما الرسالة الضمنية فهي عراق قوي لكنه بعيد عن إيران ومقرب من واشنطن”.
فيما قال ناظم علي الباحث المتخصص بالعلاقات الدولية إن سافايا سيركز على عدة ملفات في العراق تشمل “الابتعاد عن التقارب مع إيران، ومنع استخدام الاقتصاد العراقي للالتفاف على العقوبات الأمريكية، والعمل على تحييد الفصائل المسلحة ومنعها من التأثير بالمشهد السياسي ونزع سلاحها وتحرير الاقتصاد العراقي من قبضتها، وتحييد القوى العراقية المؤيدة لإيران”.
وتابع أنه “سيركز أيضا على مسألة الوجود الأمريكي بالعراق، وإعادة الإعمار وبناء القوات المسلحة، ودمج العراق إقليميا خارج التأثير الإيراني”.
وكان سافايا قد قال “إن العراق يظل ذا أهمية بالغة للمنطقة والولايات المتحدة على حد سواء، وسيظل أحد أقوى شركاء أمريكا وأكثرهم قيمة، وأنا ملتزم بتعزيز هذه العلاقة مع تولي هذا المنصب المشرف كمبعوث وجعل العراق عظيما مرة أخرى”.
ويرى أستاذ الإعلام بالجامعة العراقية محمد الجبوري أن تعيين مبعوث خاص للعراق “يعد اعترافا أمريكيا بأن الوضع العراقي غير طبيعي … ولتصحيح هذا الوضع فإن ذلك يحتاج لإجراءات وقرارات مباشرة من الرئيس وليس انتظار الإجراءات من المؤسسات الدبلوماسية والرسمية المعتادة”.
وأضاف الجبوري أن هذا مؤشر على أن الملف العراقي سيدار من قبل الرئيس ومكتبه.
ورحب رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، في بيان صادر عن مكتبه بتعيين سافايا، قائلا “إن تعيين مبعوث للرئيس ترامب إلى العراق خطوة مهمة، خصوصا وأنه من أصول عراقية”.
لكن خبراء حذروا من أن تعيين مبعوث أمريكي خاص للعراق بدلا من تعيين سفير، قد يشكل بداية أزمة في العراق، وسط مخاوف من ممارسة ضغط على بغداد لتطبيع العلاقات مع إسرائيل.
— ما هي التداعيات؟
يعتقد ناظم علي، وهو أيضا عضو مجلس خبراء “المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية” أن تعيين سافايا سيكون بداية أزمة جديدة تعصف بالعراق.
وقال علي إن المبعوث الأمريكي “سوف يدفع باتجاه إبعاد بعض قوى التأثير من المشهد السياسي العراقي، وهي قوى لها مصالحها وأدواتها وستستخدمها لإفشال مهمته، ما قد يدفع الإدارة الأمريكية لاستخدام القوة كما فعلت مع إيران واليمن”.
وأشار إلى أن تعيين سافايا أثار مخاوف لدى بعض الأوساط العراقية من أنه سيكون الخطوة الأولى نحو الانضمام إلى اتفاقيات إبراهام والتطبيع مع إسرائيل، الذي تسعى إليه الإدارة الأمريكية.
وأضاف “تخشى القوى السياسية الرئيسية من دعم الإدارة الأمريكية لقوى قريبة من واشنطن من أجل تشكيل نظام سياسي جديد، وهو ما قد يربك المشهد السياسي العراقي”.
ويؤيد الجبوري الرأي القائل بأن تعيين سافايا قد يشكل بداية أزمة في العراق، خصوصا وأنه وفق ما أعلن الجمعة يسعى لنزع أسلحة الفصائل العراقية، معتبرا “أن ذلك سيشكل بداية أزمة بين بغداد وواشنطن، لكن الحكومة العراقية تعمل من الآن لمنع حدوثها”.
وأضاف الجبوري “أن تعيين أربعة مبعوثين أمريكيين بالشرق الأوسط، بينهم سافايا، معناه أن لدى واشنطن ملفات شائكة تسعى من خلالها لتعزيز نفوذها وإعادة استراتيجيتها بالمنطقة، ما قد يثير أزمة بالمنطقة كلها”.
المصدر: شينخوا

