شؤون آسيوية – د. محمد صالح صدقيان**
انتهت أمس الأحد الجولة الرابعة من المفاوضات النووية بين إيران والولايات المتحدة بالاتفاق علی استمرار هذه المفاوضات في الموعد والمكان الذي يحدده الوسيط العماني الذي استضاف جميع هذه الجولات التي جرت بين الجانبين بشكل غير مباشر منذ 10 أبريل الفائت.
لم يتحدث الجانبان عن اتفاق أو التوصل إلى “إطار اتفاق” كما كان متوقعا وإنما كان هناك تحفظ واضح في التصريحات.
ففي الوقت الذي لم يبد الجانب الأميركي موقفاً واضحاً بشأن نتائج الجولة الرابعة قال الجانب الإيراني إن الجولة التي لم تستمر أكثر من 3 ساعات كانت صعبة لكنها مفيدة لجهة معرفة وجهات نظر الجانبين.
مصادر مواكبة لهذه المفاوضات قالت إن الجانب الأميركي طرح مرة أخری قضية تخصيب اليورانيوم في داخل إيران ومدی حاجتها لهذه الأنشطة في الوقت الذي تستطيع أن تشتري الوقود النووي من السوق الخارجية بمساعدة الوكالة الدولية للطاقة الذرية لتشغيل المفاعلات الايرانية المستخدمة للأغراض السلمية. وهذا ما دعا الجانب الإيراني إلی الإعراب عن استعداده لتقديم المزيد من التنازلات لإزالة القلق من طبيعة البرنامج النووي الإيراني، حيث قدم عدة مقترحات تتعلق بأنشطة التخصيب المقلقة للجانب الغربي بشكل خاص والجانب الأميركي المفاوض بشكل خاص.
وفي حقيقة الأمر فإن التحديات التي تواجه هذه المفاوضات لا تزال تعمل وهي تحاول تسريع محركاتها من أجل التأثير علی مسار هذه المفاوضات.
أولا؛ الكيان الاسرائيلي الذي لا يريد هذه المفاوضات ويسعی بكل جدية لإفشالها مستخدما بذلك اللوبي اليهودي في داخل الولايات المتحدة وهو بذلك يريد الضغط علی الإدارة الأميركية لاستخدام الخيارات العسكرية بدلا من الخيارات السياسية والدبلوماسية لإنهاء وتفكيك البرنامج الايراني النووي.
ثانيا ؛ الاصطفاف الموجود داخل الادارة الاميركية بشأن آلية التعاطي مع الملف الإيراني برمته وليس المسألة النووية فقط؛ حيث يقف الرئيس الاميركي دونالد ترامب إلی جانب مندوبه للشرق الاوسط ستيف ويتكوف ونائبه جي دي فانس في مقابل وزير الخارجية ماركو روبيو ؛ ووزير الدفاع بيت هيغسيث.
ثالثا ؛ الأصوليون في الداخل الإيراني المتشددون بشأن المفاوضات مع الولايات المتحدة حيث يعتقدون أن الجانب الأميركي مهما كان شكله ونوعه وطعمه هو غير جاد في التوصل مع الجانب الإيراني إلی اتفاق يستند إلی المصالح المشتركة والاحترام المتبادل بل انه يريد التوصل الى اتفاق حسب مقاساته ؛ وهو في نهاية المطاف يريد القضاء علی النظام السياسي في ايران تحت مظلة المفاضات او بغيرها.
رابعا؛ الدول الأوروبية وخاصة ألمانيا وبريطانيا وفرنسا؛ التي كانت في اجتماعات واتفاق عام 2015 وهي الآن بعيدة عن هذه الأجواء حيث تمسك بيدها آلية “سناب باك” لعودة العقوبات الدولية علی إيران استناداً إلى القرار الأممي 2231 وتلوح باسخدامها خلال ما تبقی من مدة وهو شهر يونيو القادم لانقضاء صلاحيته بعد هذا التاريخ.
رابعا؛ وهو الأخطر عندما يتفاعل الكيان الإسرائيلي مع الاصطفاف داخل الادارة الأميركية كما حدث في قضية إقالة مستشار الأمن القومي الأميركي مايكل والتز عندما اكتشف أن والتز اتصل برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ونسق معه بشأن هجوم موجه ضد إيران. وعلی الرغم من إبعاد والتز عن الإدارة إلا أن هذا التحدي لا يزال قائما وبقوة من أجل إفشال المفاوضات.
المصادر الايرانية المواكبة تحدثت عن مقترح دفع به الجانب الأميركي إلى الوفد الإيراني والذي جعل جولة المفاوضات الرابعة تقتصر علی مدة قصيرة لاتتجاوز ثلاث ساعات.
فحوی المقترح – كما نقلت هذه المصادر – تعليق أنشطة التخصيب الأمر الذي يعارضه الجانب الإيراني الذي يری أن هذه الأنشطة من حق إيران ولا تتعارض مع المواثيق والقوانين التابعة للوكالة الدولية للطاقة الذرية.
ونقلت هذه المصادر أن الجانب الإيراني قدم مقترحات متعددة من أجل إزالة القلق عند الجانب الأميركي من طبيعة أنشطة التخصيب الإيرانية بالشكل الذي يكسب موافقة الوكالة الدولية للطاقة الذرية كأنظمة المراقبة؛ ونسب التخصيب؛ وكميات اليورانيوم المخصب؛ وآلية حفظ هذه الكميات واستخدامها وما شاكل ذلك من الامور الفنية.
وحسب هذه المصادر فإن الجانب الأميركي كان يملك تصورات أخری لا تنسجم مع الطرح الإيراني.
وقد لعب الجانب العماني بشخص وزير الخارجية بدر البوسعيدي دورا مهما في عدم وصول المفاوضات إلى طريق مسدود حيث اقترح رجوع الوفدين لحكوميتهما لدراسة المقترحات المطروحة بين الجانبين علی أن يحدد الجانب العماني مكان وتاريخ الاجتماع القادم الذي ربما يعقد علی مستوی الخبراء والمختصين في المجال النووي.
وحسب معلومات المصادر المطلعة، فإن الجانب الإيراني طرح فكرة الوصول إلى “اتفاق إطار” يتم تنفيذه علی مراحل متزامنة بين خفض إجراءات أنشطة التخصيب وإزالة العقوبات المفروضة علی إيران.
الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إلى الرياض والدوحة قبيل توجهه إلى مسقط وكذلك الزيارة التي قام بها إلى أبوظبي اليوم الاثنين تدخل في إطار الرغبة الإيرانية بوضع دول مجلس التعاون في إطار المفاوضات وأجوائها لأن طهران تعتقد أن وضع هذه الدول في أجواء هذه المفاوضات يدعم موقفها التفاوضي ويجعلها أكثر شفافية مما يعزز العلاقات مع هذه الدول ويدعم موقف طهران التفاوضي أيضا.
*باحث ومحلل سياسي إيراني
U2saleh@gemil.com